قراءة في{العولمة النيوليبرالية...وخيارات المستقبل}
لمؤلفه الدكتور:حسين عبد الهادي
شريف قاسم
يؤكد الكاتب بالأدلة القاطعة والبراهين الناصعة ، ومن خلال رؤية الواقع الذي تعيشُه البشرية اليوم أنَّ الإسلام - وحده - هو الشريعة المؤهلة لجلب السعادة لها ، في كل شؤون الحياة وهي التي تُناطُ بها عمليات التغيير ، المبنية على الحقائق الصافية لتنشئة الأجيال في سبيل النهضة التي تواكب المعطيات العلمية،وترسبخ قيم المساهمات المتميزة ، التي تخدم كلَّ أبناء البشرية على اختلاف الألوان والأجناس والملل.كما يؤكد الكاتب - حفظه الله - أنَّ القدرة المادية المحمولة على أيادي الفتك والتدمير والاستكبار والإرهاب،لايمكنُ أن تسود،أو أن تجعل للبشرية أمنا واستقرارا، أو أن ترسخَ لأهل القوى المادية حاكمية على عباد الله،وإنما ستخلق حالات الكره والمقت لها وللقوة التي تحملها مهما كانت النتائج ، فالناسُ بحاجة إلى قيم إنسانية تجمعهم على الإخاء والتعارف والتعاون ‘ وهم بحاجة إلى نظام أخلاقي يترفعون به على سفاسف التصرفات الشائنة ، والمنكرات القبيحة المستنكرة ، فانهيار عقد الأخلاق يعني سقوط الناس في مستنقعات الهمجية والبهيمية ‘ التي تجلب لهم الشقاق والشقاء ، وهذا ما جلبته الحضارةُ المادية المعاصرة للمجتمعات ، من خلال غزوها العسكري و الإعلامي والفكري ، فتفككت الروابط الاجتماعية ، وتداعى بناءُ الذات ، ليس في المجتمعات الغربية أو الشيوعيه ، وإنما وصل إلى بلاد المسلمين عن طريق الحضارة المستوردة بكل بضائعها من المبادئ الهدامة ، والتقدمية الملوثة بالفجور والسفور والانحلال واللامبالاة ، ونسيان أمتنا لدينها وتراثها ومسؤوليتها أمام الله الذي اختارها لهداية العالمين .
ومن خلال قراءة {العولمة النيوليبرالية وخيارات المستقبل} تتراءى للمتمعن في نسيجها عناوين الأسباب الكبرى لمشاهد التراجع المخيفة لأمتنا، وخصوصا خلال القرن المنصرم الذي أعدَّ فيه أعداءُ الإسلام عدتهم للنيل من الأمة ودينها القويم . ومن أولى تلك العناوين:
1-عدم الاحتكام إلى شريعة الله ، حيث الرحمة والقوة والترابط والتكافل ، وحيث النظام الرباني العالمي الذي يحفظ الحقوق ، ويرعى الواجبات.وحيث إحياء القلوب بروح سرِّ معيَّةِ الله سبحانه،وإيقاد الفكر القيِّم الذي يتبنَّى حاجات الخلق في الإخاء والاحترام المتبادل والمفاهمة الواعية لحياة تتخطى الأطماع وحبَّ الذات.
2-الفجوة الكبيرة بين الشعوب الإسلامية وبين أكثر حكامها،هذه الفجوة التي استساغت ظلمَ الشعوب،والتسلط عليها،وكبت ما لد يهامن قدرات ومهارات،وحفر القبور الجماعية لأكرم أبنائها وأعز رجالها،وملاحقة المخلصين الأوفياء لدينهم وأمتهم،ومحاربة القيم التي لاتؤمنُ هذه الشعوب إلا بها،ولا تضحي إلا من أجلها،إنَّ حبَّ الزعامة المترهلة،وعدم الدراية،وعدم القدرة على صيانة وتعبئة الجماهير الإسلامية-المستعدة أصلا-للبذل والتضحيات،بل ولقلب الموازين وتصحيح المفاهيم.هو المحضن الذي ولَّدَ تلك الفجوة.
