كتاب يفترض تاريخا أدبيا للإخوان
جابر قميحة يتحدث عن أكثر من 50 شاعراً لا علاقة لهم بالشعر
كتاب يفترض تاريخا أدبيا للإخوان
أ.د/
جابر قميحةالقاهرة - القدس العربي :
يقدم الدكتور جابر قميحة أحد أقطاب حركة الإخوان المسلمين كتابا جديدا عما أسماه "التاريخ الأدبي للإخوان المسلمين "وما يقول انه عطاؤهم النثري والشعري، وذلك عبر ذلك الكتاب الذي يري أن من دوافعه صعوبة حصول الباحث علي المادة الأدبية وخصوصا الشعر، فأغلبها مسجل في دوريات يصعب التوصل إليها، والحصول عليها في وقتنا الحاضر، ويضيف أن قدرا كبيرا من هذه المواد لم يتجاوز الشعب والمناطق، ولم يأخذ طريقه إلي النشر العام في القاهرة والإسكندرية، أما السبب الثاني لإصدار الكتاب حسبما يذكر الدكتور قميحة فهو رؤية أقطاب الجماعة أن الأطروحات الفكرية أهم بكثير في تطور المسيرة التاريخية والجهادية للجماعة من الانصراف إلي التأريخ لأدب الجماعة، وخصوصا أن كثيرا من الناس يعتبرون الأدب - شعره ونثره - نوعا من الترف العقلي، حسب تعبير قميحة.
يضم الكتاب ثلاثة أبواب مقسمة إلي أحد عشر فصلا - كما جاء في تفصيل المقدمة - حيث تناول المؤلف الشعر العربي والأمة العربية باعتبارها "أمة شاعرة".
ويقول: إن الشعر هو الذي حفظ حياة العرب، وسجل أيامها في أفراحها وأتراحها، ونقل لنا عاداتها وتقاليدها، وأخلاقها، وملامحها النفسية، بل ان الشعر سجل جغرافية العرب ومنها مواقع وأماكن لا وجود لها الآن.
ويري قميحة أن الشعر العربي قبل الإسلام كان يسرف في الهجاء والقول الفاحش وثلب الأعراض والفخر بصفات لا إنسانية كالظلم، ويضرب مثالا بقول عمروابن كلثوم:
بغاة ظالمين وما ظلمنا
ولكنا سنبدأ ظالمينا
وحول تحريم الشعر في تاريخ الإسلام ينقل قميحة عن الإمام أبو حامد الغزالي قوله "أما الشعر فكلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، إلا أن التجرد له مذموم "وإنشاء الشعر ونظمه ليس بحرام إذا لم يكن فيه كلام مستكره. فمدار التحريم والتحليل هو المضمون الفكري للشعر، لا فن الشعر ذاته، فإذا تضمن معني خبيثا يسيء إلي الناس، أو الدين، أو الخلق فهو حرام، وإلا فهو من قبيل المباحث الذي لا حرمة فيه".
ويعقب المؤلف علي ذلك بقوله: أخطأ من ذهب إلي ان الإسلام قد أوقف تدفق الطاقة الشعرية عند الشعراء، أو أضعف منها، لأن نهيه كان منصبا علي الشعر الفاحش الذي يخرج علي قواعد الدين والخلق، وبتعبير آخر حسب قميحة - أصبح الشعر ملتزما بالأيديولوجية الإسلامية الإنسانية، بعد أن كان يسير في طريقة فوضوية، ينهل من مناهل العداء والأنانية والتطلع العدواني، والغريزة الحمقاء.
ويضيف قميحة أن هذا الحكم يصدق علي شخصية الشاعر عبدالله بن الزبعري الذي يعد من أشهر شعراء قريش، وكان من أشد الناس علي الرسول في مكة. هرب ابن الزبعري، مع شاعر آخر هو هبيرة بن أبي مهيب إلي نجران، ويقول قميحة ويظهر أنه كان عدواني الطبيعة، مجبولا علي حب الهجاء، حتي هجا قومه من مشركي قريش من ذلك ما عرضه ابن سلام من أبيات مرة شديدة في هجاء قريش كتبت علي دار الندوة بليل دون أن يشعر أحد. وفي الصباح قرأها الناس فغضبوا وقالوا: ما كتبها إلا بن الزبعري، وأجمعوا علي ذلك رأيهم وكادوا يقطعون لسانه.
