المنشد الكبير أبو مازن

المنشد الكبير أبو مازن

في مقابلة لأول مرة


أجرى الحوار : د. أكرم رضا

قال لي :
- أنا من مواليد 1952م.
نظرت إليه نظرة تعجب وتساؤل ، فابتسم ..
ولولا شعيرات بيضاء في رأسه ما صَدَّقت ..
شابٌ يتوقَّد حماسًا ، تتضح في ملامحه تلك السمات الشامية ؛ البشرة البيضاء ، والوجه المثلث ، والأنف المُدَبَّب ..
ليس بالطويل ولا القصير ، معتدل القامة ، رياضي الجسم .. في الخمسين من عمره .
هذا هو المهندس ( رضوان ) الذي عرفه الشباب المسلم في أوائل الثمانينات باسم ( أبو مازن ) واشتهر الاسم وتردَّد مع درَرِ الشعر العربي التي غَنَّاها على شرائطه التسعة ، والمشهورة باسم (أناشيد أبي مازن).
قلت له :
ـ ملحمة الدعوة ، قصة شهيد ، أخي أنت حر ، آنست نور الله …
متى تَمَّ إنتاج هذه المجموعة ؟
قال :
- في الثانوية ، انتهت هذه المجموعة بالكامل في عام 1970م.
قلتُ وأنا أخفي دهشتي :
- كان عندك ثماني عشرة سنة ؟!
قال في ابتسامة يملؤها الخجل :
- نعم ، تقريبًا.
- ومنذ أكثر من ثلاثين عامًا لم تسجِّل أي أناشيد ؟!!
- مرت بنا ظروف صعبة ، وداهمتنا مِحَنٌ شديدة أثَّرت على نشاط المساجد كلها. نسأل الله الثبات .
قلت له : آمين .
ونظرت إليه أستزيد ، فقال :
- جمعتُ كلَّ الكتب التي احتوت على الأشعار ، ووضعتها في مكان من بيتي .. كنت أعتبرها كنـزي الثمين ، وكان يعتبرها النظام حينئذ ممنوعات .. تصوَّر ؛ بنيت عليها جدارًا مِنَ الأحجار لأخفيها .
رأيت الأسف في عينه وهو يقول :
- ثُمَّ باع أهلي البيت ، وهدموا المكان ، ووجدوا الكتب فوزعوها في أماكن متفرقة .
- فقلت : كان هذا في عام …
قال: 1980 م .
- وعمرك عندها حوالي ثمانية وعشرين عامًا .
عشر سنين محنة ، ثُمَّ منذ الثمانينات وحتى اليوم اثنين وعشرين عامًا.. أين أبو مازن المنشد ؟
ـ لم أكن أدري مصير هذه الشرائط ، ولم أكن أعلم أنها انتشرت على مستوى كبير هكذا إلا منذ سنتين ، وحمدتُ الله أن الصوت وصل إلى الناس .
ابتسمت معاتبًا على هروبه من سؤالي ، فقال في حياء شديد :
- لم أشأ أن أسجل أناشيد ليقال : إن هذا أبو مازن ..
كنا نسجل الأناشيد كنوع من التربية ؛ كان هناك برنامج ومنهج لتربية الشباب في هذا الوقت ، والنشيد جزء منه ، ولَمَّا ابتعدنا لم يكن هناك داع ، وشعرت أنني لو سجلت مرة أخرى فإنه لا نِيَّةَ لي .
قلت في دهشة :
ـ لا نية لك ؟!! ولمدة اثنين وعشرين عامًا لم تجد فيها نية ؟!
ـ وجدتها منذ سنتين عندما عرض عليَّ بعضُ الشباب أن أنشد قصيدة عن القدس .. ولحنتها وأنشدتها.
- شعرت بأنه غير سعيد بالحديث عن هذا الماضي ، وكان حريصًا كلَّ الحرص على ألا يظهر كما نراه نحن أو كما نعلم عنه ... كان كثير الحديث عن النية والشهرة وضياع الأجر.
- في أول حديثي معه كان ممتنعًا بشدة ، وقال في انفعال هادئ :
ـ ما الفائدة من عمل حوار أو حديث معي ، والسؤال عن اسمي وعائلتي ، وعدد أولادي ،
وابتسم وهو يقول : وماذا آكل ، وماذا أشرب ؟!
شاركته الابتسام ، ولكنه عاد إلى انفعاله وقال :
- أظن لا فائدة ، المهم أن هناك صوت بين الناس .. الشرائط تكفي ... ولا داعي أن تضيع أجورُ أعمالنا .
شاركته انفعاله رافضًا وجهة نظره ، وقلت :
ـ يا أستاذي : أنتَ لستَ مِلكَ نفسك الآن ، أنت رائد الأنشودة الإسلامية ، لقد كانت شرائط أبي مازن أول ما سمعنا كتجربة وُلِدَتْ عملاقة .
قاطعني :
ـ لم أكن الأول ، أنا سمعت أناشيد ومنشدين قبلي ..
أردت أن أقاطعه ، ولكنه لم يعطني الفرصة .
ـ قد تكون شرائطي أكثر حَظًّا في الانتشار ، المهم أنها موجودة الآن بين أيديكم..
قلت له :
ـ هل ترضيك تلك الأساطير التي نُسِجَتْ حولك ؟! ما من أحد يعلم أنك حي إلا ويفتح فمه دهشة .
عاد إلى هدوئه وقال :
ـ لا يرضيني هذا ، ولا ترضيني الدعاية التي لا داعي لها .