3-اعتماد تربية الشعوب الإسلامية على مناهج الفساد والانحلال والميوعة - وهذا مطلب عزيز عند أعداء الإسلام من الماسونيين والعلمانيين والإباحيين ومَن في مستنقعاتهم ... - يشهد على ذلك امتلاء شوارع الليالي الحمراء بما يندى له الجبين ، وتقشعر له الأبدان ، واصطفاف الآلاف من الشباب والشابات انتظارا لأخذ أدوارهم في قطارات الفحش والغناء والرذيلة ، وابتعادهم عن مواطن العزة والقوة والدفاع عن الأمة وحدودها وكرامتها و وجودِ ها.
4- التحدي بين الأمة المسلمة ، وغيرها من الأمم ، وقد بدا في إثبات الذات ، إثبات قيمة الإنسان المسلم بعقيدته الربانية ، وشريعته الإنسانية . وقدرته على تخطي هذا الابتلاء الداهم ، وكشف أطراف الكيد الذين مابرحوا يضللون ويكذبون ويخططون ، ويسوِّقون أباطيل مراكز البحوث المأجورة ، ومَنْ ينتظرُ تقليعاتهم المزخرفة من المفلسين من أبناء جلدتنا مع الأسف ، وهذا أحسبه من حسن طالع الأمة المسلمة - إن شاء الله - وأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناسَ فيمكثُ في الأرض .
5-ادعاءات غير المسلمين من تحقيق الحرية والسعادة ، وحفظ حقوق الإنسان ، والدعوة إلى كذبة حرية اقتصاد السوق ، وتحرير الفقراء والمستضعفين ، والقضاء على الظلم الاجتماعي ... إلى آخر فاتورة الزور من الشعارات البائسة التي تساقطت أوراقُ خريفها فتقاذفتها الريح ، ريحُ مقتِ الشعوب وغضبها على سنة الباطل المحمي بقوة الفتك والإرهاب المفتعل ، وأخرى يسعى إلى بلورة قوانينها العمياء أولئك السدنة أنفسهم ، كالانفتاح والتفاهم والطرائق المحشوة بالكيد والحقد ... كتغيير المناهج ، وكخلط سمومهم ببعض العقاقير الرخيصة لتكون مقبولة لدى الناس . وما أحسن ماجاء به المؤلف - حفظه الله - ردًّا على هذا التضليل حين ذكر : ( إنَّ الباطل نادرا ما يأتي خالصا ، بل يأتي عادةً مختلطا ببعض الحق ، ليسهِّ-لَ على مُدَّعي الباطل مهمته ، ويصعبُ على غيره كشفَه وتفنيدَه ) . فحضارتهم وعولمتهم وحداثتهم واستهتارهم بحق المرأة الطبيعي، واستخفافهم بدين الله الحق وفطرته التي فطر الناسَ عليها ... كلها مشاريع مرفوضة ، مرفوضة ليس من قبل المسلمين وحسب ، وإنما من قبل شعوب أولئك السد نة أيضا ، فتلك الشعوب مغلوبة على أمرها أيضا ولا حول ولا قوة إلا بالله،وإنَّ إرادة الله سبقت ، وخابَ فألُ هؤلاء الأقزام المتطاولين بدخان باطلهم على عباد الله.
