سوريا مزرعة الأسد 6

د. عبد الله الدهامشة

سوريا مزرعة الأسد

الفصل السادس

ماذا تعرف عن رفعت الأسد؟

د. عبد الله الدهامشة

ما نقوله عن رفعت، ينطبق جزء كبير منه على عشرات الضباط الكبار في النظام الأسدي، غير أن رفعت يتميز ببعض الصفات، منها كونه من أوائل الذين سلكوا طريق النهب والسلب من ثروة الشعب السوري، بعد شقيقه حافظ، ومنها وصوله إلى أرقام قياسية في هذا السلب والنهب، لم يسبقه سوى أخيه حافظ أيضاً.

رفعت قبل الثامن من آذار 1963م:

أبوه علي سيلمان الوحش، وقد حصل جده على هذا اللقب من حلبة المصارعة، عندما صرع المصارع التركي الذي كان لا يقهر، ولم يكن أهل القرداحة يعرفون له لقباً، كانوا يعرفونه سليمان (فقط)، ثم حصل على لقب الوحش، أما علي سليمان الوحش، فقد تعلم وكان مشتركاً في جريدة تصله بالبريد إلى القرداحة (1)، خلال الحرب العالمية الثانية، وكان في بيته خريطة للعالم، يتابع عليها أنباء الحرب العالمية الثانية، ولم نتمكن من معرفة المكان الذي تعلم فيه علي سليمان الوحش، وقد ورث علي عن أبيه سليمان القوة الجسدية، وهذه القوة مع التعلم ساعداه على رفع مكانته الاجتماعية في القرداحة، ليلتحق بقبيلة الكلبية، إحدى قبائل العلويين الأربع(2)، كما أنه صار من وجهاء القرداحة، وممن يسعى إليه الناس في حل الخصومات، وعندها اجتمع وجهاء القرداحة وقالوا له أنت: علي سليمان الأسد، وليس الوحش.

ولد رفعت علي سليمان الأسد عام (1937)، وهو آخر أولاد أبيه، وأمه (3). ويكبره جميل بأربع سنوات، فهو مواليد (1933)،  أما حافظ فهو من مواليد (1930م). وكان لرفعت عشرة من الإخوة والأخوات، حُرم الثمانية الأول منهم من التعليم، لعدم وجود مدرسة في القرداحة يومها، ثم أصّر أبوه على أن يتعلم الثلاثة الباقون، وفي الثلاثينات أدخل الفرنسيون التعليم، وفتحت في القرداحة مدرسة ابتدائية، وتمكن علي سليمان من إدخال أولاده فيها.

في عام (1949م) انتقلت عائلة علي سليمان الأسد كلها من القرداحة إلى اللاذقية، لمدة سنة من أجل الإشراف على أصغر أبنائها رفعت، الذي كان سيبدأ دراسته الثانوية (يعني الإعدادية والثانوية) في ذلك العام، فاستأجروا غرفةً (واحدة)، في أحد المساكن، وراحوا يراقبون النشاط السياسي الذي راح ولدهم (حافظ ) يمارسه بهمة وإقبال شديدين (!!)، والذي لم يكونوا موافقين عليه تماماً.

ثم تابع رفعت حتى حصل على الثانوية، ثم صار موظفاً بسيطاً في الجمارك، يتقاضى راتباً لا يزيد عن (200) ليرة سورية تعادل يومها (55) دولاراً، وخلال خدمته العسكرية التي قضاها برتبة (عريف)، وهي أدنى الرتب العسكرية، تعرف على الملازم المجند محمد الخطيب، الذي عامله يومها معاملة حسنة، فكافأه رفعت فيما بعد وجعله وزيراً للتربية في السبعينيات.

 رفعت في عام 1963م:

عندما قامت ثورة الثامن من آذار (1963م)، سُرحت دفعة كانت في الكلية العسكرية، وجلبت دفعة بديلة على عجل، معظمها من المعلمين من طوائف معينة، وكان منهم (رفعت أسد)، و(عبد الله طلاس)، وغيرهم. تخرجت هذه الدفع-ة بعد سنة ونصف فقط، وسميت بدورة البعث الأولى.

رفعت من 1965 وحتى 1970م:

بعد تخرجه بسنة ونيف شارك في انقلاب (23 شباط 1966)، في المجموعة التي قادها سليم حاطوم واعتقلت الفريق محمد أمين الحافظ؛ رئيس مجلس الرئاسة يومذاك، بعد معركة راح ضحيتها (200) عسكري وهو ضعف ما خسره الجيش السوري في حرب (5) حزيران (1967م ) حسب رواية الدولة يومذاك.

وفي عام (1969م) ساهم (رفعت) في القوة التي حاصرت العقيد (عبدالكريم الجندي) من بلدة السلمية، قائد المخابرات العامة يومذاك في عهد صلاح جديد، وقتلته أو دفعته إلى الانتحار عند بوابة اللواء السبعين.

يقول باترك سيل: كان العقيد عبد الكريم الجندي من أنصار جديد، وهو قائد المخابرات, ومن أعضاء اللجنة العسكرية، وكان رفعت (4) قد اكتشف أن الجندي يخطط لاغتيال شقيقه حافظ، وفي الأيام (25-28 شباط 1969) وقع شبه انقلاب قام به حافظ ورفعت، حركت الدبابات إلى مفاصل العاصمة، وتمكن رفعت من اعتقال سائقي الجندي.

وأدرك الجندي عندما فقد أسطول سياراته أنه انتهى، وبعد مشادة كلامية مع علي ظاظا مدير المخابرات العسكرية؛ قتل الجندي نفسه بإطلاق النار على رأسه. وبعد أسبوعين انتحرت زوجته أيضاً. وتعززت مكانة رفعت، كذراع الأسد اليمنى، وجزع أتباع جديد، وكسب الأسد جولة هامة.