قلت له :
- تتميز شرائط أبي مازن وأناشيده بالانتقاء الجيد للكلمات ، وكثير من أساتذتنا ما كنا نعرف شعرهم إلا بعد أن سمعناه في شرائط أبي مازن.. ( مسلمون ) للشيخ يوسف القرضاوي ، ( الصين لنا ) لمحمد إقبال ، ( أخي أنت حر ) لسيد قطب ، وهاشم الرفاعي ، ويوسف العظم ، ومصطفى حمام ، وغيرهم ..
قال :
- كنت أنتقي من المجلات الدورية التي كانت تصدر في العالم الإسلامي وتصل إلينا ، وكانت هناك مجلة لبنانية ، الحقيقة كانت أكبر زاد لي ، ثم بدأت أفتح كتب الشعر وأنتقي منها ..
وكانت هناك قصائد جميلة ولكن وقفتْ أمامي عند التلحين فأجلتها بعض الوقت .
ـ والشيخ إبراهيم عزت رحمه الله ؟
وكأني نثرتُ عليه نفحة من عطر ، عندما برقت عيناه بشدة وهو ينظر إليَّ في عاطفة لم أجدها منه منذ بداية لقائنا .
قال :
- تصوَّر .. لم أكن أعلم اسمه ، ولا أعرف أنه شيخ وخطيب إلا منذ سنتين .
شاركته عاطفته وقلت :
- العجيب أن الناس لا يعرفون – أيضًا - أن تلك القصائد الجميلة التي تناثرت في شرائطك التسعة هي من تأليف الشيخ إبراهيم عزت ، وعلى رأسها تلك الروائع: ( ملحمة الدعوة ) و ( اليوم عيد ) و ( مصعب بن عمير ) و ( حبيـبتي بلادي ) .
قال :
ـ و( الله أكبر )
قلت :
ـ ما أروعه وهو يُدَوِّي بها قائلاً :
الله أكبر بسم الله مجراها
الله أكبر بالتَّقـوى سنرسـيهــــا
الله أكبر قولوها بلا وَجَلٍ
زيِّنوا القلبَ مِن مغزى معـانيهــــا
وأخذ أبو مازن يردد معي :
إن لم نردها لدين الله عاصفة
سندفع العِرْضُ بعد الأرضِ نعطيها
قام من مقعده ، ومَدَّ يده ليخرج كتابًا صغير الحجم مصوَّرًا ، وأعطاه لي وقال :
- هذا ديوانه.
قرأت على الغلاف ( حبيبتي بلادي ) شعر إبراهيم عزت سليمان .
نظرت إليه متسائلاً ، فأنا أعلم أن ديوان الشيخ إبراهيم اسمه ( الله أكبر ).
قال وكأنه قرأ سؤالي في عيني :
ـ لقد اجتهد مَنْ صوَّروه ووضعوا على غلافه عنوان : (حبيبتي بلادي ) اسمه الذي اختاره له الشيخ هو (الله أكبر).
قلت وكأنني أهادي :
- عندي كتاب باسم ( الشيخ إبراهيم عزت حياته وشعره ) تأليف د. حسن عبد السلام ، أخذته من أسرة الشيخ - رحمه الله - وشريط فيديو مسجل لحلقات تليفزيونية له ، وأكثر من ثلاثمائة شريط لخطب الجمعة التي كان يلقيها بمسجد أنس بن مالك بالمهندسين بالجيزة .
نظر إليَّ وكان عندي أكبر مِنْ أَنْ يطلب ..
فقلت بسرعة :
- سوف أحضر كل ذلك لك .
قال وقد دَبَّ النشاط به:
ـ كنت أنوي غناء كل قصائد الديوان ، الحقيقية لقد أوجد إبراهيم عزت عندي عقدة ؛ فلم أعد أتذوق الكثير من الشعر بسبب قراءتي وحبي لشعره .
وكأني تعلقت بشعاع أمل ، فقلت له بسرعة :
ـ إذا فسنسمع لأبي مازن أناشيد جديدة .
قال مبتسمًا :
ـ هناك فكرة إعادة الشرائط التسعة بإمكانيات أفضل ؛ فأنا استمعت إليها ووجدت فيها مشاكل كثيرة ..
ولم أعلم معنى ابتسامته إلا حين قال :
- كنا نسجِّل بإمكانيات بسيطة جدًّا ، وكان الشريط عندما يخرج يسجل هذا نسخة وهذا نسخة مِنْ نسخة ، وفي كل مرحلة يضعف التسجيل فيها ، حتى أصبح ضعيفًا جدًّا ، ونفكر الآن في أن نعيد الشرائط مرة أخرى .
استفزني كلامه كباحث أدواته التوثيق ، فقلت له :
ـ المهم أن لا تتغير عن القديمة .. لا صوتًا ولا لَحْنًا ولا كلمات .
قال في جِدِّيَّة :
ـ لا ، مجرد استخدام الوسائل الجديدة في عرض المؤثرات .
مثلاً في قصيدة ( امرأة الشهيد ) هذه الصيحات التي تتردد كانت بسيطة جدًّا .
قلت له بسرعة :
ـ وكانت مُعَبِّرة أيضًا عندما يقول الشاعر :
"هو مشهد من قصة حمراء في أرض خضيبة"…… فيرد الكورال بصيحات قوية
"صيغة وقائعها على جُدُرٍ مضرجة رهيبة" … فيرد بنفس الصيحات .
قال لي :
- هذه الصيحات مستمدة فكرتها من سيمفونية الجيش الأحمر ، والتي تعبر بشدة عن الإرهاب ، فكل ما أريده أن تخرج بإمكانيات أفضل .