6-مظاهر العنف والاستكبار المحصَّنة بقوة السلاح والبغي ، تذكرنا بأيام الفرنسة التي استخدمها الاستعمار الفرنسي في الجزائر ، وفي غيرها من بلاد المسلمين بعد سقوط الخلافة الإسلامية على يد أباطرة الإجرام ، وأحسن المؤلف - وفقه الله - مرة أخرى حين كشف تزييف وتضليل العولمة - وكل بناتها - وأبطل ما يتراءى لها من جاذبية خضراء الدمن التي ترعرعت بين تربية الكلاب ، ومعانقة القرود ، ونادى المغرورين من أبناء جلدتنا - هداهم الله - ليؤوبوا إلى رشدهم وأصالتهم ، فالعولمة جديدة قديمة بكل ما تحمل من زخم السيطرة على الناس،واستلاب ثرواتهم،والتنافس على اقتسام خيراتهم،مستغلين ضعفَ الشعوب المغلوبة على أمرها،وقد باتت ملكَ يمين القراصنة،قراصنة الرعب في القرية العالمية الصغيرة رغم اتساع مداها الجغرافي والمعرفي.
قبل سقوط النظام الشيوعي اضطر النظام الرأسمالي إلى منح شعوبه شيئا من حلوى الرفاهية ،لكيلا تسقط في شباك الشيوعية،وعند انهيار الشيوعية ومنظومتها التي كانت تعتمد على الحديد والنار والقهر ، كشَّرت الرأسمالية عن أنيابها المختبئة وراء ابتسامتها الصفراء ، ومدَّت مخالبها في عملية أشبه ما تكون بتصرف مخمور لايرى إلا ماتوحي به نشوتُه العارمة الاستفزازية على ما تراه عيناه ، وعلى ما لا تراه لشدة الطمع . فحربُ فيتنام ، والحرب على أفغانستان والعراق ، والتهد يد المعلن غير المبطن على بلدان عربية وإسلامية أخرى ، سفَّه أحلامَ مفكري العولمة ، وعرَّى حججهم وأغرى بإعلان العصيان عليهم حتى بني جلد تهم - هم - وفي قعر دارهم . لأنَّ مقدماتهم الخاطئة أوصلت مراكبَهم إلى الغرق بعد إخفاق اعترفت به تصرفاتُهم الهوجاء،وتلك نتيجةٌ حتمية أزلية لكل أصحاب ( الأنا ) من المتغطرسين والفراعنة الصغار منهم والكبار . مهما ادعوا التمايز والريادة ، وسواء أتوا بها من خلف المحيطات ، أم خرجوا بها من بين غفلة الأمة ، ليسوِّقوا إلى مجتمعاتنا الطاهرة نتن العولمة من فكر تغريبيٍّ وعفنٍ حضاري . وقد أوجدوا هذا التناقض والتجاذب بين أبناء الأمة الواحدة والعقيدة الواحدة والقبلة الواحدة.وكأنهم بل إنهم صدَّ قوا أنّ أصحابَ النظام العالمي الجديد سيصوغون للدنيا عصرا جديدا ، ولأهلها أسورة من ذهب ، وألبسةً من حرير !! وهاهي حقبة حريتهم وديمقراطيتهم ومسؤوليتهم بتحقيق سيطرة القانون...تدعمُ نجاحاتها المزعومة بسيول الدماء ، وبعثرة الأشلاء،وتخريب البيوت،واستعمال السلاح المحرَّم - كما يقولون - وهذا منطق المستكبرين في الأرض منذ أيام العولمة زمن فرعون الأول على عهد موسى عليه السلام . وهذا ما دعا غورباتشوف الروسي ليقول : ( إنَّ نمط التفكير ونمط العمل القائمين على استخدام القوة في السياسة العالمية قد تكوَّنا عبر قرون ، وقد استويا على ما يبدو مُسَلَمتين ثابتتين ، أما اليوم فهما يفتقران إلى أي معنى عقلاني ). ويشاركه آخرون النظرةَ هذه من أولي مملكة ( الأنا ) إذ أنَّ سياسة القوة لم تعد مجديةً في عالم أفاقَ أهلوه على نتائج قعقعة المدافع وقصف الطائرات ، ونثر غبار الأسلحة المحرمة دوليا - كما يقولون - ولم يعد يحتمل الناسُ كلَّ هذا الذل والانبطاح والاستحمار العالمي في زمن الوعي والحضارات !!! .