وهكذا من بين الأعضاء الخمسة المؤسسين للجنة العسكرية : كان عمران منفياً في لبنان، ( ثم اغتيل من قبل الأسد)، وكان أحمد المير قد طرد إلى إسبانيا، والجندي قد مات، وبقي الأسد وجديد يتصارعان من أجل الوصول إلى قمة السلطة.  

وخلالها كان رفعت قد التحق بالدورات التالية في مدرسة المدرعات بالقابون، وهي دورة قائد سرية، ثم دورة قائد كتيبة، ثم أعطيت له رتبة (نقيب) وألحق بدورة (أركان حرب)، وكان أول نقيب في الجيش السوري يلتحق بدورة الأركان، وفي عام (1970م) التقيت بزميله وابن دورته (النقيب عبدالله طلاس )، وما أدري كيف حصل رفعت على رتب (رائد، مقدم، عقيد) وكل ما عرف عنه بعد قيام أخيه بالحركة التصحيحية أنه قائد سرايا الدفاع ووصل تعدادها يومذاك إلى (55) ألف عسكري، فيها أحدث دبابات الجيش السوري وكانت يومذاك (ت 62 ثم ت 72)، وفيها طائراتها العمودية الخاصة بها. ويشير العماد مصطفى طلاس في كتابه (ثلاثة شهور هزت سوريا)؛ إلى أن الرئيس حافظ الأسد كان الشخص الوحيد الذي يتابع "عبر قنوات سرية للغاية" الشؤون الأمنية لسرايا الدفاع التي يقودها شقيقه. والقنوات سرية لأن العميد رفعت كان يسجن أي ضابط في السرايا له علاقة مع المخابرات العسكرية، الأمر الذي جعل السرايا بمثابة "غيتو خاص يصعب انتهاكه".  وكانت سرايا الدفاع تحيط بدمشق، وتحمي كرسي الحكم، ولم تشارك في حرب (5) حزيران (1967م).

رفعت أسد طالب في جامعة دمشق:

حصل رفعت على ليسانس في التاريخ ثم ليسانس في الحقوق من جامعة دمشق، مما دفع بعض الأساتذة الشرفاء إلى الهجرة من سوريا كلها، كي لا يروا بأعينهم هذه المهازل ومن لطائف ما يرويه العماد مصطفى طلاس في كتابه (ثلاثة شهور هزت سوريا) عن العميد رفعت حين كان طالباً في قسم التاريخ بجامعة دمشق، أن رئيس القسم الدكتور محمد خير فارس شكا له (لوزير الدفاع): أن رفعت يأتي مع مفرزة من الحرس إلى الجامعة أيام الامتحان، ولا أحد يجرؤ من المراقبين أن يقول له شيئاً، فماذا أفعل؟، وكان رد العماد: [لا تفعل شيئاً لأنه لن يعمل لديكم أستاذاً للتاريخ ولا غيره!!!]. على أن أجمل ما يرويه العماد عن علاقة العلم بالسلطة في تلك الأيام الأمثولة التالية: [ما كاد رفعت ينهي الإجازة في التاريخ حتى تسجل في كلية الحقوق هو وزوجته لينا وابنه دريد، وكانوا يقدمون الامتحان معاً في غرفة رئيس الجامعة الدكتور زياد شويكي، حرصاً على أمن الطلاب وأمن المعلومات، وعندما جاءتهم الأسئلة مع فناجين القهوة وكتب السنة الأولى قال لهم رفعت: العمى في قلبكم... ابعثوا لنا أستاذاً يدلنا أين توجد الأجوبة لهذه الأسئلة!!!].    

ومن  المعروف أنه بعد حصوله على الليسانس من جامعة دمشق، حصل على الدكتوراة من موسكو في التاريخ أيضاً، على أطروحة عن الصراع الطبقي في سوريا، ويعتقد أنها من تأليف أحمد داود العلوي الذي يجيد اللغة الروسية !!!.

رفعت أسد يهرب ذهب سوريا إلى الغرب :

وبدأ يلمع اسمه كثيراً بعد انتخاب حافظ أسد رئيساً لسوريا، ورأينا الورقة المالية ذات (500) ليرة سورية التي وقعها (رفعت) باسمه الصريح؛ بعد أن رفض مدير البنك المركزي توقيعها، هذه الورقة التي كان (رفعت) يطلب منها الكمية التي يريدها، وكان مدير المصرف المركزي ينفذ طلباته مجبراً، وقام أزلام رفعت بشراء الذهب من سوريا خلال عقد السبعينيات بهذه الأوراق، وأخرجه إلى حساباته في أوربا وأمريكا، وهذا أول إسفين دق في الاقتصاد السوري، مما أدى بعده إلى انهيار الليرة السورية.

رفعت أسد تاجر المخدرات الدولي:

الريشة بلدة في أطراف سوريا، محاذية للمثلث الأردني السعودي السوري، زعيمها (لورنس) الشعلان، وهذه البلدة لا تخضع لنفوذ أي من الدول المجاورة، حتى لا تخضع لنفوذ سوريا، وبعض الهاربين جنائياً يصلون إليها ويحتمون بزعيمها (لورنس)، فلا تستطيع الحكومة السورية القبض عليهم، وهذه معلومات بديهية عند أبناء البادية السورية، وسر قوة (لورنس الشعلان(5)) هي أنه شريك لكبار الضباط في الحكومة السورية، شريكهم في تجارة المخدرات الدولية، وعرفت مرة أحد أفراد قبيلة المشارفة واسمه أحمد الضاهر، وهو مشهور في بادية الشام، اشتبك مع الشرطة قرب حماة، وأطلق عليهم النار حتى نفدت ذخيرته، وعندئذ استطاعت الشرطة القبض عليه، ثم...!!!! من يصدق أنه خرج من السجن بسند كفالة (5000) ليرة سورية فقط!!؟؟ وعندما تعجبت من ذلك بحثت وعرفت أنه من أزلام (رفعت أسد) في تهريب المخدرات، وبعد خروجه بساعات كان قد وصل (الريشة) حيث زعيمها (لورنس) يحميه من جميع دول المنطقة، لأنه زعيم أكبر عصابة لتهريب المخدرات في العالم.

