واقع الحريات في العالم العربي
محمد فاروق الإمام
تحت عنوان (واحة الإفلات من المحاسبة والعقاب) أصدر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان تقريره السنوي حول حقوق الإنسان في العالم العربي خلال عام 2009م وعبر المركز عن أسفه لما وصفه بالتدهور المضطرد لحالة حقوق الإنسان في المنطقة حتى بالمقارنة مع الوضع المتدهور أصلاً عام 2008م.
يستعرض التقرير أبرز التطورات ذات الصلة في 12 بلد عربي، هي مصر وتونس والجزائر والمغرب والسودان ولبنان وسورية وفلسطين والعراق والسعودية والبحرين واليمن. كما يفرد التقرير فصولاً خاصة تتناول بالتحليل أداء الحكومات العربية داخل هيئات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، وجامعة الدول العربية. ويعالج التقرير في فصل مستقل موقف الحكومات العربية من قضايا حقوق المرأة، وحدود التقدم المحرز فيها، ومدى استخدامها كورقة لتجميل (الصورة) أمام المجتمع الدولي، وللتملص من استحقاقات الديمقراطية وحقوق الإنسان للرجال والنساء على حد سواء.
وعن مدى دقة المعلومات التي أوردها التقرير عن حالة حقوق الإنسان في الدول العربية؟ وما هو المطلوب لتجاوز الحالة المزرية التي رسمها التقرير لوضع الحريات في العالم العربي؟... استخدم التقرير السنوي الثاني الصادر عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عبارات قاسية في وصف حالة الحريات في المنطقة العربية، عبارات تعكس المضمون القاتم لأوضاع تلك الحريات كما عكسها التقرير الذي نعى في ثناياه أوضاع وصفها في نسخته الماضية بأقذع الألفاظ ليبقى التحدي في إيجاد العبارات المناسبة لوصف حقوق الإنسان في العالم العربي إذا حافظت على هذا المسار المنحدر باضطراد.
وجاء في التقرير أن الدول العربية إذ تواصل استخفافها باستحقاقات حقوق الإنسان أتقنت لعبة تزيين واجهتها الدولية باستخدام مسحوق سحري (يدعى حقوق المرأة)، حق توظفه الأنظمة العربية لتسويق صورتها في الأمم المتحدة وأمام الغرب عموماً لا لشيء بحسب التقرير الذي تناول 12 بلداً عربيا على وجه المثال لا لشيء إلا للتملص من واجباتها والتزاماتها على الصعيد الحقوقي.
وينتقد التقرير البلدان العربية بأنها لم تشهد مراجعة لسياساتها واستراتيجياتها تجاه حقوق الإنسان في ضوء ما حدث في العام 2008م وحتى منتصف العام 2009م من متغيرات دولية وضعت مسار حقوق الإنسان موضع مراجعة، ليس فقط في مجال الحريات المدنية والسياسية، بل وعلى الأخص في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. بل، على العكس من ذلك، فقد بادرت البلدان العربية إلى تعزيز سياساتها السابقة نحو إعلاء الاعتبارات الأمنية على الحريات المدنية والسياسية، والتراجع عن الإصلاحات السياسية المحدودة التي أدخلتها على تشريعاتها ونُظُمها، وتعللت بالأزمات المالية والاقتصادية للتحلل من البرامج والسياسات الاجتماعية بأكثر مما تأثرت قدراتها من هذه الأزمات.
ويذكر التقرير أن سورية التي دخلت فيها حالة الطوارئ عامها السابع والأربعين، ظلت تتمتع بمكانتها المتميزة في الإجهاز على جميع صور المعارضة والحراك السياسي، والمظاهر المحدودة للتعبير المستقل، وفي قمع حراك الأقلية الكردية في مواجهة سياسات التمييز المنهجي ضدها، وتوجيه ضربات متلاحقة لمدافعي حقوق الإنسان. وقد وجدت أبرز تجلياتها في اعتقال ومحاكمة مهند الحسني رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان، وإحالة محاميه هيثم المالح – الرئيس السابق (للجمعية السورية لحقوق الإنسان)- لمحاكمة عسكرية، وإغلاق مقر (المركز السوري للإعلام وحرية التعبير)، والاحتفاظ داخل السجون بالعشرات من سجناء الرأي والمطالبين بالديمقراطية.
التقرير أيضاً قال بأن داخل هيئات الأمم المتحدة هناك تنسيق وعمل متناغم بين حكومات عربية بالتعاون مع دول أعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي لتقويض النظام الدولي لحماية حقوق الإنسان، وإفراغه من أي مضامين.
الدكتور هيثم مناع (المتحدث باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان) أكد على هذه الحقيقة خلال مداخلته في حلقة (ما وراء الخبر) التي بثتها قناة الجزيرة يوم 9/12/2009م، وقال: بالنسبة للأمم المتحدة بالتأكيد الدول العربية كلها لديها لوبي ضد أي محاسبة لأي بلد عربي هي موحدة في هذه القضية فقط وبالتالي باستمرار عندما نحارب انتهاكاً لحقوق الإنسان في بلد كلها تتداعى ولذلك اتفقت كلها على تجميد اللجنة العربية بالأمم المتحدة هذا العام..
وغني عن البيان، أن الانتهاكات التي يرصدها التقرير، لا تعبّر بالضرورة عن كل الانتهاكات، وإنما عمّا نما إلى علم المنظمة وأمكن توثيقه وتدقيقه.. فالأوضاع في العالم العربي لا تحتاج حتى من مركز القاهرة لأن يتحدث عنها، يعني المواطن الذي لا يطلع على تقارير منظمات حقوق الإنسان يعرف جيدا مما هو يعيشه أن الوضع ربما كان أشد بؤساً مما تذكره تقارير منظمات حقوق الإنسان.