إنَّ وجود المعاند ين الذين ارتبطوا كليا بثقافة المصطلحات التي لاتناسب طبيعة أمتنا ، ولا تلتزم بروح الفطرة التي فطر اللهُ الناسَ عليها ، دفعهم إلى تغيير وتبديل وتزويق تلك المصطلحات وتنويع منتجاتها المحمية والأخرى غير المحمية لتسويقها بالمكر والخداع وبالطرق البوليسية التي لامفر من استخدامها عند الإفلاس ، فما أشدَّ سخفَ عقول الذين قدَّموا بهرجَ العولمة وزينتها على مآثر دينهم ، وأعلنوا حربَهم على الإسلام وأهله وقيمه الربانية،وانساقوا وراءَ حركة المؤامرات والمؤتمرات السرية والعلنية لأعداء الإسلام من مختلف الملل الضالة،وعلى مدى العصور المتتالية لإلغاء الحياة الإسلامية من واقع الأمة . بتقوية وسائل الخداع التي اجتهد في صياعتها أصحابُ المحافل أولو الشعر الطويل والشارب الطويل والقبعات ، ومالكو ثورة الاتصالات والمعلوماتية ،ومراسلو صحف العولمة التي أوهامها أكثرُ من حقائقها،كماأكَّدَ ذلك مرافقو مسيرتها الملتوية،وحماة تمردها والمشرفون على تسلطها في غاب القهر،إضافة إلى مراكز القوى ذات الشبكة العنكبوتية التي ما برحتْ تُخرِّج أعداء القيم وكرادلة التكنولوجيا المتقدمة ، في زمن هوليود وماكدونالد ز ،وعهد السفور والفجور ، ودبلوماسية حقوق المرأة ، وإعادة حكاية شعب الله المختار في حد ود التركيبة النفسية والمزاجية للأمركة المتصهينة ، التي صوَّرتْ للناسِ حتميةَ العولمة - مهما كانت - وعلى الناس أن ينضمُّوا إلى قافلتها، وإلا فلا يلومون إلا أنفسَهم ، فهي - أي العولمة المهترئة - سياق التطور ، بل هي قدرٌ مصيري يصعبُ الفكاك منه ، فالعولمة ود عوى شعب الله المختار واستحمار بقية الأمم والشعوب ... مفردات أفرزت - بدون أدنى شك - سلسلة المخازي وعار الانسلاخ من القيم الإنسانية والكرامة التي ميَّز الله بها الجنس البشري . وأوجد ت مسعى الفساد والرذيلة ليرقص على مسارحه مَن خوت قلوبُهم ، وفقدوا الإحساس بحقهم في حياة كريمة . وانتقال هذه البضائع من أسواق الشرق إلى أسواق الغرب ، وتقنينها للترويج لها في ديار العرب والمسلمين بالوسائل المتنوعة ماهي إلا استراتيجية الحقد والتآمر للوصول إلى الغايات المرسومة لها . وإنَّ حالة الوهن المطبوخة بأوعية الغفلة التي استشرت في صد ور بعض أبناء جلدتنا منحتهم الشجاعة والقوة ليستعبدوا أبناءَ الأمة على أنهم أصوليون ورجعيون ، بل خرج منهم من أعلن عن عدم الحرج إذا كانت فلسطين والقدس للصهاينة ، ولا ندري هل نسي ما بين النيل والفرات ، أم أنَّ الوقت - الآن - غيرُ مناسب لمثل هذا التصريح.وما ضرَّ الأمة - وهذا بقية تصريحه - لو أخذت بالعولمة ، ودخلت مدارسها ، ورفعت شعاراتها ، وآمنت بقوانين مؤتمراتها ؟! .