عرف رفعت أسد الريشة ولورنس مبكراً، وجعل نفسه شريكاً رئيسياً له في تجارة المخدرات، حتى ذاق طعم الملايين، استقل رفعت في سهل البقاع اللبناني، وسبق لورنس الشعلان في هذه التجارة، بل صار لورنس من تلامذته، لأن رفعت سخر سيارات الجيش وطائراته العمودية في زراعة وصناعة وتصدير المخدرات في سهل البقاع، بل بنى ميناء قرب اللاذقية لا تعرف الجمارك السورية شيئاً عنه، ولا عن البضائع التي تصدر منه أو تستورد عن طريقه، واستمر هذا الميناء حتى أواخر التسعينات، حيث قاد بشار الأسد قبل وفاة والده لواء مدرعاً استطاع أن يحتل هذا الميناء ويدمره في معركة قتل فيها من الجانبين قرابة (500) عسكري من الجنود.

وكانت زراعة وصناعة وتصدير المخدرات في سهل البقاع تحت عيون المخابرات الصهيونية والأمريكية، [انظر مجلة الإكسبرس الفرنسية التي ادعت (في عددها الصادر في شهر مايو 1987، ص 34 - 41) بأن هناك صلة للسلطات السورية في تجارة المخدرات اللبنانية، وأن نائب الرئيس السوري رفعت أسد ضالع في تسويقها لدى شبكات التجارة العالمية. وفي شهر مايو 1985 قامت السلطات الإسبانية بطرد القنصل العام والمسؤول الأمني في السفارة السورية، بسبب انكشاف دورهم في شحنة هيروين تم مصادرتها، وادعت الصحافة يومها بأن للسفير السوري في إسبانيا (وهو شخص مقرب من رفعت أسد) دوراً في هذه الصفقة كذلك.

وقد نشرت مجلة الإكسبرس الفرنسية في عددها رقم (1986) تحقيقاً مطولاً حول تورط رفعت أسد في تجارة المخدرات، والأسلحة وضلوعه في عصابات سرقة السيارات من ألمانيا وإيطاليا وبلجيكا، عن طريق شبكة يديرها ابنه فراس. ثم نشرت مجلة إنتربيو الإسبانية تحقيقاً آخر حول صلة رفعت بالاستخبارات الفرنسية والإسبانية، وعن أنشطته غير المشروعة بالتعاون مع التاجر السوري منذر الكسار في تجارة الأسلحة والمخدرات. وبالرغم من الاحتجاج المتكرر من قبل السلطات السورية ومحامي رفعت أسد على هذه الحملة الصحفية، فإن الحقيقة ظهرت في شهر أكتوبر 1999 عندما اشتبكت القوات السورية مع حراس رفعت في ميناء يسيطر عليه باللاذقية، وكانت الأسباب الظاهرية هي أنشطة رفعت المحظورة في مجالات التهريب عبر هذا الميناء.

 ميناء رفعت:

وقد مر ذكره آنفاً، يقع قرب مدينة اللاذقية، لا يخضع للحكومة السورية، واستمر رفعت يهرب منه البضائع من وإلى سوريا قرابة عشرين سنة، دون أن يتمكن أحد من ضباط الجمارك أو الأمن بشتى فروعه؛ من دخول هذا الميناء الذي سكنت فيه عدة عوائل من أنصار رفعت الأسد.

وترسخت ظاهرة الفساد وما تفرزه من نهب وسلب ورشوة واختلاس، مذ وقعت سورية الغالية بين براثن حكم قمعي وحشي منذ أكثر من ثلث قرن، ومن الجدير ذكره  أن السلطة السورية عندما حاصرت موقعاً مطلاً على البحر، قريباً من اللاذقية تعود ملكيته لرفعت الأسد قائلة : إنه ميناء غير مشروع يستخدمه رفعت للتهريب. ولما سئل رفعت عن هذا الميناء أجاب عبر المحطة الفضائية (a.n.n.) التي يملكها ولده سومر: وهل أبقت السلطات – الجناح الحاكم على حد تعبيره - شيئاً يمكن تهريبه بعد أن سلبت ونهبت كل شيء ؟، لقد استعصت ظاهرة الفساد في سورية على الحل، وكيف لا تستعصي وأقطاب النظام وسدنته هم الذين يقودون حملة الفساد؟!! ويتسابقون على نهب الثروات العام-ة ويبتزون المواطنين وحتى الفقراء منهم في نهب أرزاقه-م وأقواتهم وما يملكون. لقد أكد الباحث السوري سمير سعيفان أن مشكلة التهرب والتهريب في سورية من الحجم الكبير جداً، وأنها تؤثر بقوة في موارد الدولة والأداء الاقتصادي والبنية الأخلاقية للمجتمع، وقد قدر الباحث سعيفان حجم التهرب الضريبي في سورية بنحو خمسين مليار ليرة سورية سنوياً.

