حسين مجيب المصري.. تجربة فريدة
في الشعر العربي الحديث دراسة تحليلية نقدية
عرض: محمود حسين عيسى
المؤلف: صلاح رشيد
يقع هذا الكتاب في /237/ صفحة من الحجم الصغير، وقد ركز فيه المؤلف على إظهار الروح الإسلامية الشرقية بأصالتها وعراقتها في شعر الدكتور حسين مجيب المصري عميد الأدب الإسلامي المقارن، والذي يظهر في شعره أيضاً الوحدة الثقافية للشعوب الإسلامية.
وقد بذل المؤلف جهداً مشكوراً في بيان جانب الشعر، لدى الدكتور حسين مجيب المصري، إذ كان يقرض الشعر بعدة لغات منها الفارسية والتركية، فضلاً عن اللغة العربية.
ولقد عايش حسين مجيب المصري الشاعر الكبير محمد إقبال في جميع ما أخرج من كتب منظومة، ما يزيد على ثلاثين عاماً، وهو بذلك قد أطلع القارئ العربي على ثقافة جديدة لم يطالعها من قبل وكشف له عن جوانب خفية من تراثه العظيم.
وقد نظم الدكتور حسين مجيب المصري في إقبال عدة قصائد، منها هذه الأبيات:
فصيح أنت يا لك من فصيح لذاك اخترت فن القول شعرا
ولا، وما قلت في وجه مليح ولا داعبت مثل المسك شعرا
سئمت حديث هجر أو تلاق وما أرويت للمحبوب ثغراً
كرهت مشكاة وجد واشتياق وأخمدت الصبابة فيك جمرا
رضيت الشعر لكن في نطاق به حققت للإنسان خيراً
وتحدث المؤلف عن شعر حسين مجيب المصري تحت عنوان: "شعر المصري بين الشعراء المعاصرين" بين فيه: أن حسين مجيب المصري برومانسيته الحزينة، وألفاظه البديعة، وصوره التي تشربت تراث الأمة واستوعبته، وأشعاره التي فيها عبق الماضي وزخمه، ومرارة الحاضر وقسوته.. يقف في طليعة شعراء العربية في النصف الثاني من القرن العشرين؛ فها هو ذا المصري يستمسك بعمود الشعر ولا يحيد عنه.
ويقول أيضاً: إن في شعره تبدو الوحدة المتسقة في تراثنا الغزير، وإن من يمتلك أدوات هذه اللغات، ولديه الحاسة الشعرية يستطيع أن يكتب شعراً في هذه الألسنة، نظراً لوحدة البحور الشعرية والثقافية الجامعة بين أوشاج المسلمين!!.
وتحت عنوان "ترجمات المصري من الآداب الشرقية إلى الشعر العربي"، يقول المؤلف: "ويكفي أن نعرف أن المصري عكف على ترجمة جميع دواوين شاعر الإسلام محمد إقبال في الأردية والفارسية، وكذلك اهتم بترجمة محلمة "الإسلام بين مد وجزر" للشاعر الهندي ألطاف حالي.. وغيره من شعراء الهند، وكذلك ترجمته لأعمال كثير من الشعراء الأتراك.
ويختم المؤلف دراسته النقدية بـ" الجانب الفني في شعر المصري" إذ يقول: إن شاعرنا استطاع بمهارته اللغوية الفائقة، وقدرته على التصوير الفني الخلاق أن يبدع قاموسه الشعري الخاص، وألفاظه وجمله وتعابيره التي سكها ونحتها بطبيعته الخاصة.
أما الصورة البيانية في شعر حسين مجيب المصري فهي مبتكرة في كثير منها، وتعكس موهبته في التجديد والإضافة، وتقديم ألوان رائعة من التمثيل والتجسيد، مثل بوسفورياته.. التي انفرد بها متغزلاً في شاطئ البوسفور بتركيا يناجي فيه هذا الشط الذي التقى على شاطئه بمن يحب؛ في صورة فريدة من الإبداع الجمالي والفني.
ومما يلحظ على شاعرنا فرط ولوعه بالتنغيم، وهذا ما جعله يلزم نفسه بما يعرف بلزوم ما لا يلزم، وهو أن يكون الروي في الشطر الأول من البيت، يطابق روي البيت التالي في الشطر الأول منه، وقد شرع في الأخذ بهذا في الديوان الأول ثم التزم به في دواوينه الخمسة التالية، وهذا أمر شاق – ولا ريب- على الشاعر يتطلب منه قدرة فائقة على التعبير. على أن شاعرنا اكتسب الدربة على ذلك، فكان عليه سهلاً يسيراً، ومن ذلك قوله:
لخيالي أنت شعر يحتوي آيات فني
ولروضي أنت زهر ليس يذوي فوق غصن
ويقرر المؤلف في نهاية دراسته: أن من نبوغ حسين مجيب المصري شاعراً التفاته إلى الثقافة الشرقية قراءة وتذوقاً واستيعاباً، بعد أن ساءه لجوء شعرائنا ومفكرينا شطر الغرب؛ لكن حسين مجيب المصري المؤمن بعظمة حضارته الإسلامية، ذات الجذور الضاربة في عمق الشعر والثقافة يركن إلى طبعه ومعدنه الأصيل، حيث الفطرة والبلاغة وجماليات الأداء والأخيلة المبتكرة، والصياغات الساحرة، بدلاً من نشدان العجمة والغموض والإبهام والتعقيد والأحاجي في كتابات ليست من تراثنا الأدبي ولا الروحي، ولكنها في كثير من نماذجها تصدر عن معين آسن، بلا روح ولا حياة على الإطلاق!!.