انتهاكات حقوق الإنسان العراقي في سجن أبو غريب(3)

د.وصال نجيب العزاوي

انتهاكات حقوق الإنسان العراقي

في

سجن أبو غريب

د.وصال نجيب العزاوي

عميد كلية العلوم السياسية / جامعة النهرين

(3)

انتهاكات الاحتلال الأمريكي والبريطاني لحقوق الإنسان في العراق

(فضيحة أبو غريب)

إذاً هذا هو حال المحتل عندما تتكشف نواياه اللعينة التي حاول إخفاءها وراء أقنعة مزيفة لطمس حقده الأسود الدفين الذي اعترى كيانه المسخ وتملك نوباته الهستيرية والسادية فكان دموياً وعنيفاً إلى أبعد الحدود ، فبعد أن انطوت على الكثير أضحوكة (الحرية والديمقراطية والحياة الرغيدة) ، بان التخبط الأرعن والمضيّ الأعمى في فلك المآسي ، فوراء قضبان الاعتقال صرخات تكبت وأرواح تزهق رافقها تعذيب فاق التصورات بعد إهانات وإذلال مقصود ومتعمد فكان ذلك ظلماً كبيراً ووقاحة قذرة لقلوب قاسية لا تعرف الرحمة والشفقة أبت إلا أن تضرب كل شيء عرض الحائط في سبيل تحقيق مبتغاها ومقاصدها الدنيوية الخبيثة على حساب باقي شعوب الأرض الآمنة ذلك الحقد الأسود الذي طغى واستشرى في أنفس آثمة ضمها الشيطان لجنده ...

البداية :

بثت شبكة (سي . بي . أس نيوز) الأمريكية في أحد برامجها ليوم 28/4/2004 صوراً التقطت في (سجن أبو غريب) أواخر عام 2003 تبين قوات الاحتلال الأمريكي وهي تسيء معاملة عدد من المعتقلين العراقيين وأظهرت جنود الاحتلال الأمريكي وهم يبتسمون ويقفون لالتقاط الصور التذكارية ويلوحون بعلامة النصر بأصابعهم بينما تكوم معتقلون عراقيون عراة في شكل هرمي وكتبت كلمات مهينة على بشرة رجل عراقي باللغة الإنكليزية ، كما اقتاد جنود الاحتلال الأمريكي رجلاً آخر ليقف على صندوق ورأسه مغطى في حين تم توصيل أسلاك إلى يديه وتم إبلاغه بأنه إذا سقط من اعلى الصندوق سيصعق بالكهرباء .

وفي يوم الخميس الموافق 29/4/2004 قالت الكولونيل (جيل مورجينتالر) المتحدثة باسم قوات الاحتلال الأمريكي في بغداد للصحفيين أن الجنرال (جانيس كاربينسكي) المسؤولة عن سجن أبو غريب أوقفت عن العمل ويجري التحقيق معها حول سوء معاملة معتقلين عراقيين بسبب اتهامات تشمل ارتكاب أعمال منافية للآداب (اعتداء جنسي) وإساءة المعاملة والاعتداء بالضرب والخروج عن مهام الوظيفة والاعتداء الجسيم ، وأضافت : وجدنا أنه أمر بغيض للغاية أن يقوم جنود أمريكيون بمثل هذه الأعمال المهينة وقبل كل شيء قاموا بتصوير تلك الأعمال (إنه أمر مخزٍ)!!..

مصادر أخرى أكدت ما وصل إليه التحقيق الأولي الذي دل على وجود مشاعر بعدم الثقة داخل التسلسل القيادي ، وقد فتحت قوات الاحتلال تحقيقاً آخر بشأن التصرفات غير الإنسانية وغير الأخلاقية من الجنود الأمريكيين المحتلين مع المعتقلين العراقيين ، وأوقف بموجب التحقيق سبعة عشر عسكرياً من بينهم الجنرال (جانيس كاربينسكي) وهي ضابطة برتبة عميد ، وقعت تلك الممارسات تحت إشرافها وحوكم ستة من أفراد من قوات الاحتلال أمام محكمة عسكرية بينما أوقف الآخرون عن الخدمة ومنهم جنود احتياط (لم يخضعوا لأي محاكمة) ، ومن الجدير بالذكر أن سجن (أبو غريب) ضم حوالي (4400) معتقل أمني بحسب ما ذكر متحدث باسم قوات الاحتلال الأمريكي للصحفيين يوم 20/4/2004، فيما قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن السجن يضم حوالي (6500) معتقل من بينهم (2000) من معتقلي الحق العام استناداً إلى الأرقام التي حصلت عليها من سلطة الاحتلال .