إنَّ أعداءَ أمتنا يعرفون مواطن ضعفنا ، وأسباب تخاذلنا ،فتمادوا حتى سحقوا العظام ( ذلك بأنَّ اللهَ لم يك مغيرا نعمةً أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأنَّ الله سميعٌ عليم ) 53 - الأنفال وماذا يبقى للأمة إذا ذهبَ دينُها ، واضمحل خُلقُها ، ودُفِنتْ كرامتُها ... غير الغثاء !! بينما نرى أهل الباطل يتمسكون بأوهام باطلهم في ديانة محرفة بائدة . لقد سُئِلَ قائد التحالف في حرب الخليج الثانية شوار تسكوف ، ماذا كنت تفعل عند بداية الهجوم بالطائرات على العراق ؟ فأجاب بكل فخر واعتزاز : (جمعتُ ضباط القيادة ، وأتيتُ بقس ، وقضينا الوقتَ - بين إقلاع الطائرات و وصولها - في الصلاة ) . فمرحى لمن يحاربون الإسلام من أبنائه ، وحقَّ لأعداء الإسلام أن يوظفوا كلَّ مصطلحاتهم وتركيباتهم السياسية و الدينية ، ومنظريها في مهمة مقدسة - عندهم - لاتتعدَّى محاربة الإسلام وأهله وصحوتهم ، فهوية الصراع دينية بحتة ، والمكاسب الأخرى نتيجة طبيعية للمنتصر الأقوى في المعركة ، مهما كانت أسباب الحرب المعلنة . وإذن لابد من عسكرة العولمة ، وإنشاء قوة متفوقة ، والحد من انتشار الأسلحة الفتاكة لكيلا تقع في أيدي الآخر المحروم المسحوق الممتهن ، ولا بدَّ من الاستخفاف بكل المنظمات الإقليمية والعالمية ، والضحك على أقطابها ، أو رشوتهم بشيءٍ جميل محبب ، أو طيِّ قيد حركاتهم بشكل من الأشكال ، وربما بالطريقة المميزة منها .
إنَّ تبعات التغيير لابد منها ، لتأخذ العولمة مكانها و مكانتها- كما يزعمون - ولربما تكون التبعات - هذه - مكان انحدار أصنام العولمة الشريرة ، ليصعد أبناء تلك التبعات ، وليأخذوا حقَّهم المسلوب ، ومكانهم المنهوب،ومَنْ يدري !! إنَّ حفظ الله لدينه ولحملة هذا الدين من الأوفياء والأصفياء والغرباء المحاصرين هو قد رُه النافذ ، وناموسُه الذي لابدَّ ... و (إنَّه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ) 87 - يوسف . وهناك أيضا مَن هو غاضب على العولمة من أبناء بيئتها وجلدتها لعلمهم بصعوبة توحيد أطراف العالم تحت مطرقة العولمة التي تفتقد لكل مقومات السعادة للناس ، ولعلَّ بعضهم علم - اليوم - علم اليقين أنَّ السعادة المنشودة لن تكون إلا بدين الفطرة التي فطر اللهُ الناسَ عليها ، والانقياد لشريعته الباقية المحفوظة ، قال تعالى : ( ألا يعلم مَن خلق وهو اللطيف الخبير ) . ويؤكد أثر تبعات التغيير على بطارقة العولمة ومصطلحاتها مَن كتبَ قائلاإنَّ فرنسا ناضلت نحو أربعين عاما من أجل أوروبا الموحدة، ولذلك فهي ترفض أن يُختزَلَ كلُّ هذا الجهد في أن يصبح مشروع أوروبا الموحدة مجرد سوق حرة ، إن اليورو هو برهان على القوة الفيدرالية لأوروبا ، وسيكون أداة توازن في اللعبة الدولية التي يسيطر عليها الدولار ) . كما يؤكدُه أيضا موقف السخرية لإحدى الطالبات الصينيات ردّاً على حديث رئيس أمريكي عن الحرية والمساواة ... فقالت : ( أليس سجل أمريكا في العنصرية والعنف المسلح يجعل النظام الأمريكي غير مرغوب فيه !! ) . ويؤكد أثر تلك التبعات الثقيلة اعتذار رئيس الجمهورية التركية ورئيس أركان جيشه عن حضور حفل أقامه البرلمان المنتخب من الشعب انتخابا حرا ونزيها ، بسبب حضور بعض النساء المحجبات .