الزوجة الرابعة:

وفي بداية عقد السبعينيات تزوج رفعت الرابعة وقيل الخامسة، وهي ابنة ضابط كبير شركسي من جيل أخيه حافظ، رأى رفعت هذه الفتاة في الشارع، وعرف بيتها واسم أبيها، ولما عرف أن والدها زميل أخيه، طلب من أخيه أن يخطبها له، فطلب حافظ من زميله الشركسي مقابلته، ولما حضر أعلمه أن شقيقه رفعت قرر أن يتزوج ابنته، وأنه إن لم يوافق، فسوف يخطفها !!!، والأفضل أن يوافق ليتم الزواج بأمن وسلام، وخاف الضابط الشركسي على شرفه وابنته فوافق، وكان ذلك.

التطهير الوطني وتخضير الصحراء:

يقول رفعت أسد في المؤتمر القطري لحزب البعث: أيها الرفاق إن ستالين قضى على عشرة ملايين في سبيل الثورة الشيوعية، واضعاً في حسابه أمراً واحداً فقط، هو التعصب للحزب ولنظرية الحزب، ولو أن لينين كان في ظرف ستالين لفعل مثله، أيها الرفاق تحتاج الأمم التي تريد أن تعيش أو تبقى إلى رجل متعصب، وإلى حزب ونظرية متعصبة..

وفي هذا المؤتمر طرح رفعت أسد مشروعه للتطهير الوطني وتخضير الصحراء وخلاصته: اعتقال كل معارض لسياسات الحزب ووضعه في سجن تدمر، وتعذيبه، مع إلقاء المحاضرات عليه، ومطالبته بحفظها ومذاكرتها، كي يغسل عقله مما فيه من أفكار تعادي مسيرة الحزب، والاستفادة منه في الأشغال الشاقة وزراعة الأشجار في الصحراء. ويخضع هؤلاء (المعذبون) إلى امتحانات يتأكد فيها من تطهير عقولهم من كل ما يعادي مسيرة  الحزب (وفي مذكرات الأستاذ عدنان سعدالدين - المجلد الرابع - تجد خطاب رفعت كاملاً).

مذبحة تدمر الأولى(6):

وفي حزيران (1980م) قام أفراد من الحرس الجمهوري بمحاولة لاغتيال حافظ أسد، وجرح في ساقه، فأرعد رفعت وأزبد وكلف رفعت صهره محمد ناصيف (زوج ابنته تماضر) بتكليف مجموعتين من سرايا الدفاع، تم نقلهم بالطائرات العمودية إلى سجن تدمر الصحراوي، وتم إطلاق النار على السجناء داخل الزنازين، فقتلوا قرابة ألف مواطن معظمهم من الإخوان المسلمين، من الأطباء والمهندسين والمدرسين وطلاب الجامعات، وتم دفنهم جماعياً بالجرافات وبعضهم مازال حياً، كما نشر ذلك الصحفي نزار نيوف لاحقاً. وكما أفاد عناصر من سرايا الدفاع أرسلوا للأردن لاغتيال رئيس الوزراء مضر بدران، وتم اعتقالهم واستجوابهم على التلفزيون الأردني.   

دور رفعت في مجزرة حماة الكبرى

رفعت الأسد قائد ميداني في مأساة حماة:

عين المجلس الأمني الأعلى للنظام في أيلول (1981م)  اللواء رفعت الأسد آمراً عرفياً لمناطق حماة وحلب ودمشق، وتسمية حماة منطقة عمليات أولى، خاضعة للحاكم العرفي (رفعت أسد)، وأرسل (12000) جندي من سرايا الدفاع فوراً إلى حماة. وكان المقدم علي ديب [قائد القوات السورية التي قاتلت العراقيين جنباً إلى جنب مع الأميركيين في عام 1991]، كان نائباً لرفعت في حماة، يطلعه على سير العمل في حماة أولاً بأول، حتى انفجر الوضع، وصل رفعت إلى حماة ليدير عمليات القتل الجماعي وتدمير المدينة بنفسه، والتقطت بعض مكالماته اللاسلكية وهو في حمص.

أما في اليوم الثالث للأحداث فقد ذكر شاهد عيان أنه رأى رفعت في ثكنة مدينة حماة المطلة على نهر العاصي، وانتقل إلى جنوب الملعب البلدي ليشرف بنفسه يوم الخميس الأول من المأساة على أول مجزرة مدبرة في حماة ذهب ضحيتها (1500) من الأبرياء [اقرأ مجزرة جنوب الملعب البلدي في فصل المجازر من هذا الكتاب].

وكانت قوات سرايا الدفاع المقاتل الرئيسي إلى جانب الوحدات الخاصة بقيادة (علي حيدر) التي قتلت عشرات الألوف من المواطنين الأبرياء معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ. 

وقد سبق لرفعت أسد أن صرح مرات عديدة أنه سيمحو مدينة حماة من الخريطة، وسيبني بدلاً منها حدائق وحانات للخمر، ونوادي للرقص. وسيجعل المؤرخين يقولون: كانت هنا مدينة تسمى (حم-اة).

محاول-ة انقلاب-ه على حافظ (شباط: 1984م):

في عقد السبعينيات، كان رفعت أسد الساعد الأيمن لشقيقه حافظ وكان عونه في ذبح الشعب، ونهب خيراته وثرواته، وكان ينتظر موت أخيه ليتسلم الرئاسة بدلاً منه، لأنه كما قيل [طالبان لا يشبعان طالب علم وطالب مال]، ورفعت طالب مال، والجاه وسيلة للمال أيضاً، لذلك لم يكتف أن يكون نائباً لرئيس الجمهورية لشئون الأمن، ولم يقبل أن يتسلم الحكم ابن أخيه باسل حافظ الأسد بعد موت أبيه، وقد شاهد أخاه حافظاً يهيئ ولده البكر (باسل) ليخلفه في الرئاسة، وبناء عليه قرر رفعت أن ينقلب على أخيه ويتسلم الحكم بالقوة، فحرك الدبابات وهمّ بذلك لولا أن أخاه عرف بنوايا شقيقه مسبقاً من جواسيسه في سرايا الدفاع، فأحبط الانقلاب بمساعدة مصطفى طلاس وعلي دوبا وعلي حيدر الذين يكرهون رفعت كثيراً لتجبره وتكبره عليهم. كما يتضح من كتاب مصطفى طلاس [ثلاثة شهور هزت سوريا]. وانتهت هذه المحاولة بنفي رفعت خارج سوريا بعد أن دفع له أخوه عشرات الملايين من الدولارات استدانها من القذافي. يقول العماد طلاس في كتابه:

