حياتي

وديعة رابين والتزام بيريز وباراك بها في مذكرات بيل كلنتون،

لماذا لا يستفيد العرب من المزايا الإيجابية عند الأمريكيين؟

(حياتي ـ بيل كلنتون: كتاب يفرض نفسه)

شاهر أحمد نصر

من الأعمال الهامة التي صدرت في عام 2004 عن دار الرأي والتي يقوم دارا السوسن والحصاد في دمشق بتوزيعها، ترجمة كتاب (حياتي لبيل كلنتون).

ولد بيل كلنتون في 19 آب (اغسطس) من عام 1946 لأم ممرضة مترملة، في بلدة هوب الصغيرة التي يبلغ تعداد سكانها ستة آلاف نسمة، جنوب غرب أركنساس.. كان أبوه واحد من تسعة أطفال لمزارع فقير في شيرمان من تكساس..  عمل والده بائعاً في شركة مانبي أكيموبمينت.. وخدم والده سائقاً تحت تصرف القيادة في غزو إيطاليا، كما عمل هناك في إصلاح سيارات الجيب والصهاريج.. ليعود بعد الحرب إلى عمله القديم في هوب..ص13

كان جده يدير عملين أحبهما كلينتون: كان يدير بقالية صغيرة، ويرفع دخله بالعمل حارساً في الليل في منشرة.. كان العديد من زبائن جده من السود.. استطاع كلينوتن أن يرى السود يبدون مختلفين. ولكن لأنّ جده عاملهم كما كان يعامل الآخرين؛ يسأل عن أطفالهم وعملهم، فكر (كلينتون) أنّهم مثله تماماً. "وفي المناسبات كان الأولاد السود يأتون إلى المخزن، وكنا نلعب. وقد استغرقت سنين لأتعلم أنّ معظم البيض لم يكونوا مثل جدي وجدتي التي كانت آراؤها حول العرق بين الأشياء القليلة التي كانت تشارك بها زوجها".ص20

إنّها الولايات المتحدة الأمريكية يا عزيزي:

إنّ لهذه الأسطر القليلة والمعبرة عن حياة ذلك الطفل اليتيم الذي تربى في أسرة كادحة ليست غنية، والذي استطاع بجده وكفاحه، أن يصبح رئيساً لأعظم دولة في العالم.. إنّ لذلك كله دلالات كبيرة.. لا نريد أن نبدو بسطاء وسذجاً ليفهم من كلامنا هذا أنّ الكادحين والفقراء والملونين في الولايات المتحدة نالوا حقوقهم كاملة.. أو أنّ أبناء الكادحين يستطيعون ببساطة الوصول إلى أرفع المناصب في ذلك البلد، الذي تلعب الاحتكارات الرأسمالية دوراً مقرراً وحاسماً في تحديد من يتبوأ المناصب الرفيعة فيه.. بل نريد أن نشير إلى مسألة مفادها أنّ المواقف السلبية والمؤسفة لحكومات الولايات المتحدة الأمريكية من قضايانا العادلة، والمساندة للمعتدين الصهاينة في فلسطين، وما ينتج عنها، يجب أن لا تعمينا عن حقيقة أنّ البنية الاجتماعية الاقتصادية والمؤسساتية القانونية والدستورية السائدة في الولايات المتحدة الأمريكية سمحت لذلك الإنسان اليتيم والفقير أن يصبح رئيساً لها.. وعند التطرق إلى هذه القضية، نسمع تعليقاً واحداً: هذه هي الولايات المتحدة الأمريكية يا عزيزي.. ونزعم أنّ منبت الرئيس الاجتماعي ومعاناته في سني الطفولة، ونشأته البعيدة عن التمييز العنصري، لا بد أنّها تركت شيئاً من بصماتها على أسلوب تفكيره، الذي كان على العرب أن يفهموه جيداً ويحسنوا التعامل معه..ـ نستدرك ثانية لنقول: ليس الرئيس وحده في الولايات المتحدة الأمريكية هو من يحدد سياسة ذلك البلد الذي لا يقر بفكرة (الطرش) ولا الرعية ولا بالدعوة للرئيس القائد الملهم أو الخالد إلى الأبد، ولا بفكرة حزب قائد للدولة والمجتمع إلى الأبد، لأنّ ذلك يتناقض من سنن الحياة، ويعيق تطور المجتمع، .. هناك مؤسسات ومصالح تلعب الدور الرئيسي في ذلك، إنما هذا لا يلغي نهائياً دور الرئيس ومنهجه في العمل والتفكير، منها، على سبيل المثال، موقفه من الملونين وطلبه من الكونغرس "أن يقر قانون جرائم الكراهية" وطلبه "من مجلس الشيوخ تعيين المحامي المتميز بيل لان لي، الأمريكي من أصل صيني، مساعداً للمدعي العام للحقوق المدنية. (عندما) كانت أغلبية الجمهوريين تقف في وجه تعيينه، ويبدو أنّهم كانوا يكرهون معظم من رشحتهم أو عينتهم من غير العرق الأبيض"ص916 .. وهذا ما لم يحسن العرب الاستفادة منه ـ حسب زعمنا ـ في عهد كلينتون..

