الخروج من التيه
الكتاب:الخروج من التيه-دراسة
في سلطة النص
الكاتب:د.عبد العزيز حموده
الناشر:سلسلة عالم المعرفة
الكويت-نوفمبر 2003
بقلم : سلام مراد
•الخروج
من التيه،دراسة في سلطة النص،وهي جديد الدكتور/عبد العزيز
حمودة/،محاولة أخرى،بعد كتابيه /المرايا المحدبة والمرايا المقعرة/لتأسيس نظرية
نقدية عربية...الكتابان الأول والثاني كانا محاولةً للبحث عن نظرية نقديةعربية،قادت
المؤلف الى البحث والرجوع الى جذور البلاغة العربية في عصرها
الذهبي،ابتداءً من القرن الثالث الهجري الى بدايات القرن الثامن،ولم تكن تلك العودة
مجرد«نبش تحت جذور الماضي» كما أنها لم تكن إحياءً للمعركة، التي تخطاهاالزمن
بين«الجديد والقديم»،كانت دعوةً لتطوير «الهوية الواقية» كما سماها/العقاد/،عن
طريق تطوير نظرية لغوية وأدبية عربية،تقوم على الاتصال الكامل بالآخر الثقافي
والاستفادة من كل انجازات العقل العربي المتقدم مع التمسك بجذورنا الثقافية.بذلك
كان موقف /د.حمودة/ هو رفض ثنائية الانبهار بكل
إنجازات العقل الغربي
واحتقار كلإنجازات العقل العربي،وبالتالي ان كل ما
يأتينا من الغرب ليس خيراًكله... كما أنه ليس
شراً كله. توقف المؤلف عند نقاط
هامة في دراسته السابقة«المرايا المقعرة» على ما ترتب
من انبهار بعضهم بالثقافة
الغربية الى حدّ العجز عن إدراك حقيقتين:الاختلاف
والخطر. يرى/د.حمودة/ان الكثيرين لم ينتبهوا
الى ان النقل الكامل عن
الحداثة
الغربية،بعد الخلط بين التحديث والحداثة،كان تمهيداً
للتبعية الثقافية
وترسيخاً لها،فالغرب كان يخطط منذ أن بدأ نجم اليمين بالصعود خاصةً في الولايات
المتحدة
منذ أواخر السبعينيات،وحينما تفكك الاتحاد
السوفييتي،لتثبيت سيطرته
وفرض
رؤيته،وقد تجاهل الكثير من المثقفين الإشارات
والمؤشرات الواضحة للعصر الجديد،حيث كانت كل الدلائل تشير الى اتجاه«ثقافة مهيمنة»
بدلاً من (ثقافة عالمية) وعدونا بها.ولم تكن طبيعة الثقافة المهيمنة القادمة في
أوائل التسعينيات خافيةً على أحد،فهي ثقافة الاستهلاك واقتصاديات السوق والشركات
العملاقة.الدراسة الجديدة (سلطة النص)،تقوم على قدرة النص الأدبي على
تحقيق معنى ما،يتمتع بقدر من الالزام،ويقبل
التثبيت،ولو بصورة مؤقتة،في مواجهة
فوضى القراءات التفسيرية للنص الأدبي التي انتهت عند
أتباع نظرية التلقي والتفكيك،الى إلغاء سلطة النص،بل الى التشكيك في وجوده
أصلاً،و(سلطة النص) هي محاولة جديدة لتحديد معالم نظرية نقدية عربية بديلة. إن
الحديث عن نفي سلطة
النص لا يعني التقليل من شأن النص أو التقليل منأهميته،أو حتى نفي وجوده
بالمفاهيم النقدية التقليدية باعتباره كياناً
كلياً متكاملاً مستقلاً،حتى ولو
كان الحديث مقصوراً على نفي سلطة النص، الذي حققته
اتجاهات القراءة والتلقي
واستراتيجية التفكيك،لكن المؤلف يرى إن دراسته أوسع
فهي تمتد زمانياً من بدايات
القرن العشرين الى نهاياته،ابتداءً بلغويات سويسرا
ومروراً بالشكلية الروسية
والنقد الجديد-وكلها ما قبل الحداثة-ثم بنيوية(وهي
المشروع النقدي الأساسي
الذي أفرزته الحداثة)،ونظريات التلقي
واستراتيجية التفكيك(وهي نظريات ما بعد
الحداثة)،وانتهاء بالنقد النسوي وما بعد الكولونيالي
والتاريخية الجديدة
والمادية الثقافية والنقد الثقافي،وهي المدارس التي
ازدهرتقرب نهاية القرن