فلما أسلم سما الإسلام بطاقته الشعرية القادرة وصار ابن الزبعري لسان صدق وحق في الدفاع عن الإسلام وحث المسلمين علي الجهاد، ورثي من استشهد منهم، ويقول قميحة إن ما أجمل ما نظمه قوله في الرسول:
"يا رسول المليك إن لساني
راتق ما فتقت إذا أنابور
إذ أجاري الشيطان في سنن الغي
ومن مال ميله، مثيور
آمن اللحم والعظامُ بما قلت
فنسي الشهيد وأنت القدير
إن ما جئتنا به حق صدق
ساطع نوره، مضيء منير
جئتنا باليقين والبر والصدق،
وفي الصدق واليقين سرور
أذهب الله ضلة الجهل عنا
وأتانا الرخاء والميسور".
ويقول قميحة أن الرسول كان محبا للشعر مستمعا له ويقول: روي ابن الشريد عن أبيه قال: ردفت رسول الله يوما فقال: هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟، قلت نعم، قال: هيه، فقال: فأنشدته بيتا، فقال: هيه، ثم أنشدته بيتا، حتي أنشدته مئة بيت، وهو نفسه كان ينشد الرجز من الشعر علي ما قاله عندما تعثرت قدمه:
"هل أنت إلا أصبع دميت
وفي سبيل الله ما لقيت".
بعد ذلك ينتقل قميحة إلي الإخوان المسلمين والشعر ويقول: بسبب الشعر الذي يحتاج إلي خبرة لغوية وقدرة علي التمييز بين وجوه الكلام، فإن الخطابة كانت هي الآلية الأولي في الدعوة الإسلامية، وبتطور الدعوة، ونشوء الدولة الإسلامية تعددت وتنوعت الخطب وأنواعها وسلكت دعوة الإخوان المسلمين السبيل نفسها في اتخاذ الخطابة أهم الآليات في نشر الدعوة والدفاع عنها، وتستوي في ذلك الخطب الجماهيرية العامة، والمحاضرات الدعوية والأكاديمية، والحوار، والمناقشة والمجادلة.
ويضيف قميحة أن رائد الدعوة الإمام حسن البنا لم يكن شاعرا وإن كان له بعض المحاولات الشعرية، وكان يحب الشعر ويستشهد به في العديد من المواقف والمناسبات، وينقل عن البنا عددا من خطاباته في العديد من المحافل باعتبارها مقطعات أدبية فريدة.
يتناول الدكتور جابر قميحة في توطئته حول الشعر والتاريخ ويقول: بين الشعر والتاريخ وشيجة قوية وثيقة، فقد كان التاريخ وما زال - منهلا عذبا يمتح منه الشعراء متحا، وهو معين لا ينضب أبدا لأنه ترجمان الحياة الإنسانية، وسجل الأمة، في سرائها وضرائها، في سلمها وحربها.
في حياة كل أمة مواقف تنطق بالروعة والجلال والعظمة، وفي حياتها كذلك نكبات وأزمات تتوقف مسيرتها وتتعطل طاقاتها وإمكاناتها.
وفي حياة كل أمة رجال صنعوا تاريخها، وقادوا مسيرتها الظافرة، وتقدموا بها في شتي المجالات، فازدهرت بهم حياتها، وحققت بهم أمجادها، من ناحية أخري لم يخل تاريخ أية أمة من شخصيات كانت سببا - علي نحو من الأنحاء - في الإضرار بها، والإساءة إليها، وربما تدمير قيمها وحياتها.
ويضيف قميحة قائلا: الشعر يصور أولئك، ويقف طويلا أمام هذه المواقف والظواهر والشخصيات، فهو يسجل المفاخر والزاهي ليكون مدد قوة وفخار للأجيال القادمين، كما يسجل المهاوي والخطوب لينفث في الأمة روح اليقظة، ويستنهض فيها حامد الهمم، ويحيي فيها موت العزائم.
