صناعة الأكاذيب والجواسيس

بدر محمد بدر

[email protected]

الكتاب: صناعة الأكاذيب والجواسيس

المؤلفون: بول تود, جوناثان بلوتش, باتريك فيتزجرالد

المترجم: علاء الدين محمود عبد الرحمن

الناشر: دار سطور الجديدة, القاهرة

عدد الصفحات: 212

الطبعة: الأولى 2010

يخوض هذا الكتاب في محيط رمادي وحساس, وغير واضح المعالم بالنسبة لكثير من الناس, إنه عالم أجهزة الاستخبارات الغربية, وبخاصة الأميركية والبريطانية, وخططها وأهدافها وعملياتها على الأرض, وعلاقتها بما يجري في المناطق الساخنة من العالم, خصوصاً في الفترة التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001, وماتلاها من رفع شعار "الحرب على الإرهاب"، والعدوان على أفغانستان، واحتلال العراق, ومروراً بأحداث العنف والتفجيرات في مناطق كثيرة من العالم, وحتى الآن.

ويبحث الكتاب في مدى خروج مفهوم "الحرب على الإرهاب" من عباءة الحرب الباردة, التي انتهت بسقوط جدار برلين في نوفمبر/ تشرين الثاني 1989, وفي الدور الذي لعبته أجهزة الاستخبارات فيما يتعلق بالرغبة في شن حرب استباقية, كمنهج للتعامل مع التهديد الذي تتعرض له الولايات المتحدة الأميركية, ومكانتها في المجتمع الدولي بشكل عام.

والمؤلفون الثلاثة متخصصون في دراسة وتحليل عمليات الاستخبارات, وبخاصة الأميركية والبريطانية, وبالتالي قدموا الكثير من المعلومات والدلائل والاستنتاجات التي تكشف أبعاد هذه العمليات, وتأثيرها فيما يجري على الساحة الدولية.

وينقسم الكتاب إلى خمسة فصول, يتحدث الأول عن علاقة أجهزة الاستخبارات الأميركية والبريطانية بما يسميه "الجماعات الإسلامية الأصولية المتشددة" ومدى "الارتباط التام" بين المرحلة الأخيرة من الحرب الباردة, في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي, وبين النمو المتضاعف والموازي ل "الإسلامية المتعدية الجنسيات" في الفترة نفسها.

أكبر عملية للاستخبارات

وحافظت وكالة الاستخبارات الأميركية على تدفق السلاح والأموال إلى المجاهدين الأفغان لمدة عامين آخرين, بعد الانسحاب السوفيتي في يناير/كانون الثاني 1989, ورغم أن الكثيرين في الكونجرس بدأوا يشككون في الحكمة من وراء تسليح أمراء حرب، كزعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار, إلا أن هذه الشكوك نحيت جانباً حتى نهاية إدارة بوش الأب, تجنباً للإساءة إلى المملكة العربية السعودية!

لقد ظلت القوى الاستعمارية الغربية، أثناء الحرب الباردة، تنظر إلى الصحوة الإسلامية كحليف مفيد ضد الشيوعية والنزعات القومية في العالم الثالث بوجه عام, لكن العلاقة التي بدت كأنها "زواج مصلحة" بين الاستخبارات الغربية ومصالح الغرب, وبين هذه الحركات الإسلامية متعدية الجنسيات، عادت نتائجها لتطارد الغرب، بطرق لم يكن بالإمكان التنبؤ بها بشكل كامل.

ويتحدث الكتاب بشئ من التفصيل عن دور أجهزة الاستخبارات في صنع وتدعيم وحماية بعض الجماعات الإسلامية المتشددة, خصوصاً في لندن وباكستان, والشراكة المضطربة بين جهاز الاستخبارات الباكستاني ونظيريه: البريطاني والأميركي, مستخلصاً في النهاية أن رد الفعل الغربي تجاه صعود الإسلام السياسي, بالرغم من كثرة الحديث عن "صراع الحضارات", سار مساراً نفعياً ثابتاً.

"نريد أن نذلهم"

ويتناول الفصل الثاني محاولات الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها للحفاظ على الهيمنة الإعلامية، في سياق الحرب على الإرهاب, ولم يكن شن الحرب على العراق في 2003, في رأى بعض أوساط واشنطن, مجرد فرصة لاستئصال "دمل متقيح" طالما أزعج السياسة الأميركية منذ بوش الأب, ولا ببساطة كتحرك مفاجئ نحو ثالث أكبر احتياطي للنفط في العالم, ولكن كرد فعل قاطع على أحداث 11/ 9, وتمثل ذلك في مقولة هنري كيسنجر أن "أفغانستان لم تكن كافية, إننا نريد أن نذلهم"!

كان تنسيق نشر التسريبات الاستخباراتية يجري بشكل واضح, يعقبه ظهور فوري لشخصيات الإدارة البارزة، لتؤكد وتشرح وتحلل, وكان لذلك أثره القوى على سبيل المثال, في اعتقاد الشعب الأميركي بوجود صلات بين صدام حسين ومنفذي أحداث 11/9.

لقد نجحت الآلة الإعلامية الأميركية في وضع قرابة 108 مقالة ومادة إذاعية وتليفزيونية، ذات صلة بالعراق (من وجهة النظر الأميركية بالطبع) في منافذ إعلامية "رائدة" من بينها 50 بالولايات المتحدة, ما بين أكتوبر/تشرين الأول 2001، ومايو/آيار 2002.