رفعت يعد أتباعه بالدولة العلوية:

يكشف طلاس أن رفعت كان "يدغدغ أحلام المتعصبين طائفياً بأن وعدهم أنه سيقيم الدولة العلوية هناك كما أقام اليهود الدولة العبرية في فلسطين، وكما كان غلاة المتعصبين من الموارنة يحلمون بإقامة الدويلات الطائفية التي ستدور في فلك إسرائيل قولاً واحداً". ويبدو أن رفعت تشجع في مشروعه لعلمه أن "أميركا سوف ترحب بالفكرة لأنها مع أي تفكك للأمة العربية".

وبدأت تظهر على جدران اللاذقية عبارات  تمجد شخص رفعت مثل "رفعت الأسد الشمس التي لا تغيب". وبدأ أنصاره ينصبون "الحواجز الطيارة لإشعار المواطنين أنهم موجودون بقوة على الساحة". ويبدو أن قصد رفعت من السيطرة على مسقط رأس الرئيس، بحسب العماد طلاس، أن يقول للعالم: "إذا كان أخي لا يستطيع السيطرة على المحافظة التي ولد فيها فهو بالأحرى غير قادر على السيطرة على باقي المحافظات.

حافظ ينفي أخاه رفع:

في أواخر نيسان (1984م) تيقن العميد رفعت أن ميزان القوى قد مال لصالح شقيقه (حافظ) فاتصل بشقيقه جميل الأسد ليمهد له المصالحة مع أخيه الرئيس. ومع أن الرئيس الأسد معروف عربياً ودولياً بأنه سيد من أتقن فن لعبة عض الأصابع فقد كان ينتظر بفارغ الصبر انهيار رفعت، وهذا لأن الأخير سيد من ابتز أخاه وغير أخيه. إذ ما إن وافق على الخروج من سوريا حتى بدأ يساوم على المبلغ الذي يحتاج إليه للإقامة شهوراً عدة خارج البلاد حتى تهدأ العاصفة.

طلب رفعت مبلغاً كبيراً بالقطع النادر لم يكن متوافراً في المصرف المركزي، فخطر للرئيس الأسد أن العقيد القذافي يمكن أن يكون الشخص الذي يحل المشكلة، ويؤمّن المال اللازم لإشباع فم أخيه، وحين التقاه موفد الرئيس كان القذافي والحمد لله بمزاج حسن، وتذكر مواقف الأسد القومية في دعم الثورة الليبية ومؤازرتها، ورد على رسالة الأسد رداً جميلاً، وتم تحويل المبلغ بكامله إلى المصرف المركزي، وأعطى الرئيس شقيقه جزءاً منه وبقي الجزء الآخر احتياطاً للطوارئ الاقتصادية التي كانت تعصف بنا (مازال الكلام لمصطفى طلاس).

وتم تحجيم سرايا الدفاع وعيِّن رفعت نائباً لرئيس الجمهورية مسؤولاً عن شؤون الأمن. واستمر في هذا المنصب حتى عام (1998م). غير أن تعيينه كان نظرياً، لأن الرئيس الأسد أحرص من أن يسلّم أمنه الشخصي وأمن البلاد لرجل  يتآمر على كرسي الحكم.

وتضمن الاتفاق أن يسافر رفعت إلى موسكو ومعه اللواءان شفيق فياض وعلي حيدر، وليطمئن رفعت أن الطائرة لن تنفجر في الجو، طلب أن يسافر معهم  رئيس إدارة المخابرات الجوية اللواء محمد الخولي.

ووافق رفعت الذي اختار أن يقبل تعهد حافظ، بأن مصالحه وأرصدته سوف تحترم في حالة سحب قواته من العاصمة ومغادرة البلاد عام 1984م  (انتهى كلام طلاس).

يقول باترك سيل: أمضى رفعت ثلاثة أيام في المشفى مع أخيه بلا نوم، وقد صعق لمرض أخي-ه، ومن سريره أرسل حافظ الأسد أمراً بتشكيل لجنة سداسية من: مشارقة، خدام، الأحمر، الشهابي، الكسم، وطلاس. لتدير البلد في غيابه، والغريب أنه لم يجعل أخاه رفعت واحداً منهم.

واتجه قادة البلد العسكريون إلى رفعت بحثاً عن قيادة، لأنهم رأوا أنه أفضل من يحمي النظام، باعتباره شقيق الأسد، وقد انتصر على الإخوان المسلمين، أكبر خطر داخلي، ورأوا فيه أنه سوف يخلف أخاه، ويبقى كل منهم في مكانه.

ولم يوافق كبار الضباط على هؤلاء الستة، الذين لم يروا فيهم سوى موظفين تنفيذيين موهوبين، وليسوا دعائم للنظام. وبناء على تحريضهم قام الشهابي وخدام بزيارة رفعت، ليخبروه أن رجلاً مثله لا يمكن إبعاده في مثل تلك اللحظات عن المجالس الحاكمة في البلد، أما رفعت فقال إنه يمتثل لرغبات الرئيس الذي لم يجعله أحد الستة.

