من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة

المستشار عبد الله العقيل

المؤلف: المستشار عبد الله العقيل

عدد الصفحات: في جزءين 1309.

الناشر: دار البشير ط7، 1429هـ 2008م.

تضمن الكتاب في بدايته مقدمة للطبعة السابعة لعبد الله الطنطاوي، وتقديم الطبعة الثالثة لمحمد مهدي عاكف، وتقديم للطبعة الثانية لمصطفى مشهور، ومقدمة لبدر محمد بدر، ومقدمة للمؤلف التي أشار فيها إلى دافعه إلى تأليف هذا الكتاب (هو بعض الوفاء بحق هؤلاء الإخوة الكرام) 1/29 فضلاً عن تعريف أجيال الأمة المعاصرة والمستقبلية بهؤلاء الأعلام الذين خدموا الإسلام بصدق وقدموا أسمى صور التضحية والبطولة ونكران الذات، كما بين أن منهجه الذي اتبعه قائم على ثلاثة شروط، وهي: ألا يكتب إلا عن معاصر التقاه، وأن يكون متوفىً، فالحي لا تؤمن فتنته، وأن يكون من الدعاة العاملين.

إن معظم المعلومات التي أوردها اعتمدت على ذاكرته ومعايشته لهؤلاء الرجال الذين تفاوتت معرفته الشخصية بهم بين لقاء واحد أو أكثر، وأحياناً علاقات متصلة، وبعضها دام عقوداً حتى فرق بينهما الموت. ورجع في البقية إلى بعض المصادر من الكتب والمجلات والصحف التي تناولت شيئاً عن حياة هؤلاء الأعلام، وقد حفل الكتاب بكثير من الصور الوثائقية التي تصور الأعلام منفردين أو بصحبة البعض ومنهم المؤلف نفسه.

كما يلاحظ أن الكتاب يعرف أحياناً بشخصية جانبية مهمة على علاقة بتاريخ صاحب الترجمة، وهذه ميزة للكتاب، فضلاً عن إيراده لمؤلفات من اشتهر بالتأليف مقلاً أو مكثراً، والتي قد لا يحصل عليها بعض المهتمين بدراسة هذه الفترة، أو دارس أحد هؤلاء الأعلام، إلا بصعوبة، أو يعثر عليها ناقصة أحياناً، إذ إن الأستاذ العقيل قد بذل جهوداً كبيرة في هذا الصدد، كما حفل الكتاب بمعلومات تهم الباحثين عن الجمعيات والصحف والمجلات الإسلامية التي صدرت في القرن الماضي، وإلى جانب كل ما ذكر فإن أعلام العقيل مزجوا بين العلم والعمل، فلم يعد العلماء حبيسي مدارسهم ومساجدهم وجامعاتهم، وإنما خرجوا ليطبقوا شرع الله، ويدعوا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، رافعين شعار (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت) فمنهم من سجن وأوذي، ومنهم من شرّد من بلده، ومنهم من استشهد على أيدي أعداء الأمة، أو على أيدي ظلمة الداخل الإسلامي، ومنهم من تعرض للإفقار..

إن التراجم الـ (119) توزعت ما بين (63) في الجزء الأول و(56) في الجزء الثاني، وهي تتوزع على بلدان المسلمين من طنجة إلى جاكارتا، كما صنف المفكر مالك بن نبي دار الإسلام المعاصرة، وإن ضمت علماً واحداً من الولايات المتحدة، هو الشهيد مالكولم إكس، وكان نصيب مصر هو الأكبر، إذ جاء منها (43) علماً وتليها سوريا إذ جاء منها (12) علماً، واحتلت المرتبة الثالثة السعودية والعراق ولكل منهما (9) أعلام، وفي المرتبة الرابعة فلسطين، إذ جاء منها (6) أعلام، والجزائر واليمن في المرتبة الخامسة ولكل منهما (4) أعلام، والكويت والهند وتونس والبحرين في المرتبة السادسة ولكل منها (3) أعلام، وفي المرتبة السابعة قطر والمغرب والسودان وليبيا ولكل منها (2) علمان، وأندونيسيا وأفغانستان والولايات المتحدة والشارقة ولبنان لكل منها (1) علم واحد فقط.