قلتُ له متأسِّفاً :
- الحقيقة أن شرائط أبو مازن التسعة تعتبر تراثًا ، والذي يحفظ للتراث أصالته المحافظة عليه كما هو بلا تغيير؛ ليكون مصدرًا جيدًا لاستنباط واستلهام مَنْ سيأتي بعد ..
وما حدث في الشرائط عندما أنتجتها إحدى الشركات في ( ألبوم ) أنيق أنهم غيروا وبدلوا في الترتيب ، بل وأوجدوا شريطًا عاشرًا اسمه ( نشيد الكتائب ) وهو تجميع لأناشيد من الشرائط ، ولم يشيروا إلى ذلك ، بل وحذفوا أكثر من قصيدة ؛ مثل: أخي أنت حر ، َلَمَّا ناقشتهم كان الرد هو الترخيص.
ثم كان سؤالي الذي ينتظره الجميع :
ـ ترى هل تعود ؟ هل تعود للطريق ؟
ابتسم وهو ينظر إليَّ نظرة ذات مغزى ، وقال :
ـ عائد أنا إلى الطريق .
قلت له بجدية :
ـ ولكن عندي اعتراض ..
انتبه بشدة، فقلت :
ـ كانت القصائد - أو أقول معظمها - التي اخترتها وأنت في سن الثمانية عشر، وفي ظلال العمل الإسلامي المطارد ، الواقع تحت مقصلة المحنة كلها تُعَبِّر عن واقع أعتقد أن الدعوة الإسلامية قد عَبَرَتْه ُ، على الرغم من أن هناك بقايا محن متناثرة ..
إن ( ملحمة الدعوة ) و( قصة شهيد ) و( امرأة الشهيد ) و( لكِ اللهُ يا دعوةَ الخالدين ) وغيرها ، هي قصائد تُعَبِّر عن مرحلة زمنية ، فهل تفكر إلى جانب ذلك في نشيد يعبر عن واقعنا ، ويكون النشيد ترجمة لمفردات الدعوة في العصر الحديث .
نظر إليَّ بفهم ، ولكنه يستزيد ..
قلت له :
- مثلاً : نريد نشيد عن القيم التي يريدها الإسلام للناس ، قيم على مستوى الفرد والأسرة والجماعة ؛ قيم النظافة والنظام والعلاقات السويَّة ، قيم الأمانة واحترام الكبير، قيم حب الوطن والرغبة في عودة العزة والكرامة للمسلمين ، كل هذه القيم نريدها وأكثر .
ابتسمت وأنا أقول له :
- نريد إعلاء قيمة الحب .
فتح ديوان الشيخ إبراهيم عزت وهو ينظر إليَّ ويقول :
- كأنك قلت هذا الكلام للشيخ إبراهيم - رحمه الله - عندما كتب هذه القصيدة .. وكأني سمعته منك وأنا أختارها لألحنها وأغنيها إن شاء الله .
انتبهت بكل ذرة في جسدي وأنا أريد أن أقتنص الديوان منه ؛ لأعلم هذه القصيدة .
قال لي وهو يعطيني الديوان :
ـ قصيدة : ( خِطْبَةُ مسلم )
وأخذتُ ألْتَهِمُ الأبياتِ بعيني وأنا أسمعه كأنه يُعَلِّق على ما أقرأ ؛ قال :
- عجيبة هذه القصيدة ؛ إنه يُعَبِّر عن أحاسيسنا جميعًا في مرحلة الشباب عندما ذهبنا لخطبة فتاة لتكون زوجة لنا ، إنه قرأ كلَّ ما يدور في أحلامنا وسجلها بلفظ جميل .
بدأت أرفع صوتي بآبيات في القصيدة :
نعم ، أعشقُ الوَصْلَ بعد الرضا ... وأسبحُ في روضةٍ وأنعم
وأبدي الرَّغائِبَ مَشْبُويةً ... طواها الحبُّ فلا تُضْرَمُ

