تدمر – شاهد ومشهود
تدمر – شاهد ومشهود
عرض: مصطفى إبراهيم عبد الله
اسم الكتاب: تدمر – شاهد ومشهود
اسم المؤلف: محمد سليم حماد – أردني الجنسية من محافظة الزرقاء.
عدد الصفحات: 245 من الحجم الوسط.
الناشر: الزهراء للإعلام العربي.
الموضوع: مذكرات سجين، أحد ضحايا سجن تدمر – أحد سجون نظام البعث السوري من 1980 – 1991
الكتاب - كما ذكرنا سابقاً - هو عبارة عن مذكرات سجين عايش أحداث سجن تدمر العسكري، وشاهد ما يلاقيه السجناء هناك –فرّج الله عنهم أو رحمهم الله إن لقوا ربهم- وما لاقاه هو نفسه من عذاب مستمر حوالي 11 عاماً، فالكاتب يذكر أنواع العذاب وهي مستمرة ومسلطة على رقاب السجناء حتى تاريخ الإفراج عنه وسنكتفي بنقل مقتطفات من الكتاب، ليرى القارئ ما يعاني سجناء الرأي في السجون السورية.
- جاء في صفحة 25:
"غير أن الأمر ما كان كذلك وحسب فسرعان ما انطلقت تتناوش مجموعة من الكبلات والعصي تجلدني كأسياخ النار، تبعثها من حيث لا أدري، لسعات الكهرباء تتخيّر أكثر مناطق الحساسية في الجسد فتصعقها بلا رحمة، في الأنف مرة، ومرة في الشفتين، في العورة.. في العينين..
كانت حملة التعذيب -كما تقرر لي- مرتين في اليوم.. فقد كانوا يتعمدون إهانتنا بالعبث بسوأتنا بطرف الكبل والعصي أثناء التعذيب أو الإطباق بملاقط الكهرباء على المحاشم.."
- وجاء في صفحة 41:
"كانت الجرذان -والتي أقسم أن واحدها كان أكبر من القط بلا مبالغة- وأثناء عبورها فوق فتحة المروحة –نافذة في السقف- التي كانت أعجز من أن تقدّم شيئاً لهذا الجو الموبوء، كان بعضها يزلق فيسقط بيننا أو علينا، فيصاب المهجع كله بهستيريا الذعر.. ولا تنتهي الغارة ويموت الجرذ تحت الأقدام إلا وقد نهش أرجل أربعة أو خمسة منا.."
"ومن المشاهد المؤلمة التي لا أنساها عن تلك الفترة: حالة الأخ حسين رشيد عثمان الذي عذبوه بالجلوس على الكرسي الألماني في فرع المخابرات بالعَدَويّ، الذي يرأسه العقيد نزار الحلو، حتى أصيب بما يقارب الشلل.. فلم يكن يستطيع تحريك ظهره البتة، ولم يكن يرتاح لذلك لا في يقظة ولا في المنام.. ومع ذلك كان رحمه الله يتحامل على الألم الذي لا يطاق ويصبر ويحتسب.."
وجاء في صفحة 73:
"ولقد كانت الصلاة وسط هذا الظرف نوعاً من التهلكة بالطبع، ولكم أخرج الشرطة رئيس المهجع وانهالوا عليه ضرباً يسألونه عمن يصلي عنده من المساجين ليدلهم عليه.."
وجاء في صفحة 77:
"أما الحمّام.. وأمرنا بعضهم أن نخلع سراويلنا ونكشف عوراتنا زيادة لنا في الإهانة والعذاب.. وانتهى الأمر خلال خمس دقائق.. وخرجنا تتقاطر منا المياه لتتلقانا السياط.."
وجاء في صفحة 83:
وذكريات هؤلاء الإخوة المسنين يوم أن عرف واحد من الشرطة اسمه شحادة الذي ينتمي... أن الحاج أحمد غرير قد ذهب لحج بيت الله في يوم ما، فمد الزنيم قدمه أمام الناس وقال لهم: هذه هي الكعبة وأمر الرجل أن يقبل حذاءه مثلها مثل الكعبة هناك ولم يكن للمسكين إلا أن يطيع.."
وجاء في صفحة 107:
"فمع ازدياد العذاب والإعدامات انخفضت كمية الطعام المقررة للسجناء، رغم أنها لم تكن تكفي لتقيتنا بالأصل.. وصارت إدارة السجن تتعمد قطع الماء عنا حتى أننا عانينا خلال صيف ذلك العام شهراً كاملاً من غير ماء، وكان موردنا الوحيد عن طريق بيدونات يملؤها الشرطة لنا وقتما شاؤوا."