انتهاكات منظمة :

قالت صحيفة الـ (غارديان) البريطانية على لسان السير (جانت إيفان فريدريك) أن انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها السجناء العراقيون تتم بشكل منظم وأضاف قائلاً : إنه توجه بالسؤال إلى المسؤولين في قوات الاحتلال الذين يتبعهم حول تلك التصرفات ولكنه تلقى أوامر بأن يفعل ما طلب منه ، فبعد أن بثت شبكة (سي . بي . أس نيوز) الأمريكية الصور السابقة ، جاء نشر صور ممارسات الجنود البريطانيين حيث كشفت صحيفة (ديلي ميرو) البريطانية أن جنود الاحتلال البريطاني ارتكبوا جرائم أخلاقية بحق المعتقلين العراقيين شملت التبول عليهم وتعذيبهم وتجريدهم من ملابسهم ، وجاءت بعد ساعات من تفجر موجة الغضب أزاء انتهاكات مشابهة اقترفتها القوات الأمريكية المحتلة في العراق.

ويظهر في الصور التي نشرتها الصحيفة بتاريخ 1/5/2004، عراقي شبه مجرد من ملابسه ورأسه مغطى بكيس ، بينما يتبول جندي بريطاني عليه ، وأوضحت أنها تلقت الصور من جنود كانوا ضمن فوج (الملكة لانكشاير) بجنوب العراق ، وعلمت منهم أن تلك الأعمال الوحشية منتشرة ضد السجناء العراقيين وأوضح الجنود أنهم يريدون نشر تلك الصور لتوضيح أسباب المقاومة الشرسة التي تلقاها قوات الاحتلال في العراق ، وأن العراقي الذي ظهر في الصورة متهم بالسرقة وتعرض للتعذيب خلال محاكمة استغرقت ثماني ساعات شملت تكسير فكه وأسنانه والضرب كما تبول عليه الجنود ولم توجه له أي تهمة ، وبعد ذلك اقتادوه في عربة وألقوه منها أثناء سيرها ولا يعرف ما إذا كان حياً يرزق أم توفي متأثراً بما تعرض له .

ونقلت صحيفة الـ (جارديان) البريطانية عن الجنرال (سير مايك جاكسون) قائد جيش الاحتلال البريطاني يوم 1/5/2004 قوله في مؤتمر صحفي تم تنظيمه على عجل : " إذا تم إثبات ذلك فإنه لن يكون فقط مروعاً وخارجاً عن القوانين ولكن مخالفاً أيضاً للمعايير العليا للجيش البريطاني " على حد تعبيره .

وقال مسؤولون في قوات الاحتلال البريطاني للصحيفة إن التحقيقات ستتناول أيضاً دور شركات خاصة في السجون العسكرية بعد أن توصل تحقيق إلى أن شركتي (سي . إيه . سي . آي انترناشونال) و (ذا تايتان كوربوريشن) البريطانيتين لعبتا دوراً مهماً في إجراء وترجمة التحقيقات مع السجناء العراقيين . وسارعت رئاسة الحكومة البريطانية إلى إدانة المشاهد التي تظهر في الصور فيما اعتبر وزير الحرب البريطاني (آدم انجرام) أن تلك التصرفات غير مقبولة تماماً .

دخيلك يا الله :

كلمات حفرها معتقل على باب زنزانة بسجن أبو غريب فكانت ماثلة للعيان حتى هذه اللحظة ، أحد المعتقلين يعمل أستاذاً جامعياً اعتقلته قوات الاحتلال الأمريكي ووضعته في السجن نفسه لمدة أسبوعين حيث قال لـ (إسلام أون لاين) في تاريخ 24/11/2003 كانوا يعاملوننا كـ (الكلاب الضالة) ، يرمون إلينا الطعام بكل احتقار، كانوا يكرمون كلابهم ويدللونها ويطعمونها بأيديهم أما نحن فلا نستحق فنحن إرهابيون حسب اتهاماتهم . وأضاف ذلك الأستاذ الجامعي : " عرفنا في تلك السجون كيف يكون القهر وسلب الإنسان أبسط حقوقه ومن يجرؤ ويتكلم يكمم جنود الاحتلال الأمريكي فمه بقطعة قماش يأتون بها من تحت أرجل كلابهم !! ".

أما (قدس برس) فقد نقلت بتأريخ 30/1/2004 عن بيان قالت إنه عن سجينات عراقيات أفرج عنهن مؤخراً من سجن (أبو غريب) ببغداد ، أن عدداً من المعتقلات تعرضن لاعتداءات جنسية من قوات الاحتلال الأمريكي وأكد البيان الذي يحمل نداء استغاثة أن بعض المعتقلات فقدن عذريتهن وأن بعضهن يحملن في أحشائهن أجنة من جراء عمليات الاغتصاب ، وكان قد حث البيان المسلمين الغيارى والعلماء والمشايخ ورجال العشائر إلى الإسراع لنجدة المعتقلات العراقيات في تلك السجون ، وقد أتت هذه الاتهامات في سياق الشكاوى المتعددة من الظروف الصعبة للغاية التي يعانيها المعتقلون العراقيون في سجون الاحتلال والتي تؤكد في مجملها أن المعاملة الأمريكية للسجناء العراقيين (قاسية جداً) وتتنافى مع أبسط الحقوق التي يجب أن تتوفر للسجين . علماً بأن قوات الاحتلال الأمريكي كانت تلقت في نهاية عام 2003 أكثر من ثمانية آلاف شكوى بينها 3327 ألزمتها بتعويضات وصلت قيمتها إلى أكثر من مليون دولار بحسي مصدر عسكري أمريكي .

