فيديو كليب ( المعلم )

فيديو كليب ( المعلم )

قراءة نقدية في الساميوسفية

حياة الياقوت

       أن تسمع اسم الله والصلاة على نبيه في قناة لا تُــؤنس فيها سوى عروض لأجساد متراقصة ، ولا يسمع منها غير معانٍ لا تخرج عن فئة ( أحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري ) يعني أمراً من ثلاثة :

1 ـ إما أنك في حالة ذهنية غير مستقرة ، على سبيل المثال : ترى حلم يقظة ، تتوهم ، أو في أحسن الحالات تتخيل أملاً .

2 ـ إما أن هناك اختلاطاً في البث ، فحلت قناة أخرى محل تلك القناة .

3 ـ وإما أن سامي يوسف أشرق هناك .

       ليس هذا هو الأمر اللافت الوحيد في فيديو كليب ( المعلّم ) للمنشد سامي يوسف ، فتهجئة اسمه التي ظهرت في بداية ( الكليب ) هي Yusuf بضم السين عوضاً عن كسرها تضعنا نحن العرب العاربة في حرج كبير بلهجتنا المهلهلة التي كسرت سين اللفظ القرآني للاسم . ليس هذا هو الأمر اللافت الوحيد في الكليب ، فالحروف العربي المستغلقة إرادياً على كثير من فئة ( المتروشنين ) والـ ( كول ) من شبابنا خرجت جزلة ، مسلمّة ، لاشية فيها من حنجرة يوسف رغم أنه بريطاني الجنسية من جذور أذربيجانية ، وقد فضّل التحدث بالإنجليزية في آخر مقابلة له مع قناة ( اقرأ ) لعدم إتقانه التام للعربية . تذكرت عندها إحدى العربيات التي نطقت كلمة ( ضيق ) على أنها : ديك .

       يبدو أن حرج ( المتروشنين ) لم يثنهم أبداً عن التعلق بما يقدمه سامي يوسف من فن ، وهل نلومهم على ذلك ؟ يبدو أن يوسف أكثر من مجرد منشد ، فهو مؤلف وملحن فيديو كليب ( المعلم ) الذي أخرجه له هاني أسامة . يوسف يحمل ويقدم نظرية صلبة وواعدة في مجال فلسفة الأداء الغنائي . فالمزج بين عبارات بسيطة لكن مؤثرة من العربية الفصحى وعبارات بالإنجليزية فضلاً عن الألحان المستجلبة من عدة أمزجة تلحينية لم تستقطب الغربيين أو غير العرب من المسلمين وحسب ، إنما هي فاتحة مبشرة سحرت آذان وأفئدة كثير من شبابنا الذين كانوا يرتعون في العالم السفلي للإبداع الفني ولا يهز رؤوسهم سوى نعيق ونقيق مترافق مع عري وتلوٍ .

مزامير وتراميز

       صحيح أن كثراً سيشاهدون ( الكليب ) ويستمعون إلى الألبوم من أجل عذوبة الصوت وحيوية الأداء وعصريته ، لكن الرسالة اللاواعية التي يحملها ستكون وصلت ولو جزئياً في أسوء تقدير .