قال مقاطعاً :
- أنظر إليه يتحدث عن الغريب .. مَنْ هذا الغريب ؟
بدأت أقرأ ..
وفي الدربِ هَمْسٌ بلا تقبُّلِ الوصل ... لأنَّ الغريبَ هنا يَحْرُمُ
لأنَّا بَسَطْنَا شراعَ الضياءِ ... فَصَاحَ الجَبَابِرُ أَنِ اظلموا
ويهتفُ أنَّ باطلٌ سَعيَكُم ... فتصرخُ أصواتُهُم حَطِّمُوا
فَمَا لَكِ هِمْتِ بهذا الغريبِ .. وهل تحلمينَ بالذي يِعْزِمُ

وعدنا معًا من أَسْرِ إبراهيم عزت الشاعر الذي يهواه أبو مازن ، والشيخ الذي أُحِبُّه وأدين له بالكثير .
وقلت له :
ـ للشاعر هاشم الرفاعي قصيدة رائعة في ديوانه حول نفس المعنى ، يقول في مطلعها :
تُسَائِلُنِي مَنِ الجَانِي ... عَلَى قَلْبِي وَوِجْدَانِي
وَمَنْ مِنَّا الذي خَانَ ... عَنْ قَصْدٍ هَوَى الثَّانِي
إنها تدور حول المعاني نفسها ، وسوف أبحث عنها ؛ لأرسلها لك إن شاء الله .

وفاجأته بسؤالي مداعبًا :
ـ تُرَى كم عدد أولادك يا باشمهندس رضوان ؟
ابتسم في عتاب وقال :
- أربع بنات .
ابتسمت بشدة فنظر إليَّ متسائلاً ..
قلت له :
ـ أنا عندي ثلاث بنات ، والرابعة في الطريق إن شاء الله .
وزاد الحديث بيننا دفئًا ، ووعدني أن يستمر حوارنا من القلب وإلى القلب..
عرفته في أول الطريق ... صوتًا يأتي من قريب ... أحببته ... كان زاد المسافر وأنس الغريب...
عشرون عامًا أسمعه ولا يسمعني ، أشعر بفيض الحب يَفِيضُ في كلماته من قلبه ، فيروي قلبي :
"أحباب ديني ... إخوتي ... إخواني... إخواني
كالشمعة
تبكي وتحرق نفسها…… في لهفة للدعوة"
ثم التقينا... وفـي لحظة لم تتعدَ اللحظة كان التلاقي والحب لغة واحدة ، وهَمٌّ واحد ، وكأني أعرفه منذ عشرين سنة ، وكأنه يعرفني من حينها ...
لم تقوَ الأكف على الافتراق زمنًا وأنا أهز يده ويهز يدي ، وكان آخر ما بيننا عند الفراق ابتسامة لا يستطيع أحدٌ أن يترجِمَ ما تحمله من معاني .
قلت له : إلى اللقاء.
لم يزدْ على أن ابتسم ..
مسحتُ دمعة تساقطت على خدِّي وأنا أقود سيارتي مبتعدًا عنه ، وهو يلوِّح بكفه ، وسمعته بملأ وجداني يجلجل صوته ، وتملأ صورته بجوار صورة الشيخ إبراهيم عزت - رحمة الله عليه - كلَّ فراغ الأسى في نفسي ...

حبيبتي بلادي
نسيتُ في موائد الثناء
سيدًا يعشق الفداء
الموت عنده حياة
أحب دائماً أن تُرْفَعَ الجباه
أحب أن يراك مسجداً مقدَّساً ثَرَاه
شغلت عنه بالبريق
من سيطفئ الحريق غيره
ومن سيمسح الجراح إن جهلت سِرَّه؟
حبيبتي بلادي
قد كنتُ أصنع الكلامَ مِنْ دمي
وكنت أعزف النشيد هامسًا
لعله إلى الفؤاد ينتمي
وكنت أكتبُ الحروفَ واحدًا فواحدًا
لتقرئي .. لتفهمي
وكنتِ يا حبيبتي وكنتِ
والآن يا حبيبتي
لن أكمل الحديث
وإن بدا مُشَوَّقًا
فليس ما أريده إثارة الطَرَب
أو أن تحرِّكي الشفاه من دلائل العجب
ولن أُتِمَّ يا حبيبتي النغم
فقد رأيت ما يُحَرِّم النشيد ألف عام
فصرت كلما بدأت بالغناء
أجهشت في البكاء
أجهشت بالبكاء
حبيبتي
ولم تـزل في أفقنا بقيةٌ مِنَ الرَّجاء
حَطِّمي قيوده
لتحتمي بِسِرْبِه
لتصنعي حياتنا به
لتسمعي دعاءه .. بكاءه
يستمطر السماء زَادَه.. ونَصْرَه
ويستغيثُ رَبَّه
فحطمي قيوده...