كما قالت منظمة العفو الدولية في تقرير لها نشر في 23/7/2003 أن مواطنين عراقيين اعتقلتهم قوات الاحتلال الأمريكي اشتكوا من تعرضهم للتعذيب والمعاملة المهينة ، وأشار التقرير للمنظمة الذي استند إلى المقابلات التي أجريت مع سجناء سابقين لدى الاحتلال إلى أن الشكاوى تضمنت الحرمان من النوم لوقت طويل وإجبار المعتقلين على البقاء في أوضاع مؤلمة وارتداء غطاء فوق رؤوسهم لمدة طويلة .

وقالت منظمة العفو الدولية إن مثل هذه المعاملة غير الإنسانية وهذا التعذيب تماثل المعاملة المحظورة بموجب اتفاقية جنيف الرابعة وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان .

إشارة :

ذكرت صحيفة (لاريبوبليكا) الإيطالية أن صور التعذيب التي بثتها شبكة (سي . بي . إس) الأمريكية كانت لدى وزارة الحرب الأمريكية منذ زمن ، وأضافت الصحيفة إن الشبكة قد حصلت على نسخة منها فأرسلت على الفور فريقاً صحفياً إلى سجن أبو غريب أعد تقريراً بشأن الموضوع وقد طلب البنتاغون وعبر رئيس هيئة الأركان المستركة الجنرال (ريتشارد مايرز) من إدارة شبكة (سي . بي . إس) الأمريكية تأجيل بث التقرير والصور فوافقت على ذلك وبعد أن علمت بعض وسائل الإعلام الأمريكية بالأمر خشيت شبكة (سي . بي . أس) أن تفقد سبقها الصحفي فقامت بإخطار البنتاغون بقرارها ببث التقرير فوافق البنتاغون على البث بشرط أن تتيح الشبكة الإدلاء بتعليق بشأن الموضوع وهو ما تم على شكل مقابلة مع العميد (مارك كيميت).

الانتهاكات الدينية :

تكشفت فصول جديدة من جرائم الاحتلال الأمريكي في العراق وفضيحة سجن أبو غريب التي مازالت تتفاعل داخل وخارج الولايات المتحدة ، وهذه المرة الانتهاكات الدينية التي يتعرض لها الأسرى العراقيون . فقد كان جنود الاحتلال الأمريكي يجبرون الأسرى العراقيين على الارتداد عن دينهم ، كما أجبروا بعض الأسرى على اعتناق الدين المسيحي والتلفظ بألفاظ مسيئة بالإسلام .

وقال أسرى عراقيون مفرج عنهم من سجون الاحتلال الأمريكي في العراق ، أن الجنود الأمريكيين كانوا يجبرونهم على شتم الدين الإسلامي وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير في نهار شهر رمضان المبارك .

صور لصحيفة الـ (واشنطن بوست) الأمريكية :

وأوردت صحيفة الـ (واشنطن بوست) الأمريكية أن المجندات الأمريكيات كن يأمرن الأسرى بالانبطاح ويركبنهم كالدواب ، فيما قال أحد المفرج عنهم " لقد قالوا لي سوف نجعلك تتمنى الموت فلا تجده ".

وفي هذا السياق كشف عضو الكونغرس الأمريكي (كندريك ميك) أنه شاهد شريطاً تلفزيونياً مصوراً يظهر جندياً أمريكياً وهو يمارس الجنس مع أحد الأسرى العراقيين ومن ثم يجبره على الارتداد عن دينه ويأمر بشكر المسيح لنه مازال حياً !

كما كشفت صحيفة الـ (واشنطن بوست) في تقرير لها أن قائد قوات الاحتلال الأمريكي في العراق الجنرال (ريكاردو سانشيز) كان يشاهد التعذيب في سجن (أبو غريب) ويعلم بكل تفاصيله ، كما كشفت أيضاً أن الجنود الأمريكيين كانوا يقومون بعمليات التعذيب على سبيل اللهو ، وليس في سياق استجواب الأسرى أو التحقيق معهم !

من ناحية ثانية نشرت الصحيفة نفسها صوراً من فظائع الجرائم الأمريكية التي ترتكب ضد الأسرى العراقيين في سجن أبو غريب بالعاصمة العراقية بغداد . ووفقاً للصحيفة فإن هذه المجموعة من الصور التي حصلت عليه تضمنت مشاهد فيديو تم تصويرها بواسطة كاميرات رقمية ذات مدد قصيرة وتكشف عن جرائم بشعة ، ووصفت الصحيفة تلك المشاهد بالقول : " رجال في ملابس فضفاضة ورؤوسهم مغطاة ، مقيدون في أسيجة رواق ، وسجين في أغلال مرنة يؤمر باستخدام موزة وكأنه يمارس الجنس من الدبر، ومعتقلان عاريان مقيدان بالأغلال معاً ومعتقل عارٍ متدل رأساً على عقب ".