       كليب ( المعلم ) الذي يتحدث عن محاسن رسول الله صلى الله عليه وسلم قهر الأنماط المملة في الإنشاد الديني ، حيث يقف المنشد منتشياً مرتدياً عباءة مطرزة ومن وراءه خلفية مصطنعة وساذجة لعصافير تحلق أو أمواج بحر في وقت المغيب فضلاً عن التعابير المملة لوجه المنشد . هذا على مستوى الأداء ، أما على مستوى الفكر فالكليب قهر الأنماط الأكثر عمقاً وخفاءً : التعارض بين العصرية والتقى ، حيث يؤدي يوسـف فـي الكليب دور شـاب له هواية حديثة تقدر الحسـن الجمالي ( التصوير ) ، يعيش في منزل عصري ويرتدي ثياباً كأي شاب في سنه ويقود سيارة من نوع " جيب " ( كلها رموز للعصرية على الأقل من الناحية الظاهرية ) وفي نفس الوقت يظهر مصحف مفتوح لا يغطيه التراب بالقرب من معدات تصويره . يقبّل الشاب يد أمه قبل انصرافه لممارسته هوايته ، يساعد كفيفاً في عبور الشارع ، ويؤم في الصلاة أطفالاً متعددي الأعراق يمثلون ثراء الإسلام بل ويداعبهم ( رموز تطبيقية لصفات المصطفى صلى الله عليه وسلم ) . أي أن " الكليب " لا يهدف فقط إلى التغني بالشمائل المحمدية ، بل إلى تطبيقها وفوق ذلك قهر الأنماط الجائرة التي كانت تطوقها . بل إن " الكليب " يذهب إلى درجة من الترميز أبعد وأعمق من ذلك ، فقبيل نهاية " الكليب " يذهب الشاب وقد جمع حطباً وأشعل ناراً ليقوم بتصويرها قبل أن يفلت نظره ضياء جاء من الأفق يختبئ خلف الجبال ، عندها يصعد الشاب الجبل  ليجد هيكلاً مضيئاً يلوح في الأفق ( وهذا الهيكل المضيء يظهر على غلاف القرص المدمج للألبوم الذي يحتوي سبع أناشيد أخرى بخلاف المعلّم ) وهـذا رمز عميق جداً ، فالهيكل قد يكون مجرد لوحة إعلانية من النيون أو مبنى ً عادياً تزينه الأنوار برز من بعيد ، لكن " الكليب " يفلسف المسألة ويعرض الهيكل على أنها النور الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم الذي إلى البشرية ، وهنا تظهر مرة أخرى الرسالة اللاواعية بعدم التعارض بين ما هو حديث ( الجسم المادي ، إعلان النيون المحتمل مثلاً ، وبين التدين ( إسقاط ضياء الدين في مظاهر حياتنا ) . كما أن هذا الضياء كان أكثر إلفاتاً من النار التي أوقدها ، مما يشي بأن كل ما تنجزه أيدينا على روعته نور موقد مقلد ، وما يأتي من الله ونبيه ضياء محكم ، ولا يخفى علينا الفرق بين النور والضياء : فالضياء ذاتي والنور مكتسب مستمد كما نعلم من نصل الآية الكريمة ( هُوَ الّذي جَعَلَ الشّمسَ ضِيَاء والقَمَرَ نُوراً ) ( يونس 5 ) ، هنا يوّجه الشاب عدسته إلى الضياء ، يبتسم ، ثم يعود لمعمله ويضيف صورة الهيكل السراجي فوق بقية ما اجترحته عيناه . عندما تؤمن بالضياء ، فإنك حتماً سوف تراه ، حتى إنك قد تلتقطت صورة أيضاً !

الساميوسفية : ابحث عنها في المعجم !

       عن المستقبل ؟ أرى اسم سامي يوسف مُدخَلاً في الموسوعات والمعاجم المتعلقة بالفنون الأدائية كمبدع فني لا كمطرب أو ملحن وحسب . وسنجد كل  السـاميوسفية  قد صارت تعبيراً عن نمط فـي الأداء تطـور ونتج من فيديو كليب ( المعلّم ) ، ولن يكون من المستغرب أن نسمع عبارة مثل ( ينتمي هذا النشيد إلى المدرسة الساميوسفية ) . وإلى أن يحين هذا اليوم ، أصيخوا السمع لما يقوله سامي . أوه ! ولا تنسوا أن ترفعوا أيديكم بالقول : ( سامي ، جزاك الله خير الجزاء ) .

نشرت المقالة في مجلة الاتحاد الصادرة عن الاتحاد الوطني لطلبة الكويت ، عدد شهر يونيو 2005 ، صفحة 39 .