عرض كتاب الخلافات السياسية بين الصحابة
لكاتبه محمد بن المختار الشنقيطي (2003)
د. خالد أحمد الشنتوت
باحث في التربية السياسية
1- قدم الأخ راشد الغنوشي للكتاب وأشاد بـه .
2- ذكر المؤلف في مقدمته ضرورة الفصل بين المبدأ والشخص ، وذكر الردة السياسية التي حولت الخلافة إلى ملك .
3- لم يعرف التاريخ البشري تحول ( المثـَل إلى مثال ) بشكل مطلق ، وهذه قصص القــرآن تعرض واقع الأنبياء ( المثــال ) وهو أقل من ( المثل ) [ وعصى آدم ربه فغوى ] [ ولقد فتنا سليمان ] [ عبس وتولى ....] لذا يجب عند دراسة تاريخ الصحابة أو غيرهم أن نقدم الصورة الكاملة بجوانبها المضيئة والقاتمة .
4- يقول عمار رضي الله عنه (...إني لأعلم أنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ، ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها ) ...وكان عمار في جيش علي رضي الله عنهما . ولو أن الباحثين تناولوا الخلافات بين الصحابة من زاوية الابتلاء لنجحوا لأنهم سيحافظون على مكانة الأشخاص في حدود ما تسمح به المبادئ .
5- ويظهر الكاتب إعجابه القوي بابن تيمية رحمه الله ويعلل ذلك لأنه ميز بين الخلافة والملك ، وأعلن أن خبره صلى الله عليه وسلم بانقضاء الخلافة فيه ذم للملك ، كما يظهر الكاتب إعجابه لأهل الحديث لأنهم يعتبرون في الجرح والتعديل قدسية المبادئ فوق مكانة الأشخاص .
6- يصرح الباحث أن هذا البحث يهتم بمنهج التعامل مع خلافات الصحابة ، ولايهتم بتفاصيل الخلافات .
7- يضع الباحث قواعد للبحث في خلافات الصحابة وهي :
1- التثبت في النقل والرواية كما هو منهج أهل الحديث .
2- استصحاب فضل الأصحاب رضوان الله عليهم ، لايمنع إقرارهم على هفواتهم ، فقد طبق الرسول صلى الله عليه وسلم حد القذف على مسطح ( وهو بدري ) وغيره .
3- التمييز بين الذنب المغفور والسعي المشكور، فالعشرة المبشرون بالجنة تقع منهم هفوات لكنها مغفورة لهم تفضيلاً لهم .
4- المنهج التأصيلي ينطلق من المبدأ ( المثـَل ) والمنهج التاريخي ينطلق من التجربة البشرية ( المثال ).يقول ابن تيمية : اتفق العلماء على أن معاوية رضي الله عنه أفضل الملوك ، ومن سبقه كانوا خلفاء نبوة .
5- الاعتراف بحدود الكمال البشري فقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم حد شرب الخمر على نعيمان الأنصاري ، كما أقامه عمر على قدامة بن مظعون وكلاهما بدري .. ومن هذا ينبغي عدم تنزيه غير المعصوم عن الهوى مهما علت مكانته .
6- الإقرار بثقل الموروث الجاهلي ( إنك امرؤ فيك جاهلية ) وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( أربع في أمتي من أمر الجاهلية لايتركونها : الفخر بالأحساب ، والطعن في الأنساب .....الحديث ) وقد علل ابن تيمية بعض الأحداث بثقل الموروث الجاهلي كاعتراض أبي سفيان وخالد بن سعيد على بيعة الصديق رضي الله عنهم لأنه من بني تميم وليس من عبد مناف أهل السيادة والقيادة في الجاهلية ... ومن الموروث الجاهلي تعظيم بيت النبوة .
7-اجتماع الأمانة والقوة قليل ، يقول ابن تيمية لهذا كان عمر رضي لله عنه يقول ( اللهم إني أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة ) . وولى الرسول صلى الله عليه وسلم خالداً رضي الله عنه مع أنه رفع يديه إلى السماء وقال ( اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد ) وكان أبو ذر رضي الله عنه أكثر أمانة من خالد لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له ( إني أراك ضعيفاً ) .
8-يجب الأخذ بالنسبية الزمانية : فقد ظهرت مساوئ يزيد بشكل سافر لقربه من عهد الصحابة ، وإلا جاء بعده من هو مثله أو أكثر شراً .
9-عدم الخلط بين المشاعر والوقائع : كمن أنكر امتناع علي رضي الله عنه عن بيعة الصديق وكذلك سعد مع أنها وردت في البخاري .
10-الابتعاد عن اللعن والسب .
11- الابتعاد عن التكفير والاتهام بالنفاق ( كما يكفر الشيعة معظم الصحابة ) ...
12-التحرر من الجدل وردة الفعل كالذين ردوا على الشيعة فكان التشيع السني كما هو عند ابن العربي في العواصم من القواصم . فقد سئل النسائي في دمشق عن فضل معاوية رضي الله عنه ( وقد جمع النسائي فضائل علي رضي الله عنه ) فقال : ألا يرضى رأساً برأس حتى يفضل !! فمازالوا يدفعونه في خصييه حتى أخرجوه من المسجد ، فاعتل ومات يرحمه الله ، كما اتهم الطبري بالتشيع لأنه صحح حديث غدير خـم الذي رواه جمع من الصحابة .
