تركيب المجتمع السوري

تركيب المجتمع السوري

 (120) صفحة لمحمد المبارك.

الناشر: باسل الرفاعي، بواسطة دار عمار، الأردن/ 2003م

بقلم: عبد الله زنجير – عضو رابطة أدباء الشام

المصالحة الوطنية، هي الحل المتحضر لأحداث الثمانينيات الدامية، والمجتمع السوري بإشكالياته العرقية والطائفية والحزبية، ليس بدعاً في حكاية العالم الثالث وما يعانيه من مصاعب ومتاعب، وقد بات بحكم الاضطـرار

والزمن ونحن كلنا أبناء الشام الشماء، أن نتوافق معاً من أجل مصالحنا المتبادلة والمتكاملة، تجاوزاً لتخلف التطرف في الأحكام والمواقف، وتوسلاً بالقيم التي فتحنا بها بصائر البشر، إذ لا مندوحة من التذكير بأننا جميعاً أمام مفترق التاريخ والمصير!.

وفي هذه الأيام ظهرت إضاءة ثقافية جريئة، من دار عمار في عمان، وهي دراسة ديمغرافية للوزير الراحل محمد المبارك، نشرها الصديق الإعلامي باسل الرفاعي بعنوان: تركيب المجتمع السوري، رؤية إسلامية مبكرة لحل الإشكال العرقي، الطائفي، الحزبي في سوريا، إذ وجدتها بالغة الدقة والجودة، تبحث هذا الموضوع بموضوعية جادة، ومنهجية جديدة، وغيرة نبيلة، واستقلالية مسؤولة، وقد سعدت لذهاب السكرة وإياب الفكرة، فتغليب العقل والنقل خير من التمادي في الباطل، والحق يعلو ولا يعلى عليه.

ورغم أن تاريخ الدراسة يعود لعام 1958م، فإن لغتها العلمية وأسلوبها الرصين، وما تحمله من ملامح الحكمة والرشد، يجعلها ثمرة الساعة والنص الواقعي الأكثر أهمية وحيوية، كما أن مؤلفها الذي قدمها (من عصارة تجاربه الثرية وثقافته الواسعة وخبراته المتنوعة، وانطلاقاً من حبه لموطنه وغيرته على أمته، وتمنيه النجاة والسعادة لأبناء شعبه) كما قال باسل وهو أحد أبرز وجوه العمل الإسلامي والسياسي في سوريا، وقد هدف منها استيعاب التناقضات وامتصاص النقم وتأليف القلوب، وتوحيد الطاقات (سابراً بها –وهو الشغف بعلم الاجتماع- تركيبة مجتمع بلده، محللاً لفسيفسائه الأخاذة، وتشكيلته المعقدة، بمنهجية اهتمت برصد الحقائق وتسجيل الوقائع أولاً وتحليلها من ثم، دوافع وآثاراً وتحسبات، وتقديم اقتراحات التعامل الحكيم معها).

وبالفعل، فقد عرض بداية للعناصر القومية أو الأقليات القومية الموجودة في سوريا إلى جانب الأكثرية العربية، ثم للأديان والفرق، أو الإسلام والمسيحية وما يتفرع عنهما من طوائف وفرق.. وبعد ذلك للعقائد والتيارات الفكرية والحزبية، إلى أن يختمها بقواعد وخطط توجيهية هي في منتهى الرقي والروعة.

فعن العلويين -مثلاً- يلاحظ حركة التطور المستمرة، حيث (أخذت تختفي كثير من مظاهر التفرقة عن جمهور المسلمين بأشكال عديدة، أما المثقفون فلا يحفل أكثرهم بالأمور الدينية، وقسم منهم يتلقى ثقافته الإسلامية في معاهد دمشق أو القاهرة، في المعاهد الدينية أو الأزهر، وقليل منهم من يذهب إلى النجف، والمتدينون من العلويين يصلون مع سائر المسلمين في المساجد، دون تفريق أو تخصيص).

وهو يرجع بعض مظاهر الطائفية إلى (أثر المعاملة السيئة التي عوملوا بها، مما اضطرهم إلى اتخاذ التقية وإخفاء العقائد الخاصة، والشعور بالحذر والكره) وكذلك يوثق بشفافية اتجاهات الحالة السياسية حينها، والتي لم تختلف كثيراً عن الآن.. كما يحلل الدوافع الثقافية والعاطفية للشعوبية والعنصرية محذراً من إفرازات التشرذم الفكري والمذهبي ما بين أبناء البلد الواحد، إلى أن يختتم رؤيته بأن تكون (العربية والإسلامية) القاعدة الجذرية المتصلة والمنفتحة على بقية الجوار، وكذلك توسيع الروابط المشتركة ونشر اللغة العربية، وصهر الطوائف الإسلامية جميعاً في بوتقة الإسلام العام، دون أن يكون في ذلك تغلب طائفة على أخرى (أي دون أن يصطبغ بصبغة التسنين بالنسبة إلى الطوائف الأخرى). وأيضاً إيجاد صعيد تعايشي ما بين الإسلام والمسيحية.

أخيراً يقدم توصيته للتيار الإسلامي بأن يعرض الإسلام (بعقلية متسعة مرنة دون الخروج عن روحه الأصيلة واتجاهاته وحدوده الصحيحة، وإبعاد العقلية الجامدة المتزمتة والمتصفة بالعصبية الطائفية أو المذهبية، سواء بالنسبة إلى الأديان الأخرى والطوائف) إلى آخر تلك التوصيات التي تعكس أفق كاتبها الكبير وثقافة تياره تلك الأيام.

إن هذا الكتاب، يشكل دعوة للتسامح والحق والخير، ولئن غاب منطقه طويلاً فإنه عائد سائد بكل ثقة وتؤدة، بقيت ملاحظة حول رؤى المؤلف في الاشتراكية والتعددية وهي وجهات نظر تحتمل المزيد من التأمل والتمعن بفعل التجربة.