ولكن سرعان ما اقتنع رفعت معهم ثم عقد اجتماعاً كاملاً للقيادة القطرية لم يغب عنه سوى حافظ الأسد ووزير إعلامه أحمد اسكندر الذي كان على فراش الموت. وقررت القيادة القطرية أن تجعل من نفسها بديلاً عن اللجنة السداسية، وكانت هذه طريقة أنيقة متقنة لجلب رفعت.

ولما علم الأسد وهو في النقاهة سخط سخطاً شديداً لأن أي انحراف عن الطاعة الكاملة الخالية من أي تساؤل كان يثير شكوكه (7)، فاستدعى كبار ضباطه ووبخهم على الابتعاد عن تنفيذ رغباته الصريحة، وبذلك فتحوا الباب لأخطار غير متوقعة: أولم يروا أن دفع رفعت إلى المقدمة كان خطة أميركية - سعودية لإزاحته عن الحكم (8)؟

ولما مرض حافظ في نوفمبر (1983)، وتجمع الضباط حول رفعت، فجأة ظهرت في كل مكان في العاصمة دمشق، صورة لرفعت تظهره في أوضاع قيادية آمرة وقد ارتدى زي المظليين.

يكبر حافظ رفعت بسبع سنين، وكان يرغم أخاه المتمرد الأصغر على احترامه، وكان رفعت يشبه حافظ في البنية الجسدية القوية، والذكاء اللامع، ولكنه يختلف في أنه أكثر ضحكاً من حافظ، وميال للمتع ومندفع، وكريم إلى حد الإفراط، وبينما انهمك حافظ بكرسيه مشغولاً في شؤون الدولة كلياً، انهمك رفعت في بناء سرايا الدفاع، كجنود مخلصين له، وكان رفعت يمارس سلطات مطلقة،  وقد أثرى هو وأصدقاؤه الحميمون، كما كان يذهب في مهمات سرية إلى الأصدقاء والأعداء على السواء، ويشترك في مشاريع أخرى يحيط بها الظلام والضباب في عالم السياسة والتجارة في البلاد الغربية (9).

بعض أملاك رفعت أسد عام (1994م):

1- كازينو ضخم في إيطاليا.              

2- فندق خمسة نجوم في مرسيليا.

3 - مصنع إسمنت في بيروت.

4 - دار نشر في باريز.

5 - إمبراطورية إعلامية في لندن، منها قناة (a.n.n)، وغيرها محطات راديو متعددة.

6 - أسهم في شركة نفق بحر المانش بين فرنسا وبريطانيا، وهو من أوائل أغنياء العالم المساهمين في هذه الشركة.

7 - عقارات سكنية في سويسرا وفرنسا.

8 - مجمع سكني في إسبانيا كلف بناؤه (60) مليون دولار.

9- كان يملك ميناء خاصاً في اللاذقية قبل أن يدمره بشار الأسد في عهد أبيه حافظ.

10 - طائرة خاصة أو أكثر من طائرة، تنقله مع أفراد حاشيته في قارات العالم.

11- وصلت فاتورة إقامته الشهرية مع حاشيته (100-150 ) شخصاً؛ وصلت إلى خمسة مليار فرنك فرنسي، دفعتها الخزينة السورية عدة سنوات.

12 - خسر رفعت أسد في ليلة واحدة على موائد القمار (8) مليون دولار. في الوقت الذي وصل فيه التضخم في سوريا إلى مائة في المائة، وعجز المواطن الشريف عن تأمين خبز أولاده وطعامهم.

رفعت أسد في نظر بعض أنصاره الآن:

يقول الدكتور خليل أحمد الحسن أحد أعضاء رابطة الخريجين التي شكلها رفعت الأسد وأراد منها حزباً خاصاً به في داخل حزب البعث، يقول:

لم تظهر خلافات رفعت مع النظام السوري في عام (1984م)، وإنما وصلت إلى القشة التي قصمت ظهر البعير في ذلك العام، فمنذ سنوات ورفعت يختلف مع النظام السوري بما يلي:

1 - لم يكن واثقاً من إخلاص الحزب للعملية الثورية التي يريدها، لذلك شكل (رابطة الخريجين الجامعيين)، من البعثيين أنصاره الذين وصل عددهم إلى (22) ألفاً، صاروا منافسين لحزب البعث، واستمرت هذه الرابطة حتى نفي رفعت من سوريا عام (1984م) فحلت يومذاك. يقول طلاس: أسس العميد رفعت الرابطة بعد نيله الإجازة في التاريخ عام 1974، وذلك كي تكون "مظلة قانونية لعمله". وقد برر تشكيلها أمام أخيه الرئيس بجعل "خريجي الدراسات العليا موالين للنظام". لكن لم يبق انتهازي أو متسلق أو متطلع إلى السلطة أو التقرب من وهجها إلا وانخرط فيها"، بحسب الكاتب طلاس.

2 - قام رفعت بعدة رحلات للاتحاد السوفياتي، وكان يزداد كرهاً للاشتراكية في كل مرة يرى فيها الفقر والتشرد والقهر والظلم، وصار يصرح بذلك حتى اعتبره الاتحاد السوفياتي عميلاً للغرب، وطلب من الحزب الشيوعي السوري مهاجمة رفعت إعلامياً.

3 - ويقول ( حارث الخير ) وهو من أنصار رفعت بل من أزلامه : إن رفعت أسد سيقوم بحركة تصحيحية ضد الحركة التصحيحية التي قام بها حافظ الأسد عام (1971م ).

4 - ثم يقول الدكتور خليل : جعل حافظ الأسد وأزلامه رفعت الأسد مسؤولاً عن الفساد في سوريا، وحذروا البعثيين منه ومن جماعة رفعت، وجعلوها مساوية لجماعة الإخوان المسلمين في الخطر على النظام السوري.