والتفتُّ إليهما وأنا أرى دمعات سالت على وجنـتيهما ، ولكن ابتسامة من شفتي الشيخ إبراهيم عزت كأنها مسحت الدموع من عيوننا ..
وسألت أبا مازن في نفسي :
وبعد
وبعد ما رأيت ما رأيت
هل تعود للطريق ؟ .. هل تعود ؟
واهتز قلبي الذي قد هَدَّه العذابْ
أحسست رعشةً بجسمي الذي يخاف غضبةَ الكلابْ
وجاء ضعفي الكئيب جاءْ
عرفته في كلِّ لحظة مِنَ الضَّنَى قد عشتها
أَتَى يقدِّمُ الرَّجَاءْ
تعلقت عيناه بالجوابْ

يا تُرَى ، .. وبعد
هل تعود ؟… هل تعود ؟
وسمعت هتافه الدافئ وأنا أنطلق في طريقي :
"عائد أنا من حيث أتيت
عائد أنا لمسجدي
عائد إلى الصلاة والركوع والسجود
عائد إلى الطريق خلف أحمدَ الرسول
أطلق الخُطَى حزينةً في إِثْرِه
عرفت قصة الطريق كلها
وعائد أنا برغمهما
كالفجر ... كالصباح ... مُقْدِمٌ وباسم
والخطو كالرياح عاصف وعارم"
أبو مازن .. الصوت الساحر
الجزء الثاني
البدايات
د.أكرم رضا
رحماك يا رب العباد رجائي ورضاك قصدي فاستجب لي دعائي
وحماك أبغي يا إلهي راجـيًا منـك الرضــا وَجُــدْ بولائي
هكذا انساب صوت أبي مازن الخاشع في أجواء سيارتي وأنا في طريقي للقائه بعد نشر لقائي الأول معه على شبكة الإنترنت.
وبعد ذلك الحجم الهائل من رَدِّ الفعل المتوقع ، والذي سَبَّبَه ذلك الحوار؛ حيث إنه منذ أكثر من عشرين سنة كان مصير هذه الشخصية التي أثَّرت في وجدان الكثيرين مجهولا.
كنت أتمنى أن يحدثني اليوم عن البدايات .
وفي شقته الأنيقة في أحد الأحياء الجديدة في القاهرة كانت جِلْسَتُنَا التي يفضلها ؛ بعيدًا عن أجواء العمل في مصنع الصوف الذي يمتلكه قريبًا من بيته .
كان الحوار السابق بين يديه وقد انتهى من قراءته ، وقرأ تساؤلي في عيني فقال مباشرة :
- مقال يتميز بالعاطفة ، جزاك الله خيرًا .
شعرت أن كثيرًا من تردده السابق حول الحوارات واللقاءات بدأ يزول ، فقلت له مباشرة :
- رضوان خليل عنان ؟
قال:
- من مواليد دمشق 10/2/1952م حي الميدان ، ونشأت في حي المهاجرين .
قلت له :
- هل تستطيع أن تصف لي دمشق وقتها ؟
ابتسم وقال :
- وقتها وحتى الآن تشبه القاهرة القديمة ، والمسجد الأموي يقع في مركزها .
- هل سافرت إلى دمشق بعد خروجك من سوريا عام 1987م ؟
- نعم ، والحمد لله أُغْلِقَتِ الملفات تقريبًا .
قلت له في حذر :
- أريد أن أسأل عن البدايات ...
وكأنه استوعب حذري فشجعني مبتسمًا ، وقال :
- في الابتدائي كنا من رواد مسجد المرابط في حي المهاجرين ، القريب من بيت الدكتور مصطفى السباعي ، وكان يحاضر فيه الكثيرون من العلماء في تخصصات مختلفة.
قلت:
- عجيب هذا التوافق ؛ مسجد المرابط حي المهاجرين ، وكأنما ارتبطت حياتك بالهجرة والمهاجرين ، والرباط والمرابطين ، فخرجتْ في أناشيدك كلمات وألحانًا.
ابتسم وقال :
- هي الشام أرض الرباط ومنطلق الفتح ، هكذا طبيعتها التي خلقها الله عليها.
واستمر يحكي ?
د. أمين المصري