13- إدراك الطبيعة المركبة للفتن السياسية وأهم أسبابها الظلم السياسي .
14- التركيز على العوامل الداخلية ، وليس على العوامل الخارجية فقد تم التركيز على دور ابن سبأ وأنصاره في حرب صفين ، وأهملت مطامح الملك ...( وفي البخاري هلكة أمتي على يد
غلمة من قريش ) ...
15-اجتناب الصياغة الاعتقادية للخلافات الفرعية ، كمن رفض البسملة لأنها من عمل الشيعة بينما أقرها الشافعي لأنها من عمل النبي صلى الله عليه وسلم ، كما سئل علي رضي الله عنه عن أ÷ل الجمل : أمشركون هم !! فقال : من الشرك فروا ، قيل أمنافقون هم ؟ قال المنافقون لايذكرون الله إلا قليلا ، قيل فما هم ؟ قال : إخواننا بغوا علينا .
16- الابتعاد عن التهويل والتعميم .
17- التمييز بين السابقين وغير السابقين : يرى ابن تيمية أن حرب الجمل فتنة ،وحرب صفين قتال بين أهل بغي وعدل ، لأن قادة جيش الجمل من السابقين ( كانت عائشة رضي الله عنها إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبل خمارها ، ولما نبحتها كلاب الحوأب قالت ردوني فقالوا لها أكملي لعل الله يصلح بين الفريقين ) .
18- اجتناب التكلف في التأويل والتأول ، نأخذ الظاهر ولا نتأول .
19- التدقيق في المصطلحات : فالعدالة ( عدالة الصحابة ) لاتعني العصمة كما قال الهيثمي ، ولاتضر الجهالة بالصحابة لأنهم عدول ، وأبو الغادية يروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم ( لاترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ) وهو الذي قتل عمار بن ياسر يوم صفين ...
20-التمييز بين الخطأ والخطيئة .
21-التمييز بين الخطاب الشرعي والخطاب القدري ...
22-الحكم بالظواهر والله يتولى السرائر .
ويقدم الباحث ملاحظات على منهج ابن تيمية ومنها أنه يضطرب عندما يتحدث عن معاوية رضي الله عنه . كما يقدم الباحث ملاحظات على مدرسة التشيع السني كما هي في كتاب العواصم القواصم ...
نقــد :
1- الكتاب هام من حيث فهم التاريخ الاسلامي ، وفهم الماضي ضروري لفهم الحاضر ، والإعداد لتخطيط المستقبل ...
2- وتزداد أهمية الكتاب لأنه يقدم منهجاً للبحث في تاريخ الصحابة ، يغلب فيه المبادئ ( المثــَل ) على الأشخاص ( المثال ) ....
3- ويتضح أن العنوان الحقيقي للكتاب هو ( منهج البحث في الخلافات السياسية عندالصحابة رضوان الله عليهم ) ولم يتطرق إلى الخلافات نفسها إلا من أجل إيراد أمثلة عن قواعد المنهج ....
4- بقي ان نتفق على تسميتها ( خلافات سياسة ، أم اختلافات سياسية ) والذي أعرفه أن الاختلافات أمر فطري بين الناس ، وتبقى في إطار الفائدة في التنوع والاختلاف ، فقد خلق الله الناس مختلفين في أشكالهم وعقولهم ، ولو خلقهم نسخة واحدة مكررة لما قامت الحياة على وجه الأرض ، وهذا الاختلاف ( اختلاف التنوع ) فيه فائدة للحياة البشرية ، فهل ما يتحدث عنه الباحث ( خلافات أم اختلافات ) ، أما الخلاف فهو مايؤدي إلى مذموم ، وليس كما الاختلاف الذي يؤدي إلى محمود ...والله أعلم .
5- لقد قلل الباحث أثر الكيد والمؤامرات الخارجية ، وجعل العوامل الداخلية هي السبب الأكبر ، وأختلف معه في هذا الفهم ، وأرى أن أعداء المسلمين من ( يهود ، وفرس ، وروم وغيرهم ) يئسوا من مواجهة الإسلام في العلن ، فبادروا إلى المؤامرات والكيد والدس وصناعة الفتــن ، وقصة عبد الله بن سبأ لاتخفى على عاقل .. وقد اتفق المؤرخون على أن ( الغوغائيين ) في معركة الجمل هم الذين اشعلوا المعركة بعد أن كاد كبار المسلمين أن يتفاهموا ، ويرجعوا عن المعركة ...وأن (الغوغائيين ) توزعوا بين الجيشين ليقوموا بتنفيذ مؤامرتهم كما رسموها .... ونحن نرى حتى اليوم كيف تلعب الصهيونية والصليبية والمجوسية كيف يلعبون بالمسلمين كما يلعب الطفل بالعصفور ، عندما نرى أن رجلاً مثل القذافي يحكم بلداً مسلماً ( 42 ) سنة ، وينهب منه ( 130) مليار دولار ، وصار هذا قاعدة لدى حكام المسلمين ....والعامل الداخلي هنا هو الســذاجة ( طيبة القلب في غير محلها ) التي ضيعت المسلمين ... والله أعلم ....