أنا القدسُ الأبيَّةُ في علائي= أنا في الأرض بعضٌ مِن سماءٍ
أنا انبلجَ الضياءُ فكان وجْهي= مناراً للسماحةِ والوفاءٍ
يَغَارُ الحُسْنُ مني حين أزهو= ويخجلُ ثمّ يُبحِرُ في الحياءِ
أنا بنتُ المكارمِ إذ تمشَّى= على أرضي كِرامُ الأنبياءِ
تعلّمتُ العُلا منهم فصارتْ= ليَ الأمجادُ عاشقةً إبائي
أنا تاجُ الفضيلةِ فوق رأسي= مقدَّسَةٌ مُطَهَّرةُ الرِّداءِ
أنا أرضُ الشهادةٍ كيفَ أنسى= رجالاً همْ عناوينُ الفداءِ
وكنتُ أنا العرينُ وكان أُسْدِي= غضاباً في المعاركِ و اللقاءِ
هَوَتْ فِتَنُ الحياة بهمْ فكانوا= جبالاً في الثبات بلا انحناءِ
رجالاً لا نظيرَ لهمْ أباةً= حماةَ الحقٍّ ترياقَ الشفاءِ
إذا البلوى العنيدةُ بي أحاطتْ= تداعَوا فوقَها مِثلَ البلاءِ
لتصبحَ في خيال الدهر شيئاً= صغيراً قد تضاءلَ للوراءِ
أنا القدسُ التي يزهو الزمانُ= بها يومَ الكريهة و العناءِ
ومِن فوقِ المآذن لي لواءٌ= من الإيمانِ وهَّاجُ الضياءِ
تضمِّخُهُ الدماءُ ، وليس مِسْكٌ= يُدَاني عِطرُهُ عِطْرَ الدماءِ
سلوا عني غزاةَ الشرق إني= أذقتُهُمُ الرَّدى مثلَ الحساءِ
وعُبَّادَ الصليبِ غَداةَ جاءوا= جحافلَ أصبحوا رَهْنَ الفناءِ
كذا كلُّ العِدا حطَّتْ رِحالاً= هنا إذ ذاكَ مِن حُمَّى الغباءِ
أبشِّرُهُمْ بشائرَ مؤلماتٍ= بأنّ مَن اعتدى تحتَ الحِذاءِ
وأنّ ليَ العُلوَّ أرى سناهُ= يُطلُّ فليس يُخْدَشُ كبريائي
أنا القدسُ الأعزُّ وبي يقينٌ= بأن الحقَّ منصورُ اللواءِ
لأنَّ اللهَ للأحرار عَوْنٌ= وينصرُ إذ يُدبِّرُ في الخفاءِ
فإنْ عاد العبادُ إليه تابوا= و وَعْدُ الله أولى بالوفاءِ
أعودُ إليهمُ عَوْداً عزيزاً= ويسطعُ في الدنا هَدْيُ السماءِ