حقيقة وديعة رابين:

لا نريد الإسهاب في المسألة أعلاه، بل نود التركيز والتمعن في مسألة نتائج المفاوضات السورية الإسرائيلية، كما يبينها بيل كلنتون، وحقيقة الموقف مما يعرف بوديعة رابين.. يقول كلنتون:

"في الثالث من كانون الثاني ذهبت إلى شفردستاون لبدء محادثات السلام بين سوريا وإسرائيل. لقد ضغط إيهود باراك عليّ بشدة لعقد المحادثات مبكراً هذا العام... كان قد أخبرني قبل عدة أشهر بأنّه مستعد لإعادة مرتفعات الجولان إلى سوريا شريطة أن تُلبى مطالب إسرائيل: محطة إنذار مبكر في الجولان واستمرار اعتمادها على بحيرة طبرية، المعروفة باسم بحر الجليل، لتأمين ثلث احتياجاتها من الموارد المائية".

.. "وقبل أن يقتل إسحاق رابين كان قد أعطاني تعهداً بالانسحاب من الجولان إلى حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، في حال تحقق مطالب إسرائيل. وقد أعطاني ذلك التعهد بشرط أن أبقيه سراً حتى يحين موعد طرحه رسمياً على سوريا في سياق التوصل إلى حل شامل. بعد موت إسحاق، أكد شيمون بيريز ثانية على الالتزام بذلك التعهد، وبناء على هذا التأكيد قمنا برعاية المحادثات بين السوريين والإسرائيليين عام 1996 في منطقة واي ريفر. وقد أرادني بيريز أن أوقع على معاهدة لضمان أمن إسرائيل إذا ما تنازلت عن الجولان، وتم اقتراح هذه الفكرة عليّ ثانية من قبل نتنياهو ومن ثم عُرضت عليّ لاحقاً من قبل باراك. من جهتي كنت على أتم الاستعداد لذلك وهذا ما أخبرتهم به".ص910

.. ".. لم يكن الأسد بصحة جيدة، وأراد استعادة الجولان قبل وفاته، ولكنّه كان مضطراً لتوخي الحذر في خطواته. لقد أراد لابنه بشار أن يخلفه، وبغض النظر عن قناعته الخاصة بضرورة استعادة سوريا لكامل أراضيها التي كانت تمتلكها قبل الرابع من حزيران (يونيو) 1967، كان عليه أن يعقد اتفاقاً لا يكون عرضة لهجوم من القوى الداخلية في سوريا التي سيحتاج ابنه لتأييدها".ص911

..."عندما اقترح الشرع في المحادثات الخاصة السرية أن يتم بدء المفاوضات من حيث توقفت عام 1996 بوديعة رابين التي تلتزم بالعودة إلى خط 4 حزيران (يونيو) شرط تلبية مطالبها، رد باراك، بالرغم من أنّه لم يقدم أية وعود حول الأرض "ولكن نحن لا نمحو الماضي". بعدها اتفق الرجلان أن أقرر أنا ترتيب مناقشة التفاصيل التي تتضمن الحدود، والمياه، والأمن، والسلام".ص912