وقالت الصحيفة أن اعترافات 13 من السجناء الذين أخلي سبيلهم من سجن أبو غريب تؤكد أنهم كانوا يرغمون على التقاط الطعام من دورات المياه ! .

كما أفادت الصحيفة أن الأسرى كانوا يتعرضون للضرب المبرح وللإساءات الجنسية المتكررة على يد الجنود الأمريكيين في النوبة المسائية في مجموعة زنازين (1a) في سجن ابو غريب أثناء شهر رمضان .

وأضافت إن الصور وشرائط الفيديو تتجاوز الصور التي نشرتها وسائل الإعلام من قبل ، وتعرض مجموعة متنوعة من أساليب التعذيب وجنوداً أمريكيين كانوا سعداء بإساءة معاملة السجناء في السجن الذي تديره الولايات المتحدة قرب بغداد .

وقالت الصحيفة أن جزءاً من تسجيل الفيديو أظهر سجيناً عراقياً مقيد اليدين بالجزء الخارجي من باب الزنزانة وقد حشر رأسه بين القضبان . وأظهر المشاهد جندياً أمريكياً ممسكاً بهراوة وأمامه معتقل عار وقد غطي جسمه بمادة بنية اللون واقفاً في رواق ماداً ذراعيه وكاحلاه مكبلان ، وصورة أخرى أظهرت سجيناً يرتدي حلة برتقالية اللون وهو يتراجع خائفاً أمام كلب ينبح .

صور لشبكة (أيه . بي . سي) الأمريكية النقاب عن صور جديدة لتعذيب المعتقلين العراقيين يظهر فيها جنود أمريكيون وهم يبتسمون بجوار جثة لمعتقل عراقي اسمه (مناضل الجمادي) الذي توفي بسبب التعذيب الشديد الذي تعرض في سجن أبو غريب في العراق . ويأتي الكشف عن هذه الصور بعد الحكم المخفف الذي أصدرته محكمة عسكرية أمريكية على جندي أمريكي اتهم بتعذيب الأسرى العراقيين والتقاط صور لهم في أوضاع مشينة .

وكان رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي (جو وارنر) أهلن أن وزارة الدفاع الأمريكية أبلغت اللجنة عن اكتشاف قرص مدمج جديد يحتوي على صور لعمليات تعذيب الجنود الأمريكيين للأسرى العراقيين .

وقال (وارنر) إن " وزارة الدفاع أبلغت اللجنة بأنها اكتشفت قرصاً مدمجاً جديداً يضم هذه الصور وسأبلغ اللجنة قريباً عن إمكانية مشاهدة هذه الصور" . يشار إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية أعلنت حتى الآن عن وجود ثلاثة أقراص مدمجة تحتوي على صور رقمية وأفلام فيديو للتجاوزات وعمليات التعذيب التي ارتكبت بحق المعتقلين العراقيين في سجن أبو غريب " .

وقد ذكرت العديد من الصحف المريكية أن السلطات العسكرية الأمريكية علمت بممارسات التعذيب في سجن أبو غريب في بغداد عبر تقرير قدمته لجنة الصليب الأحمر في شهر تشرين الثاني 2004 ، لكنها رفضت خلال شهرين فتح تحقيق ، محاولة في الوقت نفسه الحد من دخول لجان الصليب الأحمر إلى الزنزانات الحساسة .

وكان وزير الدفاع (دونالد رامسفيلد) أعلن أمام مجلس الشيوخ الأمريكي أن وزارته تبلغت في منتصف كانون الثاني / يناير 2004 عن سوء المعاملة التي مارسها عسكريون أمريكيون بحق معتقلين عراقيين في سجن أبو غريب في العراق ، وقد فتح البنتاغون تحقيقاً رسمياً في الأمر في نهاية كانون الثاني / يناير 2004 .

تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر :

أكد ضابط كبير في الجيش الأمريكي خدم في العراق لصحيفتي (وول ستريت جورنال) و (نيويورك تايمز) الأمريكيتين أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد سلمت السلطات العسكرية الأمريكية في تشرين الثاني / نوفمبر 2003 تقريراً عن الانتهاكات التي لاحظتها خلال زيارتين مفاجئتين قبل شهر من ذلك إلى سجن أبو غريب قرب بغداد .

ويصف التقرير سجناء عراقيين معتقلين وهم عراة في زنزانات مظلمة محرومة من أي ضوء لمدة أيام والتقطت لهم صور بعد إرغامهم على وهم يضعون على رؤوسهم ملابس داخلية نسائية . وقد قرأ التقرير الجنرال (ريكاردو سانشير) الذي يحمل أعلى رتبة عسكرية في القوات الأمريكية المنتشرة في العراق ، واثنان من كبار مستشاريه القانونيين بحسب المعلومات الصحفية .