العشرين،والتي كان بعضها ردةً واضحةً ضد ما بعد
الحداثة.يرى/د.حمودة/أن
نفي سلطة النص هو حرمان النص من قدرته على تحقيق
معنى،بل هو كلما يعتبر إساءة
لوظيفة الأدب،سواء كان ذلك حرمان النص الأدبي من
قدرته على تحقيق دلالة أو
معنى،كما فعلت اتجاهات التلقي واستراتيجيات التفكيك
ما بعد الحداثي،أو المبالغة
غير المقبولة في دور الأدب ووظيفته .إن دوافع
الاتجاهات والمدارس
تختلف،فدوافع النقد الشكلاني عند الشكليين الروس
والنقاد الجدد ثم البنيويين،هي
الدوافع التي تحدد موقفهم جميعاً من«سلطة النص»حيث
تختلف دوافع نقاد التلقي
والتفكيكيين،والتي تختلف بدورها عن دوافع /دريدا/
وتفكيكيته. إن كل
مدرسة أو مجموعة تختلف عن المجموعة الأخرى،لكن الارتباك في النصف الأول من
القرن العشرين،حتى منتصف الستينيات على وجه
التحديد.لا يقاس بالفوضى الكاملة التي سيطرت على المشهد النقدي في العقود
التالية،خاصةً عند محطتي التلقي والتفكيك،وبعد أن تحولت«النظرية» الى غول مرعب
مخيف،وحيث يصبح«المنظر» النقدي أكثر خطورةً وتهديداً لسلامة البشر من مصطلح «الارهابي»
الذي يستخدم اليوم مبرراً لتغيير الخريطة السياسية للعالم. عند محطتي التلقي
والتفكيك يكون قمقم
المعرفة الانسانية قد فُتح، لذلك فإن التيه ليس تيه المؤلف،بل
تيه«النظرية» التي تتحدى التعريف وترفض علامات
الطريق الارشادية، فتسقطها
واحدةً وراء الأخرى في تعارضات لا نهائية،داخل ذلك
التيه،أي حرمان النص من
القدرة على تحقيق دلالة يمكن تثبيتها والوثوق بها،وهو
ما تقوم به المدارس ما
بعد الحداثية بدرجات متفاوتة،مع تجاهل معنى النص،كما
يفعل النقاد الشكليون،وبدرجات متفاوتة أيضاً،ومع تحميل النص أكثر مما يطيق
والمبالغة بتقدير سلطته غير الأدبية،كما يفعل نقاد التاريخية الجديدة والنسوية
والمادية والثقافية،وبدرجات متفاوتة بالقطع. إن«سلطة النص» كما يراها /د.حمودة/هي
مدى ما يفرضه النص،أو يفشل في فرضه على المتلقي أثناء عملية
القراءة من التزام أو عدم التزام بمعطياته
هو،وهكذا تتمحور الاختلافات في
الحديث عن النص حول«استراتيجيات القراءة» التي
يمارسها القارىء،مع الملاحظة أن
القراءة هي ليست تلك«القراءة الاستهلاكية» المتعجلة
التي يمارسها القارىء
العادي مع النص الجديد الذي يتحول عنه بمجرد الانتهاء
من قراءته الى نص آخر،بل
هي القراءة التي يمارسها القارىء العليم،أي القراءة
النقدية الواعية،أو إعادة
القراءة الواعية للنص،مع العلم بأن قراءته تحركت فوق
سلم محدد من الدرجات،من
محاولة فهم النص الى محاولة شرحه والى محاولة
تفسيره،الذي لا يعد بدوره المرحلة
الأخيرة فوق سلم التعامل مع النص وسلطته. لكن
اذا كانت هناك أرضية مشتركة
بين أشكال التفسير القائم على النظرية،والتي جاءت الى
الوجود لتتحدى تقاليد
النقد الجديد،فهي ان تلك الأشكال،وبطرق متعددة،تفسر
النص في الاتجاه
المعاكس،وذلك عن طريق اثبات ان بلاغة نص ما،مثلاً،تتعارض مع ترتيب جزئيات
موضوعه،أو كيف ان وضع النص داخل سياقه يمكن ان
يثبت أنه لا يتجاوز عصره،بل
يتأثر بالتناقضات داخل الثقافة التي أنتجته،أو كيف أن
الانتاج الأدبي مثل أي
شكل آخر من أشكال الانتاج،لا يمكن فصله عن قضية
الآيديولوجيا،أو كيف تشكل
الاهتمامات الذاتية لقارى ءالنص،ومن ثم تحدد الطريقة
التي يقرأ ويفسر بها
النص.•