وجاء في صفحة 117:
"يوم أن أطل أحد الحراس من شراقة السقف ونادى على أخوين شقيقين في مهجعنا، وأمرهما بكل صفاقة وسفالة أن يخلعا ملابسهما ويفعلا الفاحشة ببعضهما البعض.. والسفيه يلاحقهما ليفعلا أكثر وأكثر.. وأطرقنا نحن وأغمضنا عيوننا.. ستراً للأخوين وحفاظاً على شعورهما وكرامتهما وكرامة وشعور أبيهما الذي كان نزيل المهجع نفسه، ولقد تكرر مثل هذا الحدث غير مرة، وأعاد هؤلاء السفهاء الطلب وأمثاله في أكثر من مهجع.."
وجاء في صفحة 127:
".. وكان من أشد المشاهد إيلاماً كما بلغني يوم أن سمع أخ من بيت العابدي من دمشق اسم أبيه يطلب للإعدام من مهجع مجاور ورآه يساق أمام عينيه من خلال ثقوب الباب، فتزهق روحه على حبل المشنقة وكان الولد قد اعتقل مع أبيه وهو ابن خمسة عشر عاماً.."
وجاء في صفحة 143:
"وتزايدت حالات الوفاة المرضية والإصابات المزمنة حتى مات من مهجعنا وحده قرابة الأربعة عشر أخاً.. أصابهم حقيقة الأمر مرض السل.."
ص159:
"ومالا ينسى من أيام عام 1984 المريرة أننا شهدنا فيها أحد أكبر عمليات الإعدام الجماعي إن لم تكن أكبرها على الإطلاق."
ص169:
"ومن المضحكات المبكيات.. أن أخاً ممن عرضوا على المحكمة كان طبيباً بيطرياً من منطقة الساحل السوري، وكان يعمل في قرية دريكيش مسقط رأس سليمان الخطيب رئيس هذه المحكمة الهزلية.. ولقد حدث أن أهل سليمان الخطيب كانوا يربون الأبقار، فلما مرضت إحداها أخذوها قدراً إلى ذلك الأخ ليعالجها لكنها ماتت بقدر الله بعد ذلك، ودارت الأيام.. فلما عرفه اصفرّ واستفز وصاح فيه: أبتذكر يوم جبنالك البقرة وقتلتها ولا؟ روح بدي أعدمك.
ولقد تم إعدام الأخ المسكين."
ص175:
ولا أنسى كيف قام واحد من هؤلاء الموتورين مرة بإخراج عضوه على مرأى الناس جميعاً وأخذ يبول علينا ونحن جالسين القرفصاء بين يديه في موعد التنفس."
ص182:
"ومن مشاهد تلك الفترة التي لا تزال تحضرني قصة طبيب أسنان من دمشق اسمه رضوان العمر استدعوه بعد حوالي تسع سنوات مضت على اعتقاله وأمروه في الذاتية أن يوقع على ورقة طلاق زوجته.. ورفض أن يفعل لكن جلسة التعذيب التي أتبعت رفضه جعلته يوافق مكرهاً."
183: ولقد كان أمراً شائعاً منذ بدايات أيامنا في تدمر أن يأمرنا الجلادون بتناول بقايا الطعام من بين القمامة وأكلها عنوة.. فرأيت الشرطة منكبين على رئيس المهجع من بيت خريطة من الزبداني يضربونه ويركلونه وهو عاري الصدر ويأمرونه بابتلاع شيء بالإكراه يحمله بيده، فلما دققت النظر وجدتها فأرة ميتة يأمرونه أن يبتلعها، وخارت قواه، ودسوا الفأرة في فمه دساً وبلعوه إياها ورموا به في المهجع.."
ص196:
"وذات يوم من نهايات تشرين الثاني عام 1991 وبينما نحن في المهجع نجرع الأسى أقبل علينا مساعد السجن محمد نعمة وأبلغنا أن انتخابات لرئيس الدولة أوشكت أن تجري خلال أيام.. وأن علينا أن نظهر محبتنا وتقديرنا للقائد الأسد فنقول له نعم بالفم الملآن والصوت العالي.. وكتب رئيس المهجع قائمة بأسمائنا، ووقعنا وقلنا نعم، وكان الأنكى أن قام بعض من هدّته المحنة وأنهكته المعاناة فاقترح أن يكتب العبارة نعم للقائد على واحد من قمصاننا البيضاء لا بالحبر أو بالدهان وإنما بدمنا.. وجعلوا يسحبون من أوردتهم ما يكفي من الدم ليكتبوا به على القميص.."
أخي القارئ بعدما قرأت وشاهدت مناظر سجن أبو غريب ما الفرق بينهما؟ وأيهما تعلّم من الآخر؟ أم لهما معلم واحد؟ أترك الجواب لك أخي القارئ.