وقال مسؤول عسكري أمريكي حضر اللقاء مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تشرين الثاني لصحيفة (وول ستريت جورنال) إن تقرير الصليب الأحمر استقبل بالضحك والمزاح من قبل زملائه .

من جهتها أقرت الجنرال (جانيس كاربينسكي) ـ التي كانت مسؤولة عن العسكرية في سجن أبو غريب في العراق ـ لصحيفة (نيويورك تايمز) أن الضباط الكبار بشكل عام لم يكترثوا لتقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق . وقالت (كاربينسكي) التي أوقفت عن ممارسة مهامها كمديرة للسجن في العراق لصحيفة (وول ستريت جورنال) التي قابلتها أيضاً ، إن ضباط الاستخبارات العسكرية الأمريكية الذين كانوا حاضرين قالوا إنهم يريدون أن تبلغ اللجنة الدولية للصليب الأحمر مسبقاً عن زياراتها إلى قسمي السجن حيث كانت تجري عمليات الاستجواب .

نص تقرير الجنرال أنطونيو تاجوبا حول انتهاكات سجن أبو غريب :

يقول تقرير الميجور جنرال أنطونيو تاغوبا : إن المعتقلين أجبروا على الإتيان بأفعال جنسية ، وهددوا بالتعذيب والاغتصاب ومهاجمتهم بالكلاب وتم حجبهم عن زيارات الصليب الأحمر، حيث أشار التقرير إلى أن هذا يعد انتهاكاً للقانون الدولي .

وقد أوضح التقرير أنه في الفترة ما بين أكتوبر / تشرين الأول وديسمبر / كانون الأول 2003 ، تعرض العديد من المحتجزين في سجن أبو غريب لانتهاكات جنائية سادية وفاضحة ومشينة شتى ، وقد عمد العديد من أفراد قوات حرس الشرطة العسكرية (السرية 372 شرطة عسكرية ، من الكتيبة 320 شرطة عسكرية ، اللواء 800 شرطة عسكرية) لمواصلة هذه الانتهاكات المنهجية غير المشروعة للمحتجزين في الطابق (1 ـ أ) من سجن أبو غريب . ووصف الجنرال تاغوبا الانتهاكات بعينها ، وقال : إنها " مدعومة بوفرة " من جانب أقوال المحتجزين وشهود العيان ، ومن بينها :

ـ تهديد المحتجزين بمسدس محشو بالطلقات .

ت صب الماء البارد على السجناء العراة .

ـ ضرب نزلاء السجن بعصا مكنسة وبكرسي .

ـ تهديد المحتجزين من الرجال باغتصابهم .

ـ وضع مصباح ضوء في شرج أحد السجناء .

ـ إجبار المحتجزين على اتخاذ أوضاع جنسية مختلفة وتصويرهم .

ـ وضع السجناء العراة في شكل هرمي ثم القفز فوقهم .

ـ إجبار المحتجزين الرجال على ارتداء ملابس داخلية نسائية .

ـ إجبار السجناء على الاستمناء أثناء تصويرهم بالكاميرات والفيديو .

ـ استخدام كلاب الشرطة العسكرية لتخويف وترهيب السجناء وفي إحدى الحالات تعرض أحد السجناء للعض .

وتقول التقارير إن الجنرال تاغوبا حدد ضابطين في الاستخبارات العسكرية ـ برتبة كولونيل وليوتنانت كولونيل ـ فضلاً عن اثنين من العاملين المدنيين في الجيش الأمريكي كشخصيات رئيسية مارست تلك الانتهاكات .

كما ترددت مزاعم بأن ضباط الاستخبارات العسكرية شجعوا الجنود على الاعتداء على السجناء لجعل مهمة التحقيق معهم أسهل .

وقد تأكد الجنرال تاغوبا صحة حدوث هذه الانتهاكات عندما استعان بشهادات محتجزين آخرين أفادوا بحدوث انتهاكات مماثلة ويقول أنه وجد أدلة على مشاركة الحراس في التعذيب البدني بهدف تهيئة الظروف للمحققين للحصول على اعترافات .

وأثبت تاجوبا شهادات عدد من المتهمين ومنهم العريف (سابرينا هارمان) من الفصيلة 372 شرطة عسكرية وتقول سابرينا في اعترافاتها (كانت مهمتي حرمان السجناء من النوم لقد أخبرنا مسئولو المخابرات العسكرية بأنهم يريدون من زملائي مساعدة المخابرات العسكرية على إجبار المعتقلين على الاعتراف).

ويؤكد (جافال دافيز) وهو أحد جنود الفصيلة نفسها في شهادته (شاهدت المساجين في القسم التابع للمخابرات العسكرية وتحديداً في الجناح (1 أي) مجبرين على القيام بأفعال كنت أتشكك في صحتها أخلاقياً مسئولو المخابرات أخبروني ـ أنا وزملائي ـ بأن هذا القسم يتبع قواعد مختلفة في التعامل مع السجناء . والمسؤول عن هذا الجزء من السجن هو عريف يدعى جرانيير).