وفي أواخر عام 2005 نشرت الحملة الأميركية أكثر من 1000 مقال صحفي، في حوالي 15 صحيفة "عربية وعراقية" إلى جانب محتوى شبكة الويب وأفلام الفيديو باللغة العربية, نشر عدد كبير منها في صحيفة "المؤتمر" اليومية التي يرأسها أحمد الجلبي, وحصل بعض الصحفيين العراقيين على راتب شهري ثابت قدره 500 دولار, وكانت الإدارة الأميركية تدفع مابين 50 و2000 دولار في المقال الواحد.

ازدياد نفوذ البنتاجون

ويناقش الفصل الثالث العلاقة "العضوية" بين ديناميات الحرب على الإرهاب ومبادئ الحرب الاستباقية في الخارج, وبين السلطة التنفيذية غير المحدودة في الداخل, وتمثل ذلك في ازدياد نفوذ وصعود تأثير وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون), والذي يصفه الكتاب بأنه "غير المبرر وغير المطلوب"، بصورة كبيرة أضرت بالحريات العامة والديمقراطية ضرراً واضحاً.

واعتبر تفويض الكونجرس للرئيس الأميركي بعد 11/9 في "استخدام كل القوة الضرورية والملائمة" إقرار بسلطة غير محدودة ـ كاملة وتامة ومطلقة ـ بحسب تعبير الاجتهاد القانوني بالبيت الأبيض, وهو ما برر عمليات الاحتجاز غير المحدود دون محاكمة، وحرية عمل واسعة أثناء إجراء التحقيقات مع السجناء, وهو خرق لا لبس فيه لقانون جرائم الحرب الأميركي واتفاقات جنيف الملزمة.

الحرية ضحية الأكاذيب

ويتحدث الفصل الرابع تحت عنوان "الحرية ضحية الأكاذيب" عن بريطانيا كحالة للدراسة, باعتبارها كانت عاملاً مهما في إضفاء الشرعية للحرب على الإرهاب, ويتناول مدى الاستخدام الداخلي للتهديد الإرهابي، كأداة سياسية ودعائية، وهو ما أدى في النهاية إلى التأثير السلبي بصورة كبيرة على الحريات العامة، وإهدار حقوق الإنسان، والتملص من قيود الاتفاقية الأوربية في هذا الصدد.

ويشير الكتاب إلى أن حكومة توني بلير (1997 ـ 2007) استخدمت التهديد الإرهابي في أعقاب 11/9 بشكل منهجي, وهو ما دفع بالحريات المدنية إلى الوراء في كل اتجاه, ودشن مجموعة كبيرة من السياسات الاستبدادية, مثل ترحيل الأجانب, واستخدام الأدلة السرية, والاحتجاز بلا محاكمة.

لقد سنت حكومة توني بلير أكثر من 200 تشريع محدد "مضاد للإرهاب", إضافة إلى التشريعات القائمة الخاصة بالجرائم أو الجنح ذات الصلة في القانون الجنائي، وفي إطار الإهدار المستمر لحقوق الإنسان في بريطانيا، والاتفاقيات الدولية في هذا الشأن, كشف تقرير رسمي نشر في فبراير/شباط 2007 عن إصدار نحو نصف مليون أمر اعتراض ضد المقيمين في المملكة المتحدة، خلال عام 2006, من بينها أكثر من أربعة آلاف خطأ تم الاعتراف به.

ثلاثة حروب في آن آن

وفي الفصل الخامس والأخير يتناول الكتاب موضوع الحرب على الإرهاب في سياق أوربي, حيث قدمت أوربا, أو بمعنى أدق مجموعة الدول الست (بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا وأسبانيا) الدعم الدبلوماسي والاقتصادي والفني, والأهم من هذا كله الدعم الاستخباراتي أيضاً, ومن نافلة القول أن نشير إلى أن هذه الدول الست هي "غرفة محركات" الاتحاد الأوربي، حيث أنها تضم ثلاثة أرباع السكان، و80% من الناتج الاقتصادي، والجزء الأكبر من قوته الدبلوماسية والاستخباراتية.

وعلى الرغم من إنكار ذلك علنياً, فإن بلدان الاتحاد الأوربي متواطئة تماماً في اعتقال واحتجاز الذين اشتبهت السلطات الأميركية في أنهم إرهابيون, وكذلك كيفية استخدام بنية حلف الناتو, التي تزداد اتساعاً, لتأمين جبهة جديدة بالغة الأهمية وغامضة، في الحرب على الإرهاب.

وفي الختام يؤكد المؤلفون أن مفردات هذا المصطلح "المشئوم والمبتذل" المسمى الحرب على الإرهاب، انضوى تحته ثلاثة حروب: 1- مسرح نزاع تقليدي في الشرق الأوسط، يتعلق بالهيمنة الأميركية (نعم.. إنه النفط يا غبي!). 2- حرب "موازية" على الحريات المدنية في الغرب، تحركها الوكالات الحكومية الساعية للسلطة والسياسة، التي تريد خطف الأضواء. 3- صراع استخباراتي حاد بين الوكالات الغربية، لكنه مقيد في ميدان مكافحة الإرهاب اليومي.