صحافة الصحوة الإسلامية في البلاد العربية
. |
صحافة الصحوة الإسلامية في البلاد العربية |
هذا الكتاب من تأليف الأستاذ محمد علي شاهين، وقد جاء في 156 صفحة من القطع
العادي.
تنوّعت مظاهر الحياة الفكرية والأدبية في عصر الصحوة بعد سقوط الخلافة، وما أعقب هذا الحادث الأليم من زلزال شديد، جاست جيوش الاحتلال خلاله الديار، وطويت شريعة الخير والعدل، ونكّست رايات الوحدة والحرية، وسقطت دول الطوائف التي كرّست مشاريع التجزئة في مستنقع الانقلابات العسكرية، والأحكام العرفية، والقوانين الاستثنائية، وابتليت الأمة بشيء من الخوف والجوع، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، واشرأبّت الدعوات الانعزالية، والطائفية، والشعوبية بأعناقها نحو السلطة والمجد.
لكن الوعي الديني لم ينهزم أمام الهجمة الشرسة التي رافقت هذا السقوط المريع، وبقي صامداً في مواجهة قوى الظلام، ومظاهر الاستلاب.
وكانت الصحافة الإسلامية على مدى القرن الماضي أحد ميادين كفاح أمة تأبى الهوان والاستسلام، وترفض منطق الهزيمة والأمر الواقع، سلاحها الكلمة الحرة، والصوت الجريء، والرأي السديد، والحوار الهادف.
وظلت أمينة على الفكر والتراث، والهويّة الإسلامية الوطنية، عصيّة على كل المشاريع الاستعمارية والاستيطانية، في زمن عزّ فيه الرجال، وراج في سوقه النفاق والتهريج، وتميزت بالجرأة والوضوح، وتحري الحقيقة، والنقد الموضوعي، وتصدّت للتضليل الإعلامي، وكشفت زيفه وتهافته.
وطالبت بوقف الانهيار، ووضع حد للهزيمة النفسية والروحية، واستنهضت الهمم لمقاومة مظاهر التخلف.
وأكدت صلة الدين الإسلامي الوثيقة بالحياة، وتربيته للذات الحرة، وقربت بين المتخالفين في المسائل الفرعية.
وحافظت على الفصحى لغة القرآن، وعنيت بالأسلوب الراقي، والبيان الساحر الذي يحبه الله، وعباده الصالحون، وابتعدت عن العامية ولغة الجرائد، والنزعة الإنشائية، وقيود السجع، والركاكة، وطورت فن المقالة السياسية والأدبية.
وما كان باستطاعة العديد من هذه الصحف والمجلات الإسلامية الصمود في خندق الحق والخير، ومواجهة شراسة الأعداء، والقمع الفكري، وشح الأثرياء، وتفشي الأمية، لولا عظمة القوى الروحية التي تتمتع بها هذه المؤسسات، والإخلاص الشديد الذي تذخر به قلوب روادها الأفذاذ، الذين حملوا على عاتقهم هموم العالم الإسلامي، ومشروع نهضته، وظلوا على عهدهم لقرائهم أوفياء، يحملون أمانة الكلمة، مؤيدين بروح القدس، يمنحهم ربهم ببركته القوة والتمكين.
المتتبع لصحافة الصحوة، الدارس لها، لا بد له من الاعتراف بأنها صحافة فقيرة، غير معمرة، مضطهدة، مستهدفة تفتقر إلى الحماية القانونية، تشكو ضآلة الموارد المادية، بسبب اعتمادها على التمويل الفردي، والاشتراكات المحدودة، وضيق سوقها، بسبب الحظر المفروض دائماً على فكرها عند بوابات الدول الإسلامية، وقلة الأموال الموضوعة للاستثمار في مجال الإعلام الإسلامي، رغم ضخامة الاستثمار العربي المكدس في البنوك العالمية، الموضوع في خدمة الآخرين.