كانت الاعترافات التي أوردها تقرير تاجوبا صادمة بشكل مروع للأمريكيين والبريطانيين والأوروبيين والكثير من العرب لكن الصدمة كانت أكبر على العراقيين .

وقد كشفت العميد (جانيس كاربينسكي) التي كانت تدير سجن أبو غريب دور المخابرات العسكرية في إطار دفاعها عن نفسها حيث قالت : (لم أكن أعرف ما يحدث في المعتقل إلا بعد أسابيع من وقوعه) وأكدت (إن الجنود الذين ارتكبوا تلك الانتهاكات لقوا تشجيعاً من المخابرات العسكرية التي كانت تدير القسم الذي وقعت فيه تلك الأحداث).

يذكر أن (بول وولفويتر) مساعد وزير الدفاع الأمريكي (دونالد رامسفيلد) وزير الدفاع كانا قد زارا سجن أبو غريب في مرتين منفصلتين والتقى كل منهما (بكاربينسكي) التي كانت تستقبلهما بصفتها المسؤلة عن السجن وتتجول بهما في أنحائه وفي حوارات صحفية أكدت على أن (العراقيين في سجن أبو غريب يتلقون معاملة إنسانية وعادلة) .. وما يصيب بالغثيان تعليق (دونالد رامسفيلد) على صور فضيحة أبو غريب قائلاً : (الأعمال التي قام بها الجنود في تلك الصور غير مقبولة على الإطلاق وتتعارض مع الثقافة الأمريكية مصوراً للآخرين أن التقاط تلك الصور يتم عل يد الجنود أنفسهم حتى يتفاخروا بها عند عودتهم بسبب نفس الثقافة التي أسهمت في بناء دولة على جماجم الهنود الحمر).

واستكمالاً لتلك الثقافة فقد عين رامسفيلد العميد (جيفري ميللر) الذي تورط في تعذيب المعتقلين في (جوانتانامو) قائداً جديداً لمركز الاعتقال في العراق .

فضيحة معتقل الديسكو في الموصل :

إذا كان العالم كله قد شاهد الممارسات الهمجية التي اقترفها جنود الاحتلال الأمريكي داخل زنازين (أبو غريب) ، حيث مأساة المعتقلين عبرت عنها تلك الصور التي تناقلها العالم بأسره من القطب إلى القطب بتقزز وقرف لكن فضيحة سجن الموصل لم تسلط عليها الأضواء الكاشفة بما يكفي .

إن ما حصل في سجن الموصل تم الكشف عنه منذ يوم 12/4/2004 حين عقد مؤتمر (معاً من أجل المعتقلين) الذي يقول عنه المحامي فتحي محمد فتحي ـ رئيس المنظمة الإسلامية لحقوق الإنسان ـ أنه كان كشفاً عن جوانب من التعذيب الذي يمارس في السجون ، حيث الإذلال الجنسي والتعرية والضرب المبرح ، والتعليق من الأيدي وسكب الماء البارد على الجسم ، وحرق الجسم بآلة ساخنة ، والإهانات اللفظية والاعتداء على عقائد المعتقلين ، وقد اتهمنا الأمريكان بالمبالغة في عرض الحقائق . إلى أن جاءت الصور التي سربت إلى وسائل الإعلام من (سجن أبو غريب) لتثبت صحة ما عرضناه في المؤتمر. وفي يوم 14/9/2004 قال محام بريطاني أنه يملك أدلة على إساءة جنود أمريكيين معاملة معتقلين بمدينة الموصل ، مستدلاً بذلك على أن الانتهاكات انتشرت إلى ما هو أبعد بكثير من (سجن أبو غريب) سيئ السمعة في بغداد .

وبعث المحامي (فيل شاينر) إلى وكالات الأنباء الغربية إفادات عراقيين يقولان إنهما ضربا حتى الإغماء ، وغمرا بالماء المثلج في جلسات تعذيب طويلة بمكان يسمى (الديسكو) نسبة إلى ما يبعث به من موسيقى غريبة صاخبة وبلا توقف للتأثير على الجانب النفسي للمعتقلين ، والمحامي (فيل شاينر) يتولى الدفاع نيابة عن عراقيين تعرضوا لانتهاكات مختلفة على أيدي القوات البريطانية في البصرة ، وثلاثة عراقيين يعملون لحساب وكالة (رويتر للأنباء) ضربوا وأهينوا جنسياً من قبل الجنود الأمريكيين بالقرب من الفلوجة في كانون الثاني عام 2004 .

