أناشـيد الحب والغـزل
أناشـيد الحب والغـزل
وموقف الإسلام منها
|
نجدت لاطـة [email protected] |
إن الذي دعاني إلى الكتابة في هذا الموضوع خلو حياة المسلم المتديّن المعاصر من شعر الحب والغزل، وهو ينفر منه باعتباره عيباً أو رذيلة أو حراماً أو شيئاً لا يليق بحياة التديَن. وهو ينفر نفوراً أشد من عاطفة الحب التي تعلق بالنفوس حين يعجب بامرأة، ويعتبر هذه العاطفة حراماً قطعاً.
وأدى نفور المتدين من شعر الحب والغزل إلى ابتعاد الشعراء المتدينين عنه، وبالتالي ابتعد المنشدون عن هذا النوع من الشعر. وخلت الصحف والمجلات الإسلامية من قصائد الحب الغزل إلى درجة أن مجلة (الأدب الإسلامي) ترفض نشر قصيدة غزلية على صفحاتها, والمتتبع لها يجد صحة ذلك.
فما موقف الإسلام من شعر الحب والغزل ؟ وهل خلت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته منه ؟ وهل ابتعد شعراء الصحابة وعلى رأسهم حسان بن ثابت عن الكتابة فيه ؟ وقبل الإجابة على هذه الأسئلة أتحدث عن الحب وموقف الإسلام منه كمدخل إلى موضوعنا.
يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه (من الفكر والقلب) ـ فصل الدين والحب ـ: (الحب هو من جملة الانفعالات القسرية التي لا سلطان عليها) أي أن الحب يدخل إلى قلب الإنسان دون إرادة صاحبه ، فلا يملك أن يمنعه من الدخول إلى قلبه, أو أن يجلبه إليه متى شاء. ومن هنا جاء دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم : (اللهم لا تؤاخذني فيما لا أملك)، وكان يعني ميل قلبه صلى الله عليه وسلم إلى عائشة رضي الله عنها أكثر من بقية نسائه. بمعنى أنه حين يعلق قلب الإنسان بامرأة لا يأتي الإسلام ويقول له : يجب عليك أن تُخرج هذا الحب من قلبك. وإنما يضع الإسلام أمامه المنهي عنه في قضايا التعامل مع المرأة مثل النهي عن النظر والمصافحة والخلوة وما هو أكثر من ذلك.. وفي المقابل يفسح المجال له في الزواج ممن أحب .
وبما أن الزواج هو الثمرة الطبيعية للحب فإن المسلم الذي يقع في حب امرأة يسعى للزواج منها، وإذا كان لا يستطيع ذلك لسبب من الأسباب فعليه بالصبر. أما ما يفعله المتفلتون من تعاليم الإسلام من إقامة علاقات غرامية ولقاءات وخلوات واللعب على بنات الناس بدعوى الحب فهذا مما حرّمه الشرع.
فالحب لا يدخل في دائرتي الحلال والحرام، فلا نستطيع أن نقول أن الحب حلال أو أن الحب حرام. ولكن إن وقع المسلم في الحب فعليه الالتزام بتعاليم الإسلام الخاصة بتعامل الرجل مع المرأة .
والحب عاطفة من العواطف الإنسانية الموجودة في الإنسان كالحزن والفرح والغضب وغيرها.. وعلى المسلم أن يهذّب هذه العاطفة ويوجّهها الوجهة الصحيحة التي تتفق مع الشرع.
والمسلمون في العصور السابقة لم ينظروا إلى عاطفة الحب كما ينظر إليها المسلم المتديّن اليوم، فعلى سبيل المثال ألّف ابن حزم ـ وهو من الأئمة المجتهدين ـ كتاباً عن الحب وسماه (طوق الحمامة في الأُلفة والأُلاف)، وألّف ابن القيم الجوزية كتاباً آخر عن الحب واسمه (روضة المحبين ونزهة المشتاقين) وهذان الكتابان يتناولان الحب ودواعيه والشوق والوصال والهجران وكل مفردات الحب ومعانيه.
وفي العصر الحديث كتب الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ـ وهو فقيه ومفكر إسلامي مشهور ـ قصة اسمها (ممّو زين) وهي عبارة عن قصة حب، المحب اسمه (ممّو) والحبيبة اسمها (زين) وتُعدّ هذه القصة من روائع الأدب الإسلامي المعاصر .
ومما يُروى في زمن التابعين أن العابد عبد الرحمن بن عبد الله المكي ـ وهو من رجال مسلم ـ الذي اشتهر بلقب (القس) لشدة عبادته، أنه أحب الجارية المغنية (سلامة). لكن هذا الحب لم يُوقعه في المحرمات، بل حدث العكس من ذلك فقد قدّم أُنموذجاً رائعاً للمؤمن الذي يقع في الحب دون أن يقع في المحرمات. وهو لم يستطع الزواج منها، وإنما صبر واحتسب وأرجأ وصالها إلى يوم القيامة، مستدلاً بقول الله تعالى الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) الزخرف آية 67. وقد قال أحد الشعراء على لسانه :
قالوا أحب القسُّ كأنما لم يدر قلبي الهوى يـا قومُ إني بشر مثلكم لـي كبد تهفوا كأكبادكم |
سلاّمة
|
وهو التقي الناسك الطاهرُ إلا الغوي الفاتك الفاجرُ وفاطري ربكم الفاطرُ ولـي فؤاد مثلكم شاعرُ |
بـانـت سـعاد فقلبي اليوم ومـا سـعـاد غداة البين إذ رحلوا تجلوا عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت هـيـفـاء مـقبلـةً عجزاء مدبرةً |
متبولُ
|
مـتـيّـمٌ إثـرها لـم يُفدَ إلا أغـن غضيض الطرف مكحولُ كـأنـه مـنـهلٌ بالـراح معلولُ لا يُـشـتكى منها قصر ولا طولُ |
مكبولُ
أتـيناكـم ولولا الحبة السمراء ولولا الذهب الأحمر |
أتيناكـم
|
فـحـيونا مـا حـللنا بواديكم مـا سمنت عذاريكم |
نحييكـم