محمد الحسناوي بأقلام محبيه للطنطاوي

صالح أحمد البوريني

موت ملهم ووليد مبارك

إطلالة على كتاب: محمد الحسناوي بأقلام محبيه

للأستاذ عبد الله الطنطاوي

عبد الله الطنطاوي

[email protected]

صالح أحمد البوريني/عمان

عضو رابطة الأدب الإسلامي

[email protected]

في حلة بهية وطباعة ناصعة صدر عن دار عمار للنشر والتوزيع كتاب ( محمد الحسناوي بأقلام محبيه ) في مائتين وثمان وخمسين صفحة من القطع الكبير.

قام بجمع مادة الكتاب وترتيبها وتصحيحها الأديب الأستاذ عبد الله الطنطاوي الذي نفث في كلماته المسطورة من لواعج روحه وحسرات فؤاده زفرات حزينة على صديقه الوفي وخله الصفي المرحوم الحسناوي. لقد أحسست أثناء قراءتي كلمة الأستاذ الطنطاوي في الكتاب بحرارة دموعه ومرارة بكائه الذي لم أره على قبر الحسناوي، ـ بل قرأته حينها بين ثنايا كلمات التأبين المؤثرة التي تتابعت بهدوء وثبات على لسانه أمام المشيعين ـ إذ وقف موقف الرجال المجاهدين حين يشيعون بطلا مجاهدا ويزفونه إلى الجنة.

محمد الحسناوي رحمه الله

لقد  بكى الطنطاوي في هذا الكتاب وأبكى قارءه، وقد ظهرت بصمات الطنطاوي واضحة على ترتيب مادة الكتاب وتنسيقها، واحتل اسم المرحوم الحسناوي بالخط الأبيض العريض المساحة العليا من الغلاف الذي غلب عليه اللون الأزرق وظهرت صورة الحسناوي داخل إطار على شكل صفحة من كتاب فوق منضدة عليها مصباح تقليدي قديم قاعدته ذهبية وزجاجتة بيضاء شفافة فهو يرمز إلى النور وإلى الأصالة معا، وعلى الغلاف الأخير ظهرت صورة الحسناوي مع اسم موقعه على النت وبجانبها كلمة رابطة أدباء الشام التي جاء فيها: " هذا الكتاب هو الإصدار الأول لرابطة أدباء الشام عن عضو مؤسس، عضو بارز، وأديب شاعر، أسهم في تأسيس الرابطة وفي تأسيس موقعها على النت، وشغل منصب نائب رئيس التحرير. وكان يعتز بالرابطة ويذيل كتاباته باسمها ويتوقع لها اطراد النجاح، وقد كتب ونشر في الموقع عشرات المقالات والقصائد، كما كان يبشر بقيامها ونهوضها بالأدب الأصيل وأن تكون الملاذ لأدباء العروبة والإسلام حيث كانوا.  وسوف يطالع الناس ما كتبه الكاتبون عن الحسناوي شعرا ونثرا في هذا الكتاب وهم يمثلون المدرسة الشامية في الأدب، ولعل هذا الكتاب يكون الفاتحة لكتب أخرى لكُتّاب الرابطة وشعرائها".

ضم الكتاب بين دفتيه ستة وثلاثين مقالا، وسبع قصائد، وست كلمات ألقيت في سرادق العزاء، وسبع كلمات تأبينية وردت على (البالتوك)، وتسعا وثلاثين برقية تعزية شغلت مايقارب عشرين صفحة وردت من أشخاص وهيئات ثقافية وسياسية ومراكز إعلام وبحث ودراسات تضمنت شهادات نثرية وشعرية ودعوات حارة وعبارات تعزية رقيقة، بالإضافة إلى ملف الحفل التأبيني الذي أقامته رابطة الأدب الإسلامي العالمية في العاصمة الأردنية عمان، والذي ألقيت فيه عشر كلمات وستا من قصائد الرثاء التي تقطر حزنا وأسى على فقيد الجهاد والفكر والأدب والإبداع الأستاذ الحسناوي تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.

ومما يلفت الانتباه أن مادة الكتاب قد اتسمت بالتنوع والغزارة، وهما صفتان بارزتان في إنتاج المرحوم الحسناوي الذي كان متنوعا وغزيرا فيما كتب. فقد قدم إسهامات بارزة في مجال الدارسات القرآنية والبحوث الأدبية والنقدية والإبداع نثرا وشعرا.

يقول الطنطاوي في مقدمته: "والملاحظ أن أصحاب هذه الكتابات قد توزعوا في العالم الرحيب، وليس في الوطن العربي وحده.. فمنهم من كتب من المغرب العربي، ومن كتب من الدول العربية في المشرق العربي، ومن أوربا، ومن كندا.. وهذا ما يثير في النفس روح العز والفخر بأديبنا الذي أحبه من عرفه، ومن التقاه مرة أو أكثر، ومن عايشه زمنا قصيرا أو طويلا ومن قرأ له ولم يره".

ومن مقالة الأستاذ زهير سالم مدير مركز الشرق العربي: "أعلم أن الأخ الحبيب الراحل محمد الحسناوي لن يقرأ هذه الكلمات، ولن أرفع سماعة الهاتف بعد اليوم لأتلقى منه ما ينتظره تلميذ من أستاذ، أعلم أنه في منـزله الجديد، لا يسمك ورقة ولا قلما، ولا يسجل دورا كعادته ليدلي برأيه الذي ينتظره الجميع. ولكنني على يقين أن الأستاذ محمد الحسناوي في مقامه الجديد يستمع إلى صرير أقلام الحق ترقى به درجة بعد درجة وأفقا بعد أفق.. لأن أقلام الفضل والأجر التي تكتب ما قدم أهل العلم والفضل لا تستقيل، وإنما تظل تتبع آثارهم إلى يوم الدين".

هذا الكتاب وليد مبارك خلفه الموت الملهم، إنه الوليد الأول لرابطة أدباء الشام، التي تعد بالكثير، والتي أتوقع أن تكون مؤهلة لدور آخر من العطاء هو دور سلاسل الكتب، ولن تكون مفاجأة أن نــرى ـ ولو بعد حين ـ سلسلة كتب سنوية أو فصلية أو شهرية تصدرها الرابطة في مجالات متنوعة من الأدب في الشعر والقصة والمقالة والمسرح والسيرة وأدب الرحلات وسواها من الأجناس الأدبية التي تحفل بها الخزانة الأدبية للرابطة.

  وأظن أن لهذا الكتاب أخوة آخرين قادمون على الطريق بإذن الله تعالى، فإن الحسناوي رحمه الله قد خلف إرثا علميا مباركا وتركة ثقافية تستحق النظر والدراسة وفيها مجال لتنافس الباحثين وطلاب البحث العلمي.

  وفي الكتاب كثير من الإشارات والمواقف واللطائف والذكريات العاطرة تلمح إلى سيرة رجل فذ وأديب ألمعي وقيادي حكيم تستحق الدراسة لاستجلاء جوانبها الخفية وإظهار الناس على صفحاتها المشرقة.

  رحم الله الحسناوي، وحفظ الله الطنطاوي، ورعى الله رابطة أدباء الشام بنجومها الساطعة وأقلامها اللامعة وعطائها المتجدد.