وكان رفعت يعارض سياسات أخيه حافظ في عدة أمور منها:

1- اعتماد سوريا أكثر من اللازم على السوفيات، وبُعدها عن أمريكا.

2 - تورط سوريا في لبنان.

3 - يعارض دعم المنشقين عن فتح مثل أبي موسى وأبي نضال.

4 - ويعارض التحالف مع إيران،ويقول ماذا يختلف هؤلاء عن الإخوان الذين قاتلناهم في سوريا،كيف يمكن للنظام أن يتبع سياسة في حماة، وأخرى مختلفة عنها في طهران !!؟هل كان الصراع ضد الإخوان المسلمين صورياً أم عقائدياً!!!؟ ويقول رفعت : إننا نتحدث عن الحري-ة، ولسنا أحراراً إلا في أن نأكل ونتزوج فقط.

وفي (28 /5/1984) أرسلت طائرة محملة بسبعين من كبار الضباط (!!!!!) إلى موسكو لفترة تهدأ فيها النفوس، وكان من بينهم رفعت الأسد، ولما أعلن بعضهم خوفه على النظام قال له حافظ : لا تخافوا على النظام بل خافوا على أنفسكم.

ثم تم استدعاؤهم جميعاً ماعدا رفعت، وفي (5/6) وصل رفعت إلى جنيف، وكان يرافقه أكثر من مائة، وقيل مائتين من حراسه ومساعديه، وهذه حاشية باهظة التكاليف تكفل القذافي بتمويلها كي يبقى رفعت في الخارج.

وفي أيلول (1984) انتقل رفعت مع بقية طاقمه -بعد أن عاد الكثير منهم إلى سوريا-، إلى فرنسا. وظل رفعت محتفظاً بلقب (نائب رئيس الجمهورية )، وفي (26/11) زار رفعت دمشق، وزار القصر الجمهوري، وركع وقبل يد أخيه- ولكن أخاه لم يسامحه (10). ومنع من زيارة سرايا الدفاع، وحضر رفعت المؤتمر القطري (يناير 1985) لأنه عضو قيادة قطرية، تعرض رفعت لكثير من النقد والهجوم، وكان بمثابة من يقف في قفص الاتهام، وفي هذا المؤتمر مُنحت الصلاحية لحافظ الأسد كي يعين اللجنة المركزية كيفما يريد، التي تنتخب القيادة القطرية.

وبعد ثلاثة أسابيع انتخب حافظ رئيساً للجمهورية للمرة الثالثة بنسبة (97. 99).

وفي مايو (1986) قام رفعت بزيارة غير معلنة لبريطانيا، وقد سبقه أربعة من حراسه الشخصيين مسلحين يحملون جوازات سفر مغربية، وهبطت بعدهم طائرتان خاصتان تحملان رفعت وأفراد عائلته (زوجاته وأولاده الصغار)، والخدم والحشم ورجال الأمن، وكان مجموعهم أربعين شخصاً معظمهم يحمل جوازات سفر مغربية.

 وصار حافظ الأسد وأزلامه يرمون كل فساد حصل في سوريا على رفعت الأسد، وقد تبين أن هذا الفساد استمر بل ازداد بعد خروج رفعت من سوريا عام (1984م).  

وأخي-راً :

والآن يحاول رفعت استلام حكم سوريا بشتى السبل، حتى أنه عرض على الصهاينة أن يساعدوه مقابل أن يقيم معهم علاقات تطبيع كاملة، من سفارات وتبادل تجاري وثقافي، كما عرض نفسه على أمريكا وتعهد أن يقدم لها كل ما تريده، كما حاول أن يكذب على المعارضة السورية في الخارج، مدعياً أنه ليس مسؤولاً عن مذبح-ة حماة، وأن شقيقه حافظ هو المسؤول الأول والأخير عنها.

مع أنه في الواقع قتل عشرات الألوف من الشعب السوري، ونهب مليارات الدولارات من الشعب السوري.

رفعت الأسد قتل السجناء في مجزرة تدمر

عندما سمع رفعت الأسد ما أصاب أخاه، جن جنونه وكلف معين ناصيف زوج ابنته أن يقود ثلاث سرايا من سرايا الدفاع ويقتل الإخوان المسلمين المعتقلين في سجن تدمر العسكري.

وفي تمام الساعة الثالثة والنصف من صباح يوم( 27/6/1980 ) دعيت مجموعتان من سرايا الدفاع للاجتماع بلباس الميدان الكامل، الأولى من اللواء (40) الذي يقوده الرائد معين ناصيف (زوج بنت رفعت الأسد)، والثانية من اللواء (138) الذي يقوده المقدم علي ديب، وكل مجموعة تزيد على مائة عنصر.

وكلف المقدم سليمان مصطفى قائد أركان اللواء (138) بقيادة العملية، ويساعده الملازم أول ياسر باكير، والملازم أول منير درويش، والملازم أول رئيف عبد الله. وحملوا جنودهم في عشر طائرات هيلوكبتر أقلعت في الخامسة صباحاً من دمشق ووصلت تدمر الساعة السادسة، وقد أخبرت الشرطة العسكرية المكلفة بحراسة السجن، وأولهم قائد السجن المقدم فيصل غانم، وكلف (80 ) عنصراً بدخول السجن وسميت مجموعة الاقتحام، وبقي الآخرون للحراسة، ثم قسمت مجموعة الاقتحام إلى مجموعات من (6 -10) عناصر، يقود كل مجموعة ضابط، وأخرج المساجين من بعض المهاجع  إلى الباحات، وصبت عليهم نيران الأسلحة الرشاشة والقنابل اليدوية وقاذفات اللهب، وتعالت أصوات السجناء بهتافات (الله أكبر) مع صرخات الألم والشكوى إلى الله.

