سيجموند القلق
نقد نظرية التحليل النفسي
تأليف : د. برسيفال بيلي
ترجمة وتعليق :د. محمد هلال
عرض :غرناطة الطنطاوي
يقع هذا الكتاب في /251/ صفحة من القطع الكبير .وهو الطبعة الأولى سنة/1999/م.وقد قام الدكتورمحمد هلال بترجمة هذا الكتاب عن الفرنسية ووضع العناوين الجانبية ، وألحـق بالكتــاب تعريفــاً
بالشخصيات التاريخية والمؤلفين الذين تحدث عنهم المؤلف بيلي .. وكذلك عرّف المفاهيم الفكرية والأساطير والمذاهب الدينية التي تعرّض لها المؤلف ، ليسهّل على القارئ ،بحيث لا يحتاج إلى العودة إلى المعجمات والموسوعات وفي النهاية قام بتعريف موجز لنظرية التحليل النفسي عند فرويد .
والكتاب مقسم إلى مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة .
ففي المقدمة يقول لنا الكاتب: إن كتابه مجموعة محاضرات ، وهي ليست ضد فرويد وإنما ضد التأثير المضخم والمحرّف لحركة التحليل النفسي في الولايات المتحدة التي سبّبت أذىً كبيراً للطب النفسي وللحضارة والإنسانية..
وقد تنبأ بيلي قبل عدة عقود بما ستحدثه هذه النظرية من انحرافات، وقد حدثت بالفعل ، فانتشرت جرائم الاعتداء الجنسي في أمريكا ، والطقوس الشيطانية ،والتضحية بالأطفال .
وفي الفصل الأول من الكتاب تحدّث المؤلف عن ولادة فرويد والنبوءة التي تحدّثت بها امرأة عجوز من أن فرويد سيكون عظيماً مشهوراً مستقبلاً .. وقد حاول فرويد أن يحقق هذه النبوءة ، وأن يصبح عظيماً بأي طريقة كانت .. ولكنّه عرف عنه الكسل والتراخي .. بالإضافة إلى ضعفه الجنسي الذي كان يحسد الآخرين عليه ، مما أدى إلى تضخيم دور الجنس في حياة الإنسان تضخيماً مبالغاً فيه ، فاعترض عليه صديقه ألفريد أدلر وانفصل عنه لهذا التضخيم غير المبرر .
وقد اعترف فرويد بقوله :"إنني أملك قدرات ومواهب محدودة جداً ؛ فلاشيء عندي على الإطلاق بالنسبة للعلوم الطبيعية ، لاشيء بالنسبة للرياضيات ، لاشيء بالنسبة لكل ما هو كمي " .
وكم كان بارعاً في إلقاء اللوم في فشله على غيره ، حتى خطيبته لم تسلم من هذا .
وفي الفصل الثاني من الكتاب : يتحدّث المؤلف عن مصادر فكر فرويد الذي لم يأت بجديد … و إنّما استوحاه من سابقيه بسبب شغفه بالقراءة ، و من أقوال مرضاه أثناء التنويم المغناطيسي ، بالإضافة إلى خياله وأوهامه … فقد ذكر أسس النظرية الفرويدية وممن استوحاها فمثلاً: اللاشعور عند فرويد قد سبقه إليه نيتشه قبل أكثر من عشرين سنة …والتنفيس عند فرويد موجود في الكتاب المقدس … إلى غير ذلك من الأسس … وقد جعل من الأسطورة أساساً لنظريته فقد قال: يكفي أن تعبر عن المفاهيم الأسطورية القديمة بمصطلحات شبه علمية لكي يتقبلها العقل الحديث …وبذلك وظّف أسطورة بروميثيوس توظيفاً شاذاً غريباً تعكس نفسيته المعتوهة …
كما يؤكّد المؤلّف على أن فرويد يهودي نموذجي ، ولكنّه أخفى يهوديته ـ كعادة اليهود ـ حتى إذا تبوّأ مركزاً هاماً ، أظهر يهوديته رغم أنه كان يعلن علمانيته و إلحاده .. فالكاتب يوحي وبشكلٍ غير مباشر بدور اليهود في المجتمع الغربي وسيطرتهم عليه خوفاً من الاتهام بمعاداة الساميّة …
ثمّ يؤكد المؤلّف على تشبّث فرويد باللامنهجيّة كعادة اليهود وعدم إمكانيّة التحقق العلمي من النظريّة الفرويديّة ،فضلاً عن أنّ فرويد نفسه لم يكن مقتنعاً بما كتب .
وأخيراً في الفصل الثالث :يتحدّث المؤلّف عن انهيار نظريّات فرويد في التحليل النفسي .. وتشاؤمه وخوفه من الموت .. وقد جعل فرويد نفسه موسى جديداً يأتي بشريعة جديدة مع أنّه كان أنانيّاً لايحبّ أحداً إلاّ نفسه ، متشائماً ، في صراعٍ دائم بين العقل والإيمان ،و قد انفضّ الناس من حوله ، فابتدع فكرة الفرويدية بأن حشد مجموعة من المريدين ، كان يجمعهم في منزله في أمسيات الأربعاء ، وأطلق على هذه الأمسيات اسم جمعية يوم الأربعاء لعلم النفس .. وقد كانت مجموعة غريبة ، لقّبها بلقب ـ بنت حرام ـ ثم ما لبث أن انسحب كثير من الأعضاء من هذه الجمعية وأصبحوا أعداء ألدّاء لها .
وقد بيّن المؤلّف فشل التحليل النفسي كوسيلة علاجية ، وأنّ الناس يهرعون إلى التحليل النفسي عندما يشعرون بفراغ روحي ، وبذلك هم يحوّلون القلق الحادّ لديهم إلى يأس هادئ .
وقد مات فرويد في عام / 1939/ م مريضاً مثبطاً محبطاً خائباً كثير التطيّر والتشاؤم ، مؤمناً بنبوءات العرّافين وبالقوى الخفية ، رغم ادّعائه المادية ، وهذا ما يشعر به الغربيون اليوم … ويقع في هذا الشرك بعض الأوساط الثقافية العربية التي تتبجح ببعض الألفاظ الجديدة الغريبة الفرويدية الأصل والمضمون ، التي لا تحمل مضامين محددة يمكن الاتكاء عليها فتبهرهم لأنهم لا يفهمونها ، ولكنهم يحسّون أنّ وراءها معاني كبرى يفهمها فقط أولئك اليهود الذين يقدمونها .
هذا الكتاب يجب أن يحتلّ حيّزاً مرموقاً في المكتبات المرموقة ، كي نتعرّف على الانحرافات البشرية ونردّها إلى أصولها الصحيحة حسب التصور الإسلامي . هذا وقد جاءت ترجمة الدكتور هلال لهذا الكتاب بلغة بسيطة بعيدة عن التعقيد ، مع أنه يعالج أفكاراً فلسفية غاية في التعقيد ، ليتمكن غير المتخصص أن يخوض في غمار هذا الكتاب الممتع .