وعندما نشرت صحيفة الـ (غارديان) البريطانية في عددها الصادر يوم الأربعاء 14/9/2004 خبراً على صفحتها الأولى يقول : " إن الجنود الأمريكيين يواجهون اتهامات جديدة بإساءة معاملة معتقلين في مدينة الموصل ثاني كبريات المدن العراقية ". وقال متحدث عسكري أمريكي باسم إدارة عمليات الاعتقال في العراق إنه لا يعرف شيئاً عن هذه المزاعم وأضاف : " إنني مندهش لها ، لقد زرت تلك المؤسسة هناك ورأيت ما يقومون به من عمل جيد "، ليبدد أي مخاوف من وقوع فضيحة كالتي وقعت في (سجن أبو غريب) . جدير بالذكر أن عدة محامين يحققون بهذه الاتهامات ، أرسلوا التفاصيل المتوافرة لديهم إلى وزارتي الدفاع في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وطالبوا بإجراء تحقيق رسمي .

نص تقرير صحيفة الـ (غارديان) البريطانية في 14/9/2004

الشاهد الأول .. (هيثم سعد الملاح ـ من مواليد الموصل 1959 ، خريج كلية الهندسة ـ قسم الإلكترونيات والاتصالات) : تحدث بجرأة كاشفاً عن هويته غير عابئ بالتهديدات حيث هدد بإعادة اعتقاله إذا تحدث عن ما حدث . يقول : " اقتحم بيتي في حي الطيران في الموصل سبعة جنود أمريكيين مقلدين أسلوب رعاة البقر، وجدوا في المنزل مجموعة هواتف نقالة وكاميرا فيديو وكاميرا فوتوغرافية ، ومجموعة أقراص ليزرية ، فاعتبروها تهمة بالتعاون مع المقاومة ، على أي أساس ؟ لا أعرف . شرعوا بعد ذلك بتكسير أثاث المنزل ، ثم سرقوا كل ما وقعت عليه أعينهم وأيديهم مما فخ وزنه وغلا ثمنه ، ثم اقتحموا غرف النوم وأفزغوا أولادي الذين لا يزالون إلى الآن يعانون أهوال الفزع ، وهم : أبرار (5 سنوات) ومحمد (3 سنوات) ثم صادروا جميع الأوراق الرسمية والثبوتية من هويات وجوازات سفر ولم أحصل عليها حتى الآن رغم إطلاق سراحي " .

وعن ظروف المعتقل الذي أودع فيه يقول : " بعد أن وضعوا الكيس في رأسي والقيود في يدي خلف ظهري ، اقتادوني إلى معتقل مجهول يسمى (الديسكو) نسبة إلى الموسيقى الصاخبة التي تعتبر من أبسط وسائل التعذيب في هذا المعتقل ، والتعذيب هناك مراحل ، فالمرحلة الأولى هي مرحلة الاستنطاق حيث الشخص في غرفة وهو موثق الأيدي والكيس في رأسه ، ويترك واقفاً لفترة طويلة دون أن يعرف ما يدور حوله ، كنت مستغرقاً شارد الذهن عندما بدأ ألم ضربة قاسية جداً على معدتي ذلك الشرود ، أعقبتها ضربة أخرى بعصا غليظة على ظهري ، سقطت على الأرض فوراً ولكني لم أكد ألتقط أنفاسي حتى رفعوني من القيود التي تكبل معصمي ، وانهالوا عليّ ضرباً بالعصي والأقدام حتى أغمي علي ، أفقت من الغيبوبة بعد أن سكبوا علي الماء البارد الذي زاد من قسوة برودة كانون الثاني .

نقلوني إلى المرحلة الثانية من التعذيب وهي مرحلة التحطيم النفسي ، حيث وضعوني في غرفة يجري فيها التعذيب بشكل جماعي ولا تسمع فيها إلا صرخات وآهات المعتقلين العراقيين ، البعض يضرب والبعض يكوى ، والماء البارد لا يفارق أجسادنا أبداً ، وفي هذه المرحلة يأخذ التعذيب منحى الإعياء الجسدي ، حيث نجبر على القيام بحركات البروك والنهوض على أنغام موسيقى صاخبة وقذرة جداً ، تكاد تنفجر منها القلوب قبل الأدمغة ، ومن يفقد قواه من المعتقلين ولا يقوى على الحركة ، تحركه العصي والركلات والماء البارد ، استمر الوضع حتى ساعة متأخرة من الليل حسب إحساسي ، لأننا فقدنا الشعور بالليل والنهار بسبب ظلمات السجن وظلمات الأكياس الموضوعة فوق رؤوسنا .

وكنت أتيمم بالهواء كي أصلي ، لأن المنع من دورة المياه كان أحد أساليب التعذيب التي تشفع توسلات المعتقلين في منعها ، حيث اضطر العشرات منهم لقضاء حاجاتهم في ملابسهم ، وبعد نهار وليل قاسيين ، جلبوا لنا كسرات من الخبز وجرعة ماء ، ثم رشوا الأرض بالماء وتركونا ننام عليه وهي مبللة والأكياس في رؤوسنا والقيود في أيدينا ، ليبدأ بعد حوالي ساعتين يوم جديد من التعذيب ، والأمر الجديد في هذا اليوم هو إجبارنا على ترديد الهتافات التي تنادي بحياة أمريكا ، وأخرى تحمل عبارات رديئة مثل الدعوة إلى الزنا واللواط ".