ثم تفقد القتلة ضحاياهم، يدوسونهم بأرجلهم ويجهزون على الجرحى، ثم تجمع القتلة وانطلقوا إلى بقية المهاجع وقرر الضباط دخول المهاجع وقتل المعتقلين فيها، ففتحت أبواب كل مهجع وألقيت فيه الرمانات اليدوية، ورشت فيه النيران، وفي المهجع (5) اختبأ أحد الأبطال في دورة المياه ثم انقض على الرقيب اسكندر أحمد وأخذ منه سلاحه وقتله به، وجرح اثنين غيره، بينما تلقى مئات الرصاصات من رفاقهم فسقط شهيداً يرحمه الله.

وهكذا وفي أقل من ساعة قتل جميع المعتقلين في سجن تدمر العسكري ويتراوح عددهم بين (700- 1000) مواطن أغلبهم من الإخوان المسلمين، من خريجي الجامعات والضباط  والأطباء والمهندسين، ومع أن بضعة أفراد نجوا لوقوعهم تحت جثث إخوانهم، ومع ذلك أصر القتلة على دفنهم أحياءً مع إخوانهم، حيث حفرت حفرتان كبيرتان بواسطة الجرافات، وألقي الشهداء فيها وبعضهم جرحى، وقليل منهم أحياء، ثم رمت عليهم الجرافات التراب ودفنوا بالقرب من تدمر، عند جبل عويمر، وهو منطقة عسكرية محظورة، وفي اليوم التالي أحضر بعض عناصر البلدية لغسل السجن، ثم أعيد طلاء السجن لإزالة الدماء التي لطخت الجدران، وظن القتلة أن الجريمة لن تنكشف، ولكن سرعان ما أظهرها الله بالتفصيل.

فقد كشف الجنود الذين كلفتهم سوريا باغتيال السيد مضر بدران رئيس وزراء الأردن بحجة تعاونه مع الإخوان السوريين، واعتقلتهم المخابرات الأردنية وهم المجرم عيسى إبراهيم فياض، والمجرم أكرم بيشاني، وكلاهما علويان من سرايا الدفاع، وأثناء التحقيق معهم على التلفزيون الأردني تحدثوا عن تفاصيل مذبحة تدمر لأنهم كانوا من العناصر المنفذين لها، وسمعهم القاصي والداني كما نشرت أقوالهم في الصحافة الأردنية والعربية والعالمية يومذاك.

                

هوامش الفصل السادس

(1) باترك سيل، الصراع على الشرق الأوسط، ص 29.

(2) هذا ما قاله باترك سيل، أما (فان دام) فيقول إنه من قبيلة المتاورة، والله أعلم. وما وقع الاختلاف إلا بسبب الغموض.

(3) أولاد علي سليمان الأسد هم: هالة (1909)، أحمد (1910-1975)، إبراهيم (1911-1968) حسيبة (1912)، إسماعيل (1913)، بهيجة (1918)، محمد (1920-1976)، بهجت (1923-1942)، حافظ (1930- 2000)، جميل (1933-2005)، ورفعت (1937). والثمانية الأول حرموا من التعليم لفقر والدهم، وعدم وجود مدرسة في القرداحة يومها، وشيخوخة والدهم، فقد ولد حافظ وعمر والده خمس وخمسون سنة. ثم أصر علي سليمان أن يتعلم أولاده الثلاثة الباقون. انظر باترك سيل، الصراع على الشرق الأوسط، ص 30.

(4) انضم رفعت للحزب في الخامسة عشر من عمره عام (1952)، وسيق للخدمة العسكرية (1959) ونقل بعد الانفصال إلى وزارة الداخلية (الجمارك)، وفي (1965) عين نائباً لقيادة وحدة عسكرية كلها من الحزبيين كانت بقيادة محمد عمران، وسيطر عليها رفعت بعده، ولعبت دوراً في (23 شباط 1966)، واكتشف رفعت أن جديد والجندي يخططان لاغتيال شقيقه حافظ، وفي المدة (25 - 28 شباط 1969) قام حافظ ورفعت بشبه انقلاب.

 (5) سماه أبوه وهو من قبيلة عنزة فخذ الرولة سماه (لورانس) على اسم ضابط المخابرات البريطاني (لورانس) الذي عاش في بادية الشام سنوات طويلة، ودفع العرب إلى الثورة ضد العثمانيين، ومن أهم انجازاته تخريب سكة حديد الخط الحجازي الذي كان ينقل الحجاج من إيران وتركيا وبلاد الشام إلى المدينة المنورة، ودفع العرب إلى ما عرف بالثورة العربية الكبرى، وقد أحبه البدو لجهلهم، ولذكائه وحنكته، فسموا هذا الطفل على اسمه (لورانس). وذكر لي أحد أقاربي عسكري بدوي كان في الهجانة - حرس الحدود - حكايا خيالية عن لورنس البريطاني الذي أتقن حياة البدو، وأحب العيش بينهم، حتى سمى ولده (فارس)، الذي سمى ابنه فارس هو أبو حنيك وليس لورنس (غلوب باشا) وصار يفلي ثيابه من القمل كما كان البدو في أوائل القرن العشرين...

(6) سيأتي الحديث عنها في المجازر

(7) وهذا من أوضح الأدلة على أنه فردي ديكتاتوري مستبد.

(8) هذا التبرير لا يستند إلى أساس من المنطق، وإنما حافظ يخطط لتوريث الحكم لولده باسل.

(9) يقصد سيل تجارة المخدرات التي جنى منها رفعت مليارات الدولارات، وجعلته من أغنياء العالم.

(10) تبين هذا كله فيما بعد أنه من أجل توريث الحكم إلى ولده باسل.