وقد تبين أيضاً أن (22) من الأعلام تعرضوا لمحنة السجن على أيدي الطغاة بشكل متفاوت ما بين بضع سنين وعقدين من الزمان، وأن أحدهم وهو أحمد الحجاجي 1920-1973م قضى في السجن في حين استشهد من هؤلاء الأعلام (16) علماً ومات موتة طبيعية منهم (80) علماً، وأن بعض هؤلاء الأعلام مات أو استشهد في عز شبابه مثل الشهيد محمد سعيد بأعياد 1941-1970م الذي استشهد وعمره (29) سنة، ومات صالح مهدي الدباغ 1920-1951م عن (31) سنة، وكذلك عبد الرحيم محمود 1913-1948م عن (35) سنة، وبعضهم في الأربعينيات مثل الشهيد مالكولم إكس 1925-1965م وعبد العزيز البدري 1929-1969م عن (40) سنة، وصلاح حسن 1925-1970م الذي مات عن (45) وسنة الشهيد عمرو النامي 1940-1986م عن (46) سنة، والشهيد عبد القادر عودة 1906-1954م، والشهيد عبدالله عزام 1941-1989م عن (48) سنة، أو في بداية الخمسينيات مثل حسن العشماوي 1921-1972م عن (51) سنة، وسعيد حوى 1935-1989م عن (54) سنة.

أما على صعيد من اشتهر بالتأليف من الذين أثرت مؤلفاتهم في الأجيال فهم كثر، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: المودودي 1903-1979م وأبو الحسن الندوي 1914-1999م، وسعيد حوى 1935-1989م، وسيد قطب 1906-1966م، وحسن الهضيبي 1891-1973م وعبد القادر عودة وعبدالله عزام وسيد سابق 1915-2000م، وأنور الجندي 1917-2002م، ونجيب الكيلاني 1931-1995م، وعلي أحمد باكثير 1910-1969م، وعلي الطنطاوي 1909-1999م، ومصطفى السباعي 1915-1964م، ومالك بن نبي 1905-1973م، ووليد الأعظمي 1930-2004م، والألباني 1914-1999م، ومصطفى الزرقاء 1904-1999م، ومحمد أبو زهرة 1898-1974م.

كما أشار الأستاذ العقيل إلى تقليد إسلامي أصيل حسبناه اختفى من حياتنا الثقافية بعد احتلال المستعمرين الأوربيين للبلدان الإسلامية، ألا وهو الرحلة في طلب العلم، حيث أشار إلى رحلة الشيخ المحدث عبد الفتاح أبو غدة 1917-1997م ابن حلب الشهباء إلى مصر وبلاد الشام والهند وغيرها، وكذلك رحلة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي 1889-1965م من بلدته سطيف إلى دمشق حيث نفي فيها إلى سنة 1921م وكذلك الشيخ محمد تقي الدين الهلالي 1893-1987م الذي رحل من المغرب إلى الجزائر ثم إلى القاهرة والهند والعراق.

كما يلمح القارئ الذوق الرفيع الشعري للأستاذ العقيل حيث حفل الكتاب بقصائد وأبيات منتقاة في الرثاء والمدح أو في وصف حال الأمة وهي مبثوثة على معظم صفحات الكتاب.

ولابد أن أشير إلى ما استفدته من بعض معلومات الكتاب، والتي قد لا يعثر عليها في مصادر أخرى، بل أحياناً هي غير ما عرف أو أشيع عن هذه الشخصية أو الواقعة أو أن بعض المعلومات تنسخ ما قبلها من أقوال وهنا تكمن أهميتها، ومن ذلك وصية أبو الأعلى المودودي إلى الشباب في نبذ العنف، وجاء فيها (يا شباب نصيحتي إليكم أن تجعلوا القرن القادم قرن الإسلام، لأن الحضارة الراهنة توشك على الانهيار وسوف يكون هناك فراغ في حياة البشرية.. فعليكم أن تجاهدوا لملء هذا الفراغ بالصبر والمتابعة.. لا تقوموا بعمل جمعيات سرية لتحقيق الأهداف وتحاشوا استخدام العنف والسلاح لتغيير الأوضاع، لأن هذا الطريق نوع من الاستعجال.. إن هذا الطريق أسوأ عاقبة وأكثر ضرراً من كل صوره الأخرى) 1/49.

وورد عنه في مكان آخر في السياق نفسه (إن الإسلام إذا لم يكن حاكماً فاستعمال أتباعه السلاح يعد بمثابة انتحار) ويسوق مثالاً على ذلك بعدم سماح الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه في العهد المكي باستعمال القوة) 1/53.