وعندما تحدث هيثم عن الأشخاص الذين قاموا بتعذيبه لم يشاهد أياً منهم ، وهذه من أسباب وضع الكيس في الرأس ، وأضاف : " أستطيع أن أؤكد أنه يتم استبدال الجنود القائمين على أعمال التعذيب كل ثلاث ساعات تقريباً ، وأدركت ذلك من خلال تغيير الأصوات وتغيير نمط التعذيب من حيث النوعية والحدة ، وهذا ما يؤكد دون شك أن التعذيب أمر تقوم به وحدات الجيش بناء على أوامر محددة وبشكل منظم ، فعندما تحدثت إلى أحد الجنود الأمريكيين وهو من أصل برازيلي وقلت له : لماذا تعذبوننا ؟ ألسنا بشراً مثلكم ؟ رد هذا الجندي : أنا غير مقتنع بالتعذيب ولكنني جندي وأطيع الأوامر".

ويكمل هيثم مشاهداته فيقول : " في اليوم التالي للتعذيب شاهدت فتى عمره 14 سنة ينزف من قفاه وقد سقط على الأرض ، وسمعت الجنود يتحدثون فيما بينهم عن هذا الفتى وهو كردي اسمه (أحمد) ، وذكروا أن سبب النزيف هو إدخال جسم حديدي في قفاه كواحدة من طرق أخذ الاعترافات ، وبقي الفتى ينزف حتى الصباح التالي ثم اختفى ، وقد شككت أن يكون ذلك النزيف نتيجة اعتداء جنسي وقع عليه ولكنني لا أستطيع أن أثبت هذا الأمر".

الشاهد الثاني : والذي رفض الكشف عن اسمه واكتفى بالحروف (م. ص. أ) لأنهم هددوه بالويل إذا تحدث عما شاهده ، فقد قال : " سأتحدث عن كل شيء إذا فتح تحقيق من جهة مستقلة في الموضوع ، لقد شاهدت بأم عيني الجنود الأمريكيون وهم يغتصبون فتى في الثانية عشرة من عمره ". وعندما سئل عن كيفية المشاهدة والكيس في رأسه قال : " من وسائل التعذيب عند الأمريكان هي ترك بعض المعتقلين دون كيس ليشاهدوا زملاءهم أثناء تعذيبهم ، كي يدفعهم الخوف إلى الانهيار والاعتراف بسرعة ، وأنا واحد ممن مورست معهم هذه الطريقة ، وشاهدت عملية الاغتصاب وسط قاعة كبيرة ، ولن أنسى طوال حياتي صراخ المراهق واستغاثاته ، وسط صخب الموسيقى وأنين وصراخ المعتقلين ".

الشاهد الثالث : المحامي (ياسر ضياء سعيد ـ عضو المنظمة الإسلامية لحقوق الإنسان ، وهي منظمة إنسانية معترف بها) يقول : " اعتقلني الأمريكان في منزلي الواقع في حي النور في الموصل في الساعة الثانية صباحاً بسبب وشاية ، حيث إنني كمحام وناشط في مجال حقوق الإنسان ، أتصل بذوي المعتقلين ، فاعتبروا ذلك مساعدة لأهالي المقاومين المعتقلين ، اقتادوني إلى غرفة فيها إنارة شديدة جداً تكاد تأخذ الأبصار ثم وضعوا الكيس في رأسي ، وأجبروني على خلع ثيابي كلها ، ثم سكبوا علي الماء البارد ، وكان الجو شديد البرودة ، ثم وجهوا لي أسئلة متتابعة مع الركل على الأماكن الحساسة في جسدي ، وصاحب كل ذلك موسيقى صاخبة جداً يكاد يكون وقعها أشد من البرد والضرب ، ثم بدؤوا يهددونني بجلب كل عائلتي أمامي إذا لم أعترف ، وهددوني باللواط إذا لم أستجب لهم وأعترف على المقاومة حسب تصورهم ، ثم قاموا بسلسلة من الضربات المتعاقبة ، وتخلل ذلك حوار قذر جداً واستفزازي ، حيث خاطبني أحد الجلادين قائلاً : إنك ستموت يا ياسر إذا لم تعترف ، قلت : وماذا ستستفيد من موتي ؟ أنا بريء ، قال : إنك ستستفيد كثيراً لأنك ستذهب إلى الله ... ستذهب إلى الجنة ، ثم ومن خلال مكبر الصوت بدأ ينادي علي : ياسر تكلم معي أنا الله !! ثم قال لي : كلم الله وقل له أن يخلصك !!

إننا إذ نسرد بعض وقائع ما يحصل من التعذيب في سجن الموصل ، لا نشك بأن فضيحة أخرى ستطرق أبواب البيت الأبيض ، وربما ستكون أشد وقعاً من فضيحة سجن أبو غريب.

يتبع...