مفهوم الشعر عند ابن سينا

علي علاوي

صدر خلال شهر يناير 2008  العدد 133 من سلسلة الكتيبات الشهرية لمجلة "المجلة العربية" السعودية، وهو عبارة عن بحث للشاعر المغربي علي العلوي حول "مفهوم الشعر عند ابن سينا"، والذي تحدث فيه عن قوى الإدراك النفساني عند ابن سينا، من منطلق أنه يصعب الحديث عن مفهوم الشعر عند هذا الفيلسوف   بمعزل عن معرفة المخيلة الإنسانية باعتبارها مصدر النشاط الشعري،

وتحديد مكانة هذه القوة بالنسبة للقوى النفسانية الأخرى، ووصف عملية التخيل الإنساني وما يسبقها وما يلحقها من عمليات إدراكية أخرى. ولعل تحديد قوى الإدراك النفساني  سيساعد على الربط بين نظرية ابن سينا النفسية وبين فهمه لطبيعة الإبداع الشعري، مما سيظهر عبقرية الفيلسوف المسلم الذي يعد أول من ربط بين الظواهر النفسية والفنية من فلاسفة المسلمين على نحو لا نلحظه عند أرسطو فيما وصلنا من كتابه فن الشعر، وذلك حين اجتاز الدائرة الضيقة التي قصر أرسطو كلامه عليها ونعني بها دائرة الشعر اليوناني إلى الكلام في علم الشعر؛ أي الظاهرة الشعرية دون نظر إلى لغة بخصوصها أو زمن بخصوصه.

ومن هذا المنطلق  ورد في البحث أن للنفس الحيوانية عند ابن سينا قوتين: إحداهما محركة والأخرى مدركة، والمحركة بدورها تنقسم قسمين: إما محركة باعثة، وإما محركة فاعلة، والمحركة الباعثة هي قوة النزوع والشوق، وتتحرك هذه القوة عندما ترتسم في المخيلة صورة مرغوب فيها أو مهروب عنها، عندئذ تتحرك إحدى شعبتي هذه القوة: الشعبة الشهوانية في حالة ما إذا كانت الأشياء المتخيلة مطلوبة، والشعبة الغضبية في حالة كونها منفرة. وأما القوة المحركة على أنها فاعلة فهي القوة التي تنبعث في الأعصاب والعضلات لتدفعها إلى الحركة. هذه هي القوة المحركة، وأما القوة المدركة فتنقسم أيضا إلى قسمين: قوى مدركة من خارج وهي الحواس الخمس الظاهرة، وقوى مدركة من باطن وهي الحواس الباطنية، وهذه الأخيرة بعضها يدرك صور المحسوسات وبعضها الآخر يدرك معاني المحسوسات. وورد أيضا في البحث حديث عن تحديد ابن سينا لقوى الإدراك من باطن، وهي: الحس المشترك، و الخيال، و المتخيلة، و الوهم، وأخيرا الحافظة. 

بعد ذلك تحدث علي العلوي عن مفهوم الشعر عند ابن سينا، حيث تناول فيه ماهية الشعر ومهمته وأداته. ومما أشار إليه هو أن ابن سينا لم يكن تابعا لأرسطو في تحديده لمفهوم الشعر كما يدعي بعض الدارسين، وإنما قد خالفه في كثير من القضايا النقدية والأدبية. أليس ابن سينا هو أول من اعتبر الشعر كلاما مخيلا؟ إن الشعر عند ابن سينا هو كلام مخيل مؤلف من أقوال موزونة، ومن ثم يصير التخييل هو السمة المميزة للشعر عن النثر، إذ لا يكفي القول أن يكون موزونا حتى نقول عنه إنه شعر. والمحاكاة  مرادفة للتخييل حسب ابن سينا، كما أنها تعني إيراد مثل الشيء وليس هو هو.

وقد أناط ابن سينا بالشعر مهام نافعة تسهم في بناء المجتمع الفاضل، والشعر عنده نافع ولذيذ، ذلك لأن الشعر قد يقال للتعجيب وحده، وقد يقال للأغراض المدنية. ولئن كان الأساس في لغة الشعر أن تكون مخيلة، فهذا معناه أن تكون الألفاظ هي محور اهتمام هذه اللغة من حيث تحسينها وتزيينها بالقدر الذي يتحقق به التخييل، كما ينبغي أن تكون معاني الألفاظ فيها غير ثابتة ولا محددة ولا مباشرة. هذا وقد نظر ابن سينا للوزن باعتباره وسيلة من وسائل التخييل، لكنه في الوقت نفسه حرص على تأكيد أن القول لا يكون شعرا إلا إذا اجتمع فيه التخييل والوزن معا. وإلى جانب هذا ربط بين الألحان الموسيقية والانفعالات النفسانية الإنسانية، ومما يعمق هذه العلاقة هو ذلك التناسب الذي يقوم على أساسه الإيقاع الشعري والإيقاع اللحني، الشيء الذي يحدث تأثيرا سلوكيا يوجه الأفعال الإنسانية.