ومن طرائف الأستاذ العقيل إشارته إلى أن الداعية المجاهد الدكتور أحمد محمد الملط      1917-1995م نوى في إحدى حجاته عن الإمام ابن حزم الظاهري لأنه لم يحج 1/128.

ومما أحزنني ما ذكره عند حديثه عن وفاة الأستاذ أنور الجندي صاحب أكثر من (250) مؤلفاً عن عمر يناهز الخامسة والثمانين أن عدد مشيعيه لم يتجاوز الخمسين فرداً فقط 1/170.

وعند ترجمته لمفتي الديار المصرية الشيخ حسنين محمد مخلوف 1890-1990م يورد رده على فتوى وزير الأوقاف المصري عام 1957م في عز الحملة على الإسلام ودعاته في مصر من فتوى جواز اختلاط العريس بعروسه وتقبيلها ومعانقتها قبل عقد الزواج ليتأكد من صلاحيتها له، والتي جاء فيها (وأما ما ينشر في بعض الصحف على لسان السيد وزير الأوقاف من إباحة التقبيل والعناق للمخطوبة قبل العقد فهو قول باطل يرده كتاب الله وسنة رسوله ومذاهب الأئمة قاطبة.. فضلاً عن أنه إباحية فاحشة تنكرها الأخلاق والعادات الفاضلة) 1/252.

وينقل عن الشيخ د. يوسف القرضاوي قوله في الشيخ سيد سابق وكتابه الشهير (فقه السنة): (وقد اعتمد السيد سابق منهجاً يقوم على طرح التعصب للمذاهب مع عدم تجريحها، والاستناد إلى أدلة الكتاب والسنة والإجماع، وتبسيط العبارة للقارئ، بعيداً عن تعقيد المصطلحات وعمق التعليلات والميل إلى التسهيل والتيسير على الناس، والترخيص لهم فيما يقبل الترخيص.. وكان من التسهيل الذي اتبعه الشيخ في منهجه الذي ارتضاه في كتابة الفقه: البعد عن ذكر الخلاف إلا ما لابد منه.. ويختار الراجح أو الأرجح في الغالب، وأحياناً يترك الأمر دون أن يرجح رأياً) 1/305.

وعند ترجمته للشهيد سيد قطب ينقل قوله المشهور في رفضه الخضوع والتنازل عن الحق للظلمة من أجل العفو عنه (وإن أصبع السبابة التي تشهد بالوحدانية في الصلاة تأبى أن تكتب كلمة واحدة تقربها لحاكم طاغية فإن كنت مسجوناً بحق فأنا أرضى حكم الحق، وإن كنت مسجوناً بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل) 1/321.

كما ينقل عن الشهيد عبد القادر عودة قولته المشهورة (ولن يضر الدعوة شيئاً: أن تغلق دورها وتعطل منابرها ما دام كل منكم قد جعل للدعوة من قلبه داراً ومن نفسه حصناً، ومن كان قادراً على القول فكل مكان له منبر) 1/498.

كما يشير إلى الاجتهادات الفقهية لدى الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود علامة قطر 1907 -1997م (وكانت له اجتهادات فقهية خالف فيها الكثير من الفقهاء القدامى والمعاصرين كإنكاره المهدي المنتظر، وتفضيله الصدقة عن الميت على الأضحية، ورفع الحرج عن الأمة في مناسك الحج، كجواز الرمي قبل الزوال، وجواز الإحرام للحجاج والمعتمرين ركاب الطائرات إذا نزلوا في جدة، وجواز إخراج زكاة الفطر بقيمتها من النقود، وفتواه بالانتفاع بالمقابر القديمة، إذا أصبحت وسط البنيان وغير ذلك من الاجتهادات الفقهية) 1/527-528.

وفي ترجمته لعبدالله المطوع 1926-2006م يقول: كان (يكدح الليل والنهار لجمع المال وتثميره وتنميته ليزداد الريع فيما ينفق من أنواع الخير في أصقاع الدنيا.. بل كان له نفقات غير الزكاة وريع الثلث وهي صدقات وتبرعات يدفعها على مدار العام للأشخاص من الأسر والجهات وتفريج كروب المكروبين وإغاثة المنكوبين..) 1/567-568.

كما أن ما يلفت الانتباه أن حركة الإخوان المسلمين قد استقطبت الشباب من غير أهل السنة حيث يشير إلى الشهيد عمرو النامي من ليبيا والذي كان على مذهب الإباضية 2/670.

وعند ترجمته للشيخ محمد الخضر حسين التونسي 1876-1958م يشير إلى توليه مشيخة الأزهر لعلميته وتنازل عنها بعد أكثر من سنتين عندما وجد إعراض رجال الثورة عن الأزهر وعدم احترامهم له أي أن مشيخة الأزهر كانت تعطى حسب الأهلية بعد الاتفاق بين كبار العلماء فيه بغض النظر عن كونه مصرياً أو غير مصري 2/847.

وأعجبتني عبارة د. محمد سعيد النجار 1916-1972م الطبيب الداعية والمسلم العامل قالها في اجتماع لأعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة بحضور عدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة المصري آنذاك: (أضيئوا الأنوار حتى يتبين لكم الخبيث من الطيب واعلموا أن الشعب الذي يخاف العصا لن يثبت أمام الدبابة) 2/880. ويقال الأمر نفسه في قول الشيخ محمد الغزالي 1917-1996م: (أنا لا أعتبر التتار هم مسقطي الخلافة في بغداد، إن الخلافة أسقطتها من قبل قصور مترعة بالإثم ثم متخمة باللذات الحرام) 2/912.

وكذلك ما أورده في معرض ترجمته للشيخ محمد متولي الشعراوي عن قول وزير التعليم الإسرائيلي هامير (لا أمل أن يتحقق السلام بين مصر وإسرائيل إلا إذا حذف المصريون الآيات القرآنية التي تهاجم اليهود) 2/1012.

كما لفت انتباهي قول الأستاذ العقيل في ترجمة الشيخ محمد متولي الشعراوي (كان الشعراوي صاحب دور كبير في إقناع كثير من الفنانات بالاعتزال والانسحاب وارتداء الحجاب والتفرغ للعبادة، والدعوة الإسلامية، وعمل الخير وتحفيظ القرآن الكريم وحفظه وتجويده، وأفتى بأن فلوس الفن حرام حرام، وممن هداهن الله على يديه من الفنانات: شادية، ياسمين، شمس، سهير، عفاف، هناء، كاميليا، هالة، مديحة، شهيرة، نسرين، وغيرهن كثيرات من الوسط الفني) 1/1010-1011.

وأعجبني ما أورده في معرض ترجمته للعسكري والمؤرخ العراقي اللواء الركن محمود شيت خطاب في فراسته (وكان من فراسته ودقة دراسته للعدو الصهيوني أنه حدد اليوم الذي عزمت فيه إسرائيل أن تضرب ضربتها وهو يوم 5/6/1967م، ونشر هذا في جريدة (العرب البغدادية) يوم 1/6/1967م حتى إن المؤلف الإسرائيلي صاحب كتاب (الحرب بين العرب وإسرائيل) أثنى على عبقرية اللواء محمود شيت خطاب ووصفه بأنه أكبر عقلية استراتيجية في العرب ولكنه لا يجد من يستفيد منه) 2/1096.

وعن محنة المرشد الخامس مصطفى مشهور 1921-2002م (اعتقل سنة 1948م في حادثة السيارة الجيب وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات وكانت هذه المحكومية وساماً على صدره وصدور إخوانه.. واعتقل مرة ثانية سنة 1954م بعد حادثة المنشية المفتعلة ثم أفرج عنه مرة ثانية سنة 1964م بعد قضاء فترة السجن عشر سنوات. وبعد أقل من سنة أعيد اعتقاله مرة ثانية سنة 1965م وأفرج عنه سنة 1971م) 2/1169.

وعند ترجمته للأديب نجيب الكيلاني يصفه بقوله (ويعتبر الكيلاني في مقدمة الأدباء الإسلاميين المعاصرين من حيث غزارة الإنتاج وتنوعه وتألقه فقد كتب أكثر من سبعين كتاباً في الرواية والقصة والشعر والنقد والفكر والطب.. والأديب الكيلاني يرى أنه لا خصومة بين الدين والفن والأدب.. فالمسلم روح وجسد ولا يرفض المتعة والتسرية لكل منهما مالم يخرج عن الآداب والأخلاق الإسلامية.. إن هذا العملاق في عالم الأدب والذي عاش مغموط الحق لأنه صاحب اتجاه إسلامي لا يكفيه أن تكون بعض كتبه قد ترجمت لبعض اللغات العالمية كالإنجليزية والفرنسية والألمانية والأردية والأندونيسية والفارسية وغيرها.. ولا يكفيه أن تقدم عن أدبه دراسات الماجستير والدكتوراه) 1204/1211.