..."بدأنا بعقد اجتماعات حول الحدود والأمن. وهنا أبدى السوريون ثانية مرونة فيما يتعلق بهذين الشأنين، قائلين بأنّهم يقبلون تعديل الشريط الحدودي لمسافة 50 متراً (164 قدماً) بشرط أن يقبل الإسرائيليون بخط الرابع من حزيران (يونيو) كأساس للمفاوضات. وقد كان هذا العرض منطقياً من الناحية العملية، نظراً لتقلص حجم البحيرة خلال الثلاثين عاماً الماضية. لقد تحمست كثيراً لهذا العرض، إلاّ أنّه يبدو أنّه من الواضح أنّ باراك لم يخوّل أحداً في فريقه لقبول خط 4 حزيران (يونيو) مهما تكن تنازلات السوريين.

.. ما زاد الأمر سوءاً تسرب نص مسودة الاتفاقية إلى الصحافة الإسرائيلية التي نشرتها بحيث بدت سوريا وكأنّها قدمت تنازلات دون مقابل، مما عرّض الشرع لكثير من الانتقادات في سوريا. وبالطبع كان هذا محرجاً له وللرئيس الأسد في آن. فحتى الأنظمة الشمولية غير محصنة من رأي الشعب ومجموعات المصالح القوية"... لم تكن صحة الأسد جيدة وكان عليه أن يمهد الطريق أمام ابنه".ص914

..."في المقابل كان باراك بالرغم من أنّه هو الذي دفع بقوة في أول الأمر لإجراء المفاوضات قد قرر على ما يبدو بناء على معطيات الاستطلاعات أن يبطئ سير العملية.."ص913

في جنيف "عندما التقيت بالأسد.. أجرينا اجتماعاً ضيقاً.. طلبت من دينيس روس بسط الخرائط... بدا باراك مستعداً  الآن لقبول مساحة أقل من الأرض حول البحيرة تعادل 400م (1312 قدماً) على الرغم منّه كان يريد أكثر من ذلك.."ص931

يتبين من هذا العرض السريع لما جاء في كتاب (حياتي) لبيل كلنتون، حول المفاوضات السورية الإسرائيلية، أنّ ما عرف بوديعة رابين، أي التعهد بالانسحاب من الجولان إلى حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، في حال تحقق مطالب إسرائيل، لم تقتصر على رابين وحده، بل إنّ كل من بيريز ونتنياهو وباراك أكدوا على الالتزام بذلك التعهد. بالتالي من الأمور المنطقية أن تستأنف المفاوضات بناء على ذلك التعهد الذي وافق عليه أربعة رؤساء وزراء متوالين للحكومة الإسرائيلية، والذي ينص على الالتزام بالانسحاب من الجولان إلى حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967..

كتاب (حياتي) لبيل كلنتون بالإضافة لاحتوائه على هذه المعلومات التاريخية الهامة، يتضمن الكثير من المسائل الشيقة حول المجتمع الأمريكي، والسياسة الخارجية الأمريكية.. إنّه وثيقة هامة ومن المفيد والضروري أن يتطلع عليه كل مهتم بتطور الأحداث في منطقتنا وبمستقبلها، وتطور العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية..

عنوان الكتاب الأصلي:

My Life – Bill Clinton – Alfred A.Konpf, publisher – New York

قام بترجمة الكتاب، الذي يقع في 988 صفحة من القطع الكبير: حسام الدين الخضور، إنّ وضوح الترجمة، وسلاستها وعدم التوقف أو التعثر لإدراك المعنى، يبين أن الترجمة موفقة، تجعل النص باللغة العربية كما هو الحال في اللغة الأصلية جذاباً ممتعاً.

قام بالإخراج الفني للكتاب الشاب الواعد: همام أيمن بهلول، الذي لم تلهه بهارج الحياة عن الجد والنشاط والتحلي بالصفات الإنسانية العملية الجدية، مما يجعلنا نتوقع له مستقبلاً مشرقاً.

الناشر: دار الرأي للنشر ـ دمشق تيلفاكس 6129757  www.daralrai.com

توزيع:

دار الحصاد ـ دمشق ـ البرامكة ـ تيلفاكس 21263626

دار السوسن ـ دمشق ـ المزة ـ تيلفاكس: 6623027 www.daralsawsan.com        

طرطوس 1/12/2004