ويقول المؤلف: إنني لا أعني بذلك أن الشعر يسلك سبيل الرصد والإحصاء للوقائع والأحداث، فهذه ليست مهمته، ولو فعل ذلك لكان مجرد نظم لا شعر، ولكن أعني بذلك أنه يسجل كل اولئك تسجيله الوجداني، بما يحمله من نبض الشاعر، وأحاسيسه المتوقدة، وقد كان التاريخ القديم بما فيه من ميثولوجيات وأساطير هو المورد الرقراق الذي استقي منه هوميروس أعظم عمل فني شعري في نظر اغلب النقاد علي مدار التاريخ، وأعني به "الإلياذة والأوديسا".
ويضيف قميحة - أن السيرة والتاريخ والقصص حفلت بالأشعار الكثيرة، لأن أسبابها تستدعي هذه الكثرة، وموجباتها تلزم هذا الاستشهاد ودواعيها توجب التدليل بما يكسبها ثقة وقوة بين السامعين والقارئين، ولأن الشعر ضرورة لازمة، فالشعر دليل علي صدق ما يروي من أخبار، وقد ذكر أن معاوية بن أبي سفيان طلب من عبيد بن شرية - حينما كان يقص عليه أخباره المتضمنة في كتاب أحبار عبيد بن شرية - أن يورد في أخباره وقصصه كل ما يتصل به من شعر، وكان يلح عليه بقوله: سألتك الا شددت حديثك ببعض ما قالوا من الشعر، ولو ثلاثة أبيات. وكان معاوية كلما سمع الشعر الذي قيل في إحدي الحوادث اطمأن إلي صحة الخبر، وقال لعبيد: لقد جئت بالبرهان في حديثك.
وينقل قميحة عن "إيمري نف" قوله أن الشعر أنسب شيء يرمز به لجوهر العقل الإنساني، والأدب هو المعبر عن رغبات الإنسان وأمانيه، ولكن إذا تغلب الأدب علي المؤرخ لإهماله العلم، أو إذا تغلب عليه العلم لإهماله الأدب جاءت الصورت التي يرسمها للإنسانية ملتوية مشوهة، فتدوين التاريخ يقترب من الكمال بقدر ما بين المعرفة والفن من اتساق في العمل.
يتناول المؤلف بعد ذلك أشعار عدد من أقطاب حركة الإخوان وعلي رأسهم أشعار الدكتور محمد رجب البيومي، ثم يتناول ما يسميه بالمسرح الإخواني والمسرح المدرسي، وفن الأوبريت والأناشيد الإسلامية والعروبية، أناشيد الجهاد وفلسطين، ثم يتناول عدداً من شعراء الإخوان مثل عبدالحليم عابدين، إبراهيم عبدالفتاح، إبراهيم مأمون، أبو الوفا رمزي نظيم، ورشيد أبو مرة.
والكتاب في عمومه يقع في نفس الخطأ الذي يقع فيه أصحاب الموقف الأيديولوجي حيال الإبداع، حيث يتم تجريده بالمطلق من المعيار الجمالي لصالح الموقف الأخلاقي او الديني، ومن ثم تنعقد أهمية النص في مدي قربه أو بعده عن الفكرة الدينية، وهو ما يكرس الفهم الخطابي والوعظي للكتابة الإبداعية، وهو كلام لا يقيم له نقاد الإخوان ومن لف لفهم أي اعتبار، وتظل مطاردة العقل العام مستمرة تحت تأثير الشعارات والأناشيد التحريضية، والاكتفاء بالنظر إلي سطح الأشياء، فالكتاب يعدد أكثر من خمسين شاعرا يعتبرهم رواد الشعر الإخواني، والشعر في عمومه، بينما لم يسمع أحد بالمطلق أن واحدا منهم كان ذا تأثير في أي محيط إبداعي ضاق أو اتسع، إنما أوهام الإخوان المسلمين فحسب، التي يمكنها أن تعود بالمجتمع مئات السنوات الضوئية الي الخلف.
بقي القول ان الكتاب يقع في 272 صفحة من القطع الكبير وصدر عن دار النشر للجامعات بالقاهرة.