- أولى الشخصيات التي تأثرت بها خطيب المسجد ؛ الدكتور أمين المصري ، كان أستاذًا للشريعة ، وحصل على الدكتوراه من جامعة كامبردج في لندن.
كانت خطبته مميزة بالنسبة لمساجد دمشق كلها ؛ كأنه يعرض إسلامًا جديدًا ، إسلامًا حيًّا ، ليس محفوظًا في دراسة أكاديمية ، ولا مطلسمًا في شعائر غريبة عنه ? كان يعرض إسلام التغيير للحياة كلها .
- كان ذلك في أي عام ؟
- حوالي 1962م وما بعدها .
- كان سنك حوالي عشر سنوات .
- لقد اهتم بنا الشباب الأكبر مِنَّا سنًّا ؛ فكانوا يقيمون لنا نشاطًا رياضيًّا وثقافيًّا وتحفيظًا للقرآن ، وإلى جانب ذلك كانوا يعقدون لنا دروسًا مدرسية لتقويتنا ، كان شعارنا التفوق العلمي .
- وتفوقتم علميًّا ؟
- ودخلت المدرسة الثانوية القسم العلمي ، ثم كلية العلوم جامعة دمشق ، قسم الرياضيات والفيزياء .
- هل لي أن أسأل لماذا هذه الكلية وذلك القسم ؟
- لأصبح مدرسًا ؛ فالمدرس هو طريق مهم للاحتكاك بالمجتمع.
نظر لي كأنه يلقي درسًا وقال :
- لقد تربينا أن نكون دعاة .. هل تعلم ماذا يعني أن تكون داعية ؟ أن تكون مسؤولا مسؤولية كاملة عن دعوة الناس إلى الإسلام ، وأن تكون قراراتك كلها في الحياة تخدم هذه المسؤولية .
فكرة الإنشاد
ترك لي دفة الحديث ، فأردت أن أديرها إلى جهة أخرى .. قلت :
- نعود إلى الإنشاد ؛ كيف بدأ ، وما هي ظروفه ، وما هي فكرة شرائط أبي مازن ؟
قاطعني مبتسمًا ابتسامة دافئة وقال :
- كان النشاط في المسجد متعدد الجوانب كما قلت لك ؛ رحلات .. مسابقات إلى جانب ذلك كان هناك النشيد الديني ، وكانت الأناشيد حينها تسمى الموشحات ، وتدور في خطين ؛ إما المديح النبوي أو التسبيحات ، وكانت تنتشر في حفلات عقد القرآن .
أذكر من المنشدين المعروفين في ذلك الوقت سليمان داود وتوفيق المنجد.
قلت:
- وأبو راتب ، وأبو الجود ؟
- أبو راتب بعدي بزمن ، ولكن أبا الجود من سني . أنت تعلم أنه الشاعر محمد منذر سرميني.
- أأنشدتَ له قصيدة في شرائط أبي مازن؟
- نعم "رحماك يا رب العباد رجائي" .. وبعض أبيات أخرى كمقدمة لقصيدة الصلاة .
ورددت الأبيات فردد معي :
يا إلهي عبدك العاصي أتى بذنـوب هل له من توبة ؟
يطرق الأبواب يبكي ندمًا سوء أيام مضت في الخيبة
- نعم فمنذر من حلب .... حيث كانت تظلل عليهـا رياح الصوفية ..... حيث ( الحَضَرَات والذكر) وكان شعره ونشيده في البداية يدور في هذا الجو ، ثم تعرَّف على سليم زنجير وكوَّنا فرقة أبي الجود.
- سليم عبد القادر زنجير الذي جمع أشعار الفرقة في كتاب ( نشيدنا ) وكتب له مقدمة رائعة الدكتور عبد الله ناصح علوان .
- عندما تكوَّنتِ الفرقة كان سليم زنجير محيطًا بمنذر ، وكانت صداقتهما سببًا في نقل منذر من جو التصوف إلى البحث عن شعر الدعوة .
- واضح ذلك عند المقارنة بين شعر منذر الذي يميل إلى النشيد والمناجاة كما هو واضح في قصيدة رحماك ، وشعر سليم زنجير الذي يميل إلى القوة المفعمة بمعاني الجهاد ؛ يقول في قصيدة جاهد :
جاهد في الله أخيَّ
جاهد إن كنت تقيًّا