فهي لا تملك مطابعها، ولا تعتمد مؤسسات توزيع تابعة لها، ولا تملك مكاتب للإعلان التجاري، وتفتقر إلى الجهاز الإداري والتجاري الكفوء، كما أنها تفتقر إلى المراسلين، المتفرغين، ولا تحسن استخدام الأرشيف والصور، والإخراج الصحفي، والرسم الكاريكاتيري، أما العاملون في هذه الصحف فيحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف.
ويقول المؤلف:
"عندما بدأت كتابة هذا البحث الشيق صادفت صعوبات كبيرة في الحصول على مجلدات الصحف والمجلات الإسلامية، ولم أعثر في المكتبات الخاصة والعامة إلا على عدد محدود من أعداد متفرقة، أو مجموعات ناقصة من الصحف والمجلات رغم أن القرن العشرين لم ينقض بعد. (كتب هذا عام 1999).
حتى إن الجماعات الإسلامية التي أصدرت جرائد ومجلات لم تحافظ على إرثها الثمين، ولم تملك الخزائن التي تحفظ تراثها وذكرياتها، وتاريخ نضالها، ولم تدع أبناءها لدراسة هذا الموروث ونقده، قبل أن يقول الغرباء فيه كلمتهم؛ ولا يحق لنا أن نتهم الآخرين، ونعلق فشلنا على مشجب الحكومات إذا كنا نحن المفرطين".
والحقيقة أن كل صحيفة أو مجلة مذكورة في هذا البحث تحتاج إلى دراسة تفصيلية معمقة، تتناول موضوعاتها، وأسلوبها، وكتّابها، وأهم المعارك الصحفية التي خاضتها، ومحاور إصلاحها.
وحسب المؤلف أنه قدّم إلى جيل الصحوة في كتابه هذا الموسوم بـ (صحافة الصحوة الإسلامية في البلاد العربية) دعوة صادقة لتناول هذه المطبوعات بالنقد والتحليل، وإلى الجامعات وإلى مراكز البحث والدراسات لإعادة طبع هذه المجلدات وتشجيع الباحثين لإعادة قراءتها، والكشف عن خبايا كنوزها النادرة، والاقتداء بسلفنا الصالح الذين أحيوا ما اندرس من كتب التراث.
واستعان المؤلف بالعديد من المراجع والمصادر الأصلية التي ذكرها، في محاولة لاستقصاء الصحف والمجلات الإسلامية، والتأريخ الموجز لها، وبيان منهجها من خلال ما تتحدث هي عن نفسها، مستنداً على الواقع السياسي والاجتماعي لكل قطر؛ مصنّفاً إياها في أربع عشرة حلقة كان نشرها في صحيفة اللواء الأردنية.
وترجم المؤلف في الحواشي باختصار لعدد من الأعلام المذكورين في متن الكتاب، سعياً وراء إعطاء جوانب الموضوع مزيداً من الإضاءة، وحلَّى صفحات كتابه بما تيسر له جمعه من صور أعلام الصحفيين الإسلاميين؛ ووضع لكل قطر عربي وفق ترتيب حلقات الكتاب، كشافاً مرتباً على تاريخ صدور الصحف والمجلات الإسلامية المذكورة، تضمّن اسم المطبوعة واسم رئيس تحريرها وتاريخ صدورها، ومكان صدورها.
ويقول المؤلف:
وأخيراً نرجو أن نكون قد وقفنا في استعراض صحافة الصحوة الإسلامية في البلاد العربية، على أمل أن نتبع هذا البحث بدراسة عن الصحافة الإسلامية المهاجرة، وصحافة الصحوة في العالم الإسلامي، إذا توفّرت لنا المصادر العلمية الكافية، وأدوات نجاح مثل هاتين الدراستين، علَّنا نملأ بعض الفراغ في المكتبة العربية، ونصحح بعض الأفكار الخاطئة، ونسدد خطى العاملين المخلصين.