هذه ومضات تزلزل العولمة ، وتهد أركانها المتطاولة في فضاء الكبر والغطرسة ، وترميها جانبا مع بهرجها المنسوج من التمويه والحقد والتضليل ، فهي جسد أجوف ، وجيب مفلس رغم انتفاخه بتمرده على فطرة الله . ولعل الشعوب ومن خلال أنشطتها الدينية ، ومن خلال عداواتها التقليد ية التاريخية ، ومن خلال النزاعات العرقية ، وثورات العمال ... يندفع المدُّ العاصف فيكبح جماح العولمة العابثة بأرواح الناس ومقدراتهم . ولا شك أنَّ العولمة استعمار ، بل هي أقبح أنواع الاستعمار التخريبي ، الذي سوَّقه إبليس لجنوده من الصليبيين والصهيونيين،ليردوا الأمةَ المسلمة عن دينها وقوتها وخيريتها العالمية التي اختارها الله لها .
فبئست عولمتُهم الضالة المضلة ، وبئس احتكامهم للهوى والشيطان ، واستكبارهم الأعمى الذي نأى بهم عن أنوار وحي السماء ، وهي تتنزل على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم رحمة وهدى للعالمين ، يقول الله تبارك وتعالى : ( إن هو إلا ذكرٌ للعالمين ) 87 - ص . ويقول عزَّ وجلَّ : ( قل يا أيها الناسُ إني رسول الله إليكم جميعا ) 52 - القلم . إن الإسلام هو دعوة الله العالمية للجن والإنس ، وهو منهج الرحمة والعدل والإخاء ، وهو طريق السمو بالنفس لقيمه الربانية الفريدة ، تلك القيم التي لاتقبل التمايز بين الناس إلا بالتقوى والعمل الصالح منها ، وتمقت الاستكبار والتعالي على الخلق ، وتسعى لجلب السعادة للفرد والمجتمع .
ومَن يدري ، فربَّ ضارة نافعة ، وسبحان الله مسبب الأسباب ، فإن هذا الصراع الدامي الذي جلبه وقدَّمَ أسبابَه أعداء الإسلام - كلهم - وهذه الفتن الهوجاء ، التي فرقت جموع الأمة الواحدة ، وأوجدت هذا الضعفَ والتخاذل والهوان في جسد المجتمع الإسلامي ... قد تُولدُ الخير المنتظر الذي تحمله رياح التغيير - بمشيئة الله - ( فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) 19 - النساء . إن الشعور الفيَّاض لدى المسلمين وغير المسلمين بضرورة وحتمية العودة إلى الله الرحمن الرحيم ، إلى منابع الهدى ، ومآثر الفضائل والأخلاق الإسلامية ، بعد انهيار صروح الظلم في النظم الأرضية البائسة التي افتقدت أفياء وأطياب روح القدس ، وبعد الاشمئزاز الذي تشعر به البشرية من تفلت وفجور وسفور وانتكاس،وبعد عربدة القوى الغاشمة التي لاتعرف الرحمة ، وإنما جنَّدت المكر والخبث . .. جاء هذا الشعور ملبيا لطبيعة الفطرة التي تدعو إلى التعارف والتآلف قال الله سبحانه : (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) 13 - الحجرات . فهذا هو الإسلام الذي يمنع التناحر والتباغض بين الشعوب ، والتي اعتمدها فرسان الغابات بضاعة عالمية ، وحسبها المفلسون بضاعة غير مزجاة ، فعادت عليهم - جميعا - بالخسران والتبار يقول الله تعالى : ( والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجدْه شيئا ... ) 45 - النحل.