الفنّاناتُ الكرديات شموعٌ احترقتْ
لتنيرَ دروب الفنّ الكرديّ- الشّمعة السّابعة-كولا كشه
نارين عمر
[email protected]
(كولا أرمني:
Gula Keşe, Gula Ermenî)
التّاريخُ الكرديّ برمته ما زال يخفي في أحشائه عشرات المبدعين والمتميّزين في كلّ
حقول الحياةِ وحدائقها, وكون الفنّ جزءٌ هامّ من هذا التّاريخ فإنّه يفاجئنا بين
الحين والحين بأسماءِ مغنين ومطربين كانوا يُعتبرون في العصور التي عاشوا فيها
أساطين الغناءِ والفنّ الكرديين.ولأنّ تاريخ كلّ الشّعوب ما يزالُ يظلمُ المرأة
فإنّ تاريخ الفنّ الكردي ظلمها كثيراً إذ ما يزالُ يتسترُ على أسماءِ العديد منهنّ
ممّن كانت تشكّلُ علامة بارزة في سماءِ الغناءِ الكرديّ, ومنهنّ(Gula
Ermenî*)أو(Gula
Keşe)
التي كانت تُعتبر إحدى الفنّانات الكرديات المميّزات في تاريخ الفنّ الكرديّ في
القرن التّاسع عشر الميلادي, وقد تأتتْ لها الشّهرة وحضنها المجدُ أنّها عاصرت شيخ
الفنّانين الكرد ( كما راقَ للبعض أن يسمّيه*) عفدالى زينكى ومن ثمّ اقترنت به
جسدياً وروحياً وأصبحتْ زوجته.
يُقال إنّ عفدال ذهبَ إلى إحدى قرى الأرمن ليحيي فيها حفلة عرس, وبينا هو منسجمٌ في
غنائه لمحتْ عيناه فتاة جميلة تقودُ حلقة الدّبكة, فيقعُ في حبّها من النّظرةِ
الأولى, وبعد الانتهاء من مراسم الحفلة, يذهبُ عفدال إلى صاحب الحفلة ويقول له:
جئتُ إليكم وأنا سليمٌ معافى وبكلّ قواي العقلية, ولكنّني حين لمحتُ هذه الفتاة
رحلتُ إلى عالم آخر, والله لن أرحلَ من هنا إلى بعد أن تطلبها لي من أهلها, ويُقال
إنّ الرّجل يذهبُ إلى أهلها ولكنّهم لا يوافقون على طلبِ عفدال لأنّها كانت مخطوبة
لرجل آخر, لكنّه لا ييأسُ من هذا الرّفض لأنّه على قناعةٍ تامّة أنّه يستطيع بصوته
الذي يهدّ الجبال أن يتسلّلَ إلى قلبها ويدغدغَ مشاعرها وأحاسيسها مهما طال
الزّمن.
تحققتْ نبوءة عفدال ورقّ له قلبها في تلك الّليلة الحميمية التي أنشدَ فيها عفدال
ما طاب له من أغاني العشق والهيام ومن ثمّ تشاركه
Gulê
الغناء والطّرب, فيلحظ على الفور أنّها وقعتْ في غرامه, ما يدعوه إلى خطبتها من
جديد فتوافقُ على الفور ليقترنا كزوجين, حبيبين, عاشقين.
عاشتْ فنّانتنا أيّاماً جميلة مع حبيبها وزوجها عفدال ويُقال إنّها أنجبت منه ولداً
كان يسمّى (تمو), لكنّ الدّهرَ المتقلّبَ والغدّارَ أصدرَ فرمانه الظّالم عليهما,
حين حرمهما من وليّ نعمتهما ( طاهر خان) الذي غضبَ عليه العثمانيون ونفوه مع عائلته
إلى استنبول, ولكنّ المصيبة الأكبر عليهما كانت إصابة عفدال بالعمى, ثمّ تناوبت
عليهما المحن والمصائب.
يقالُ إنّها كانت تمتلكُ صوتاً جميلاً ومقدرة كبيرة على الغناءِ لساعاتٍ طويلة دون
أن تبديَ تعباً أو إرهاقاً, وكانت تجيدُ معظمَ أنواع الغناء الكرديّ, كما كانت
تمتلكُ حضوراً متميّزاً من خلال شخصيتها القويّة والمرنةِ في الوقتِ نفسه, تتعاملُ
مع المحيطين بها بلطفٍ وحكمةٍ لذلك حظيتْ مكانة متميّزة في عصرها.
على الرّغم من بحثي الحثيثِ عنها لم أتمكن إلا من جمع هذه المعلوماتِ المتواضعة
عنها, ولكنّي لم أفلح في معرفةِِ تاريخ ميلادها ووفاتها تحديداً, ولكن وكونها كانت
زوجة عفدال وعاصرته نستطيع أن نحدّدَ الفترة التي عاشتْ فيها بشكل تقريبيّ.
إذا كان عفدال وبحسبِ ما روي عنه واستناداً إلى ما قاله حفيده ( عمر زينكى) كان ولد
في بداية عام /1800/ ومات في عام /1913/ فيُفترض أن تكون هي كذلك ولدت في القرن
التاسع عشر وربّما ماتت فيه أيضاً, لأنّ عفدال عاشَ عمراً مديداً ولم تذكر أيّة
مصادر أنّها عاشت العمر المديد, ما يؤكّد ذلك ما أورده المبدع الخالد محمد أوزون في
روايته عن أنّ عفدال حين التقى بـ (Gulê)
كان قد تجاوز الثلاثين عاماً وهي كان عمرها بين/14-15/ عاماً, وكانت تعيشُ وبحسبِ
المصدر السّابق في بلدة خامورى(Xamûrê).
*-ملاحظة1:
كلّ المصادر التي اطلعتُ عليها والتي تناولت حياة هذه الفنّانة كانت مقتبسة من
رواية الكاتب الكرديّ الخالد محمد أوزون:
يومٌ من أيّام عفدالى زينكى: .(
Zeynikê
Rojek ji rojên Evdalê)
لذلك اكتفيتُ بذكر اسم المصدر الأوّل مع تقديم الشّكر لكلّ مَنْ تناولَ هذا الموضوع
واهتم به وأفادني في جمع هذه المعلوماتِ عنها.
*-ملاحظة2:
المصادر التي اطلعتُ عليها تناولتْ بالإجماع حياة (عفدال), ولم أجد مصدراً واحداً
مخصّصاً للحديث عن هذه الفنّانة التي سلبت بجمال شكلها وروحها وجمال صوتها عقل وقلب
عفدال.