تملك آفاق الدنيا
وتلاقي الله رضيًّا

ويقول في قصيدة أنا مسلم :
أنا مسلم لن أستكين
أبدًا ولن أخشى المنونَ

على اتِّباعِ الحقِّ دومًا
أقسمتُ لله اليمينَ
 


- ومنذر أيضًا له قصائد في الجهاد ، ولكن نلاحظ ذلك في الاختيارات الأخرى التي أنشدها أبو الجود بعد ذلك .
- نعم ؛ فهناك إحدى عشرة قصيدة من التي أنشدتها أنتَ في شرائط أبي مازن أنشدها أبو الجود ، وكلها لشعراء الدعوة الإسلامية أمثال : "جدد العهد وجنبني الكلام" ، "يا رسول الله هل يرضيك أنَّا" ، "الليل ولَّى" ، "هو الحق يحشد أجناده" وغيرها .
التوجهات الفكرية
وأردت أن أدور بدفة الحديث إلى اتجاه آخر فقلت له وأنا أقلب أوراقي أمامي :
- كأن حلب ودمشق ليستا في دولة واحدة ؛ فهناك توجه صوفي في حلب ، وتوجه دعوي جهادي في دمشق على ما فهمت .
- كانت حلب أميل إلى التوجه الصوفي ، ولكن دمشق كانت متعددة المشارب ، وكان كلُّ مسجد له اتجاه .
- كان ذلك في أي عام ؟
- في الفترة الزمنية من 1970م إلى ما بعدها .
- كان عمرك حوالي ثمانية عشر عامًا وقتها ، وهو بداية التكوين الفكري .
- كان هناك اتجاه التصوف في بعض مساجد دمشق ، وكان اتجاهًا مُغْرِقًا في التعصب ، لدرجة أن المسجد الأموي كانت فيه أربعة محاريب للمذاهب الأربعة ، وكل فريضة تقام فيها أربع جماعات ، وهذا موجود إلى الآن .
وكنا في مسجد المرابط نحارب مقولة المتصوفة : ( أغلق عقلك واتبعني ) وكان لوجود الشيخ الألباني – رحمه الله- أثر كبير جدًّا ؛ حيث كان يحارب التعصب ، ويدعم تربيتنا على أن نتعصب للدليل لا للأفراد .
ثم كان هناك اتجاه ثالث وسط بين هذا الوعي وذلك التعصب ، وهذا اتجاه عامة المساجد .
- والتبليغ ؟
كانت هناك بعض الجماعات الصغيرة تأتي من باكستان . فلم يكن هذا الاتجاه منتشرًا .
- والإخوان المسلمون ؟
- كان لهم نشاط قبل محنتهم ، وذلك قبل عام 1962م ، وبعدها لم يكن لهم نشاط واضح؛ فقد كانوا في السجون ، ولم ألحق بقادتهم ؛ أمثال عصام العطار ، والمجاهدين في فلسطين .
- من الإشاعات التي كانت تتردد عنك أنك كنت عضوًا بارزًا من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في سوريا ، وكنت من المشاركين في أحداث حماة 1984م، وأنك قتلت فيها ، أو سجنت وقتلت في مذبحة ( سجن تدمر ) .
ابتسم وكأنه يعود بالزمان إلى الوراء ، أو يعود إليه وقال :
- لم يكن لي ارتباط تنظيمي مع الإخوان، ولكن لا أنكر تأثري الفكري بمنهجهم المنضبط من خلال التربية الأولى في مسجد المرابط ، ووجود الدكتور مصطفى السباعي والدكتور أمين المصري .
ميلاد الشرائط
وشـعرت أن دفة الحديث اتجهت نحو نقاط ساخنة ، فأردت أن أؤجل الحديث عنها ، فقلت بعد لحظة سكون :
- نعود إلى الإنشاد والبداية .
قال موافقًا على نقل دفة الحديث :
- البداية كما قلت من قبل في المسجد ؛ كنا نشارك في بعض الأناشيد حتى رشحني بعض الأخوة لأنشد بمفردي ، وكان لي صديق ونحن في الصف الأول الثانوي فأحضر آلة تسجيل – وكانت تلك الأجهزة نادرة في تلك الأيام - فشجعني أن أسجل في حجرة مغلقة ، وكان أول نشيد ( أخي أنت حر ) لسيد قطب .
ولم نسجل النشيد كله ؛ فقد سجلت مذهبًا و( كوبليه ) واحد ، واحتفظنا به ، ولاحظت أنه بدأ يتداول ، فأعطانا ذلك حافزًا قويًّا ، وكبر الموضوع .
وأحضرنا آلة تسجيل ( بَكَر ) كبيرة ، وجمعنا الكورال من الأخوة في المسجد حتى تمت القصائد ، ثم تم تقسيمها ، فخرجت في تسعة شرائط .
- هل كان هناك نظام محدد للتقسيم ؟ موضوعي مثلا.
- لا ؛ ولكن بعد أن انتهينا من الأناشيد كلها قسمناها على الكاسيت فأصبحت تسعة .
- في كم سنة استغرق تسجيل التسعة شرائط ؟
- من سنتين إلى ثلاثة.
- أي بدأتَ في الصف الأول الثانوي وتوقفت عند دخول الجامعة ؟
أليس شيئًا عجيبًا أن تأخذ تجربة شباب في سن الخامسة عشر إلى الثامنة عشر هذا الحجم الواسع من التأثير في محيط الدعوة ، مع روعة الكلمات والألحان ؟!!
- قل : بتوفيق الله تعالى ، إلى جانب العمل الجاد .
- والإخلاص .
- اسأل الله أن نكون كذلك.
- كلمات بمثل هذا الانتقاء ، وألحان بمثل هذه الروعة ، ولم تكونوا متخصصين ؟!!
- كيف كنت تختار الكلمات ، وهل نظمت الشعر ؟
- بداية أنا كنت قارئ شعر جيد ، ولم أكن أنظم الشعر ، فكنت أتذوق الكلمات ؛ مثل ا: قصيدة ( مسلمون ) للشيخ القرضاوي كانت منشورة في عدد من أعداد مجلة العربي ، وكتبها أحد الإخوة على سبورة مسجد المرابط ، وفي صلاة المغرب قرأتها ، فلحَّنـتها وسجلتها .
وقصيدة ( الصين لنا ) لمحمد إقبال كان الإخوة يعلمونا إياها كشعر ، وكنا نعرفها جيدًا فلحنتها وسجلتها .
وبعد حصولي على ديوان ( الله أكبر ) للشيخ إبراهيم عزت لم أسجل لشاعر آخر.
قلت مبتسمًا :
- نعم ؛ أخبرتنا في اللقاء السابق أنك عندك عقدة تذوق لأي شعر بعد شعر إبراهيم عزت .
- لقد شعرت أن هذا الرجل يكتب ما لو كنت شاعرًا لكتبته.
- لنا لقاء خاص حول إبراهيم عزت إن شاء الله.
- يا ليت .
- وجودت سعيد ، وأمين المصري ، وهؤلاء الذين أثروا في مسيرتك الفكرية سنعود للحديث عنهم إن شاء الله.
ولكن نعود إلي النشيد ؛ هـذا بالنسبة للكلمات ، وبالنسبة للألحان ؛ هل لحن لك أحد ؟
- لا؛ معظم القصائد لحنتها بنفسي.
- ولكن بعض القصائد التي أنشدتها كانت أناشيد يرددها رجال الدعوة، وجوالة الدعوة في الأربعينات في مصر؛ مثل: "هو الحق يحشد أجناده"، "يا رسول الله هل يرضيك أنَّا"، "في حماك ربنا"، وغيرها. ألم تصلك ألحان هذه الأناشيد وتأثرت بها؟
- قليل جدًّا ؛ مثل: نشـيد ( العلا إن العلا ) سمعت لحنه من الدكتور أمين المصري ، وأخذت 80% من هذا اللحن ، وقصيدة مثل: ( يا رسول الله هل يرضيك أنَّا ) تأخر لحنها جدًّا وأجلتها كثيرًا ؛ لأن بحرها كان صعبًا جدًّا .. كنت أفكر أن ألحنها على لحن نشيد الجزائر الوطني .
سمعت نشيد ( مسلمون ) يومًا يردده الشباب ، وكان الشيخ يوسف القرضاوي يردده معهم ونحن في الجامعة ، فكان لحنه هو ما لحنته أنت ، بل وكثير من أناشيدك أعيد تلحينها ، ولكن يشعر المستمع أن الأفضل أن تظلَّ كما لَحَّنَهَا أبو مازن .
- هذا من فضل الله .
- ما هي مشروعاتك القادمة إن شاء الله ؟
- كنت أنوي تلحين بقية ديوان الشيخ إبراهيم عزت ، وأعمل فيه هذه الأيام .
كان الوقت كأبيات قصيدة جميلة ، وسرعان ما انتهى كأنغام نشيد عذب يحلو تكراره .
ولكن حان الفراق إلى لقاء ، وكان آخر سؤال وجهته له وأنا أبتسم :
- وكيف لُقِّبَ المهندس رضوان بأبي مازن ؟
قال وهو يبادلني الابتسام :
- هكذا أهل الشام يحبون الألقاب ، وكان هذا لقبي من صغري .
قلت مداعبًا :
- ورزقت بأربع بنات وبقي ( مازن ).
قال:
- وكان عندنا مازن ، ولكنه توفي صغيرًا ، كان تؤمًا لابنتي الصغيرة ، وأشار إلى ابنته الرقيقة ذات السبع سنوات التي جاءت لترحب بنا .
وانطلقت على وعد بلقاء ، ولا زال صوته الدافئ يترد في مسامعي :
حبيبتي بلادي ?
وكلهم بالأمس كان في الهوا متيَّمًا
وأين هم في ليلك الحزين يا بلادي ؟
وأين يا حبيبتي غناء شاعرك
قد سال بحره منغَّمًا مِنْ بسمتك؟
وأين يا حبيبتي يمين عاشق
أتاك يسبق الرياح كي يرى بجانبك
الرعب يسبق الخطى لخصمه ،
وألف سهم للصدور تفتدى بسهمه
وحفنة الرمال من يديه
تملأ العيون بالعمى
وسيفه بريقها صواعق
ستحفظ الحمى
ستحفظ الحمى
ستحفظ الحمى ?
وحانت مِني التفاتة إلى الخلف حيث هو ، فوجدت ابتسامته لا زالت تملأ وجهه ،
وانطلقت بسيارتي وصوته ظل يجوب أجواءها :
انشر ضياءك مشرقًا متألقًا يا أخي
متلألئ القَسَمَاتِ حلو المَبْسَمِ
وابعث نداءك عاليًا وأقرع به
سمعَ الغُفَاةِ الغافلين النُّوَّم
فنداؤك العلوي يخلق هِزَّة
بمسامع الصَّخرِ الأصمِّ الأبكم