قبسات من الكتاب والسنّة
تدبّر وظلال ـ الجزء الأول ـ
|
تأليف: د.عدنان رضا النحوي |
من خلال دراسة بعض الآيات والأحاديث في هذا الكتاب نودُّ أن نؤكّد أهمية تدبّر منهاج الله في واقعنا اليوم بخاصّة وفي العصور كلها بعامّة ، ليكون الهدفُ الرئيسُ مع التدبر هو ممارسة منهاج الله في الواقع البشري ممارسة تقوم على صفاء الإيمان والتوحيد ، وقوة العلم والتدبر ، ووعي الواقع وفهمه من خلال منهاج الله . إنها حاجة ماسة لكل إنسان . وحسبنا بياناً لذلك قوله سبحانه وتعالى :
( فذكّر بالقرآن من يخاف وعيد ) [ ق : 45 ]
ونودّ أن نؤكد من خلال تدبّر هذه الآيات والأحاديث أهمية دراسة اللغة العربية وإتقانها من ناحية ، وأهمية الإيمان والتوحيد وصفائهما في قلب المؤمن ، حتى تتفتح له المعاني : ( كتاب فُصّلت آياته قرآناً عربيّاً) [ فصلت : 3]
وكذلك :
( … قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى) [ فصلت: 44 ]
ونعتقد أن الإيمان واللغة العربية هما مفتاحا كتاب الله يهدي به الله من يشاء من خلقه وعباده .
وقضية أخرى نودّ أن نؤكدها هنا هي مسؤولية المؤمن نفسه في أن ينهض ليتدبر كتاب وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، مستفيداً من كلّ الإمكانات المتوافرة في مجتمعه من كتب وأجهزة فنية وعلماء ليأخذ كلّ مؤمن من منهاج الله قدر وسعه وطاقته ، بجد وعزيمة ، أخذاً منهجياً ، صحبة عمر وحياة لا تتوقف ، مع متابعة دراسة اللغة العربية ومحاولة إتقانها ، ودراسة الواقع الذي يمارس منهاج الله فيه . ومسؤولية الفرد المؤمن لا تُسقط مسؤولية العلماء والأمة كلها ومعاهدها ومؤسساتها لتساهم كلها في دفع المؤمنين إلى منهاج الله ـ قرآناً وسنة ولغة عربية ـ تلاوةً وتدبراً وحفظاً ـ وليظلّ منهاج الله والواقع هما الركنين الأساسين في النظرية العامة للدعوة الإسلامية .
إن الإيمان والتوحيد يدفعان إلى تدبر منهاج الله ، ومنهاج الله ينمّي الإيمان والتوحيد ، ويظلّ الأمران في تأثير متبادل من الخير والبركة ، تأثيراً ممتداً مع حياة المؤمن ، وليكون التدبر ، والممارسة والعمل ، هدفين رئيسين في حياته .
نحرص في هذا الكتاب الذي يقع في (232) صفحة من الحجم الكبير، على أمرين هامين :
أولاً : إيجاز ما سبق أن فصلناه في كتب سابقة عن أهمية دراسة منهاج الله وتدبره دراسة منهجية ، والتدريب على ممارسته وتطبيقه في واقع الحياة تدريباً منهجياً كذلك . وأهمية دراسة الواقع أيضاً من خلال منهاج الله دراسة منهجية ، وأهمية الدعوة إلى الله ورسوله ، إلى الإيمان والتوحيد ، دعوة تقوم على أساس المنهاج الرباني والواقع والخطة التي تقوم عليهما ، ثم منزلة السلف الصالح وما كانوا يوصون به في هذا السبيل في تاريخنا السابق وفتراته كلها . ويستغرق هذا كله الباب الأول في خمسة فصول .
وثانياً : دراسة قبسات من الكتاب والسنة دراسة تخضع للقواعد السابقة ، لنرى تلك القواعد وأهمية التزامها في تدبر منهاج الله والواقع من خلال منهاج الله. ونأخذ هذه القبسات من بعض الآيات والأحاديث التي وقع فيها خلاف في كتب التفسير ، أو غلبت الإسرائيليات على تفسيرها في بعض كتب التفسير ، أو مما حدث التباس لدى بعضهم في فهمها أو تطبيقها ، لنجلو ذلك دون أن يكون هنالك مصادمة لأي قاعدة إيمانية ، أو لنصّ آخر من الكتاب والسنة ، أو خروج عن قواعد اللغة العربية ، أو تأويل فاسد لما ورد من نبأ الغيب الذي اختصّ الله سبحانه وتعالى بعلمه . وتستغرق هذه الدراسة الأبواب التالية كلها من الباب الثاني حتى الباب السادس .
ولقد سبق أن قدمنا بعض النماذج القليلة من خلال دراسة بعض قضايا واقعنا اليوم دراسة مباشرة ، أو دراسة تمضي من خلال الأدب والشعر والملاحم، لتكون هذه الدراسات نموذجاً عملياً لفهم واقعنا من خلال منهاج الله ، ولإبراز تميّز هذه الدراسات من الدراسات التي لا تعتمد منهاج الله أساساً لفهم الواقع ، ومن الدراسات التي تكتفي بإطلاق الشعارات وحدها وإثارة العاطفة دون نهج أو خطة . ولتكون هذه الدراسات أيضاً حافزاً لإطلاق المواهب الإيمانية لتتابع دراسة الواقع المتجدد على هذا النحو ، ولتمحيص النظرية العامة التي ندعو لها لتكون أساس العمل الإسلامي وقاعدته الراسخة .
من هذه النماذج كلها ومن هذه القبسات في هذا الكتاب نرجو أن نكون قد أوضحنا ما نهدف إليه أساساً من أن يعود المنهاج الرباني ليؤدي دوره اليوم كما كان يؤديه أيام النبوة الخاتمة في الدعوة إلى الإيمان والتوحيد قبل الدعوة إلى أحزاب وتكتلات ، وفي البناء والتربية ، وفي إعداد الجيل المؤمن الذي يتابع تحقيق الأهداف الثابتة التي أمر الله بها على طريق ممتدّ إلى الجنة .
كان لا بدّ من الباب الأول الذي يوجز القواعد والأسس ، ويوجز النظرية العامة للدعوة الإسلامية ، ليكون هذا هو الأساس الذي ننطلق منه في تدبّر الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة .