الفنان أحمد الصابوني

رجالات سورية

أحمد بن عبد الله صابوني من مواليد حلب في الخامس من شباط 1928.

ترعرع الفنان أحمد الصابوني في أحياء حلب العريقة من عائلة متوسطة لأب يعمل في صناعة صابون الغار في معامله قرب قلعة حلب.

كان لخالته الحاجة سامية رجب الأثر الكبير في ظهور موهبته وللأستاذ عزيز غنام.

في عمر الست سنوات كانت خالة الطفل أحمد صابوني الحاجة سامية تأخذه معها إلى السينما ليشاهد أفلام محمد عبد الوهاب وأم كلثوم الغنائية ويتعلم الأغاني ويحفظها ليغنيها برفقة عزف زوج خالته أبو مصطفى الدرويش على العود، والذي كان ملماً بأصول الفن والطرب.

فكان أحمد حتى سن السادسة عشر يغني في الاستقبالات النسائية والأفراح والرحلات العائلية "السيران" التي كانت تقام في بساتين العائلة الخاصة والحدائق العامة مثل حديقة الجانكية وبستان الأسدي وبستان الحاجب والخوري وكان يقال للسيران بحلب "سيبانه".

أثناء تلك الفترة تعرف بالأستاذ عزيز غنام عن طريق صديقه محمود جمالي، فسمع منه الأستاذ عزيز الأغاني والعراضات التي كان يحفظها منذ صغره، كما عرفته خالته بالحاجة سامية المدرّس مديرة مدرسة للأيتام، والتي أقامت حينها حفلاً فنياً ومهرجاناً خاصاً بالأيتام على مسرح سينما الشرقي بحلب وسمي المشروع توعية الأطفال تدرب له أحمد ما يقارب ثلاثة أشهر ليغني فيه أول أغنية للأطفال بقيادة مايسترو أوركسترا الدرك الأستاذ يوسف حجي.

مما غنى في الحفل:

الأطفال لازم تحفظوها

الأطفال اجتهدوا وعلموها

الأطفال بكره بتكسبوها

علم ابنك على الخلق الحسن

بكره بيكبر وبيصرلك أمل

بلكي الله بنولو اختراع

أنت بتستفيد وبتفيد الوطن

كانت خالته مساعدته الأولى لمنع تدخل الأهل الذين عارضوا بالبداية هذه الخطوات البريئة، فكانت في معظم الأحيان تأخذه للتدريب دون علمهم.

تعرف أحمد صابوني على أصول الطرب والغناء وتتلمذ على يدي الأستاذ عمر البطش، الذي عرفه عليه صديقه الأستاذ بهجت حسان وكان من أصدقائه في مسيرته آنذاك. فعلمه أستاذه المواويل الشرقية والليالي والموشحات.

وإلى جانب هذه الهواية كان يعمل بالنول العربي والنسيج.

في أواخر العام 1947 سافر إلى فلسطين حيث كان صهره زوج أخته من أكابر تجار تصنيع أوتار المصران "تصنيع خيوط طبية للعمليات الجراحية أو لأوتار للآلات الموسيقية من الأمعاء"، والتحق بإذاعة الشرق الأدنى في يافا وتعرف إلى شخصيات سورية آنذاك أمثال الفنان محمد عبد الكريم أمير البزق والفنان عبد الفتاح سكر وغنوا سوية في إحدى الكورالات ببدل 2 ليرة فلسطيني مرتين بالشهر، ثم انتقل إلى عكا للعمل بمعمل للنسيج أسسه مع أصدقائه.

كما ذهب إلى تل أبيب للعمل في معمل سوري أيضا بمنطقة باب السلام إلى أن وقعت الحرب وتم اللجوء الفلسطيني إلى سوريا فعاد إلى حلب مع أخته وبقي فيها إلى أن سافر برفقة أبيه لافتتاح أول معمل صابون "مصبنة" في دمشق.

في مطلع العام 1949 توفي والده، وكان لذلك الأثر الكبير في نفسه.

تزوج أحمد في أواخر العام نفسه من السيدة مريم قسّوم. وافتُتِحت في الوقت نفسه إذاعة حلب بشارع اسكندرونة فكان هو أول من غنى في الإذاعة على الهواء مباشرة وصلة موشحات وليالي.

شارك في عدة مهرجانات عدة مثل مهرجان شباب السلم العالمي وسافر في عام 1950 إلى تركيا للمشاركة أيضاً بأعمال فنية ومهرجانات.

بعد عام سافر إلى العراق للعمل في معمل نسيج هناك قد أسسه مع مجموعة من أصدقائه السوريين، فشارك في الإذاعة العراقية وكان مدير الإذاعة آنذاك الأستاذ روحي خماش، وأجرى له امتحان الغناء للإذاعة الفنانان ناظم الغزالي والقبقجي. أقام أحمد في العراق خمس سنوات وكان قد أصبح لديه ابنان رقية وعبد الله فلُقِّب حينها أبا عبد الله.

عاد أحمد في العام 1956  إلى حلب وتابع مسيرته الفنية على مسارح حلب.

من إحدى أغنياته:

أطبق الليل جفنها

وجوريَّةٍ قد أطبقَ الليلُ جفْنها

وهامَ بأحلامِ الربيعِ كَرَاها

وهدْهدَها بردُ النَّسيمِ فَهوَّمَ

وعَبثَ مِنها جيدُها فحنَى

وبَاتَ على فرْعٍ من السَروِ

بلبلٌ يغرِّد ملتاعاً بنارِ هَواها

يُراقبُها والطَّلُ ينظِم لؤلؤاً

يُحييِّ به قبل الشروقِ شَذاها

ولمَّا أحسَّتْ بالصباحِ تنبَّهت

من النومِ وافترَّت لهُ شَفتاها

فراحَ لها حرَّان يلثمُ ثغرَها

ليُسكرهُ منها رحيقُ جَناها

بعد افتتاح التلفزيون العربي السوري بدمشق بدأ يتردد على العاصمة إلى أن استقر بها عام 1963. أصبح يغني القدود والموشحات والقصائد إضافة للإنشاد الديني لإذاعة دمشق والتلفزيون العربي السوري، إلى جانب وظيفته في إدارة حصر التبغ والتنباك حيث انتُدِب للإذاعة والتلفزيون السوريين وأصبح عضواً في نقابة الفنانين.

أكمل مسيرته الفنية التي كانت مليئة بالعطاء وقام بتمثيل الوطن سوريا من خلال مشاركته في المهرجانات الفنية المقامة في البلدان العربية والأجنبية إلى أن اعتزل الفن في منتصف السبعينات لأسباب شخصية..

تم تكريم الفنان أحمد سنة 1996 من قبل نقابة الفنانين السوريين لمجمل أعماله الفنية ولمساهمته في إثراء الأغنية السورية.

توفي أحمد صابوني في 14-9-2005 في العاصمة دمشق عن عمر يناهز 77 عاماً تاركاً عائلته التي تتألف من أولاده الثمانية ثلاثة بنون(عبدالله - خالد - سامر ) وخمسة بنات وزوجته الرائعة السيدة مريم قسّوم التي كانت شريكته الصابرة في كافة مراحل حياته، ليوارى الثرى في مثواه الأخير في تربة الشيخ خالد في حي ركن الدين في دمشق.

غنى أحمد صابوني للحب والوطن والجمال وأنشد في محبة الله وعاش عصامياً دونما مراءاة أو تزلّف وكان صديقاً محباً لكافة أصدقائه، وزوجاً وأباً وجدّاً حنوناً طيباً معطاءً.