رأيته في الثمانين ضعف جسمه، واتّقدت همّته، سبرت أعماقه فراعتني، ثم كانت هذه القصيدة.
عمري ثمانون صارت مثل تذكارِ=كأنّه ومضُ نورٍ لاح للساري
مرّت عليَّ بإحساني وفي خطئي=وأنعُمي اللاءِ حفّتني وإعساري
وصحبةٍ كالشباب النضْر باهرة=وصحبةٍ من قماءات وأقذار
قد عشتُ عمريَ بالقرآن معتصماً=به لياذيَ في جَهري وإسراري
ما كنت أحفظه، بل كان يحفظني=حفظاً أسود به في كل مضمار
وكان يحرسني من كل شائنةٍ=وكان وِرديَ في صبحي وأسحاري
له قيادي وصَوْلي حيث تنقلني=خُطاي فَانْظُره في فعلي وأشعاري
وما أبرِّئ نفسي فهي آمرةٌ=بالسوء في مكرِ قالٍ شانئٍ زاري
لكنني كنتُ توّاباً وفي أملٍ=به محا الله آثامي وأوزاري
بصيرتي في الغواشي قبل باصرتي=سراج عمريَ والواقي من النار
كانت دليلي ومشكاتي وهاديتي=إلى المكارم في وردي وإصداري
* * *=***
جعلت أخلاق من جلّت مكارمهم=عشقي وتَوقي وزوّاري وسمّاري
ويحكم القولَ مني الحلمُ في كرمٍ=ويحكم الفعلَ إغضائي وإيثاري
للناس وُدِّيَ شهداً خالصاً غدَقاً=أما الدعاءُ إذا أخلو فمزماري
عزيمتي للخيار الصيدِ أمنحها=وإن ضعفتُ فضَعفي لازمٌ داري
والضَّعف منقصةٌ فادفِنْ بوائقه=في قفرة قد نأت أو خلف أسوار
والإثم نارٌ ودمع التوب يطفئُها=فجدْ به خالياً من بين أذكار
ورحمة الله بحرٌ إن ظفرت بها=تعُدْ نقيّاً بلا إثمٍ وأوضار
* * *=***
خُلقت حُراً عَيوفاً طاب معدنه=أرى الكرامة فرضي والونى عاري
والصبر والشكر والأذكار لي لجأ=والبرّ كنزيَ لا داري وديناري
إذا ظمئت وحولي الماء كدّره=غرور مستكبر أو منُّ أغرار
جعلت من ظمئي ماءً رويت به=فهو الفرات النقي السائغ الجاري
وإن دعيت إلى جُلّى ومكرمةٍ=لبيتُّ في مقةٍ جذلى وإصرار
كأنني حين أحبو الشيء أملكه=وإن بخلت فبئس البائع الشاري
* * *=***
وعذت بالله في عزمٍ وفي ثقةٍ=فجاءني عوذه أمواج أبحار
به علوتُ على طيني بباهرةٍ=من الفضائل حسناء ومعطار
صار التوكُّل عندي حارساً يقظاً=أمّا اليقين فأجنادي وأنصاري
حتى رآني عِداتي قامةً شمخت=وهامتي اتَّشحت بالنبل لا الغار
والفضل لله لا نحصي له نعماً=وقطرة من جداه سحُّ أمطار
له سجدت فكانت سجدتي شرفاً=ما كنت أرجوه، لكنْ منحة الباري
بها عرجت إلى السبع الطباق فتىً=عاد الشباب له في حسن آذار
أمّا فؤادي فتمجيدٌ ومحمدةٌ=والدمع شكريَ والتسبيح أسماري
والعمر بالسعد مقرونٌ ومتَّشحٌ=كأن أمداءه أمداءُ أدهار