الجزء الثاني من قصص رمضان 2007

رافع خيري حلبي

دالية الكرمل بلد النور - حيفا

استمراراً لأحداث الجزء الأول من مسلسل - باب الحارة - العام الماضي 2006 أنجزالجزء الثاني بنجاح لامثيل له وتدورأحداث هذا المسلسل في مخيلة وذهن كل مشاهد واظب على متابعة كل الحلقات المثيرة الغنية بالتجديد وإبعاد الملل عن عيون وقلوب وتفكير المشاهدينإن روعة هذا المسلسل لباقة ونجاح الممثلين في تقديم الأدوار من دون استثناء ونجاح المخرج في توزيع الأدوار للممثلين ، وقد استطاع المخرج والممثلين نيل الإعجاب الكبير عند المشاهدين لأنهم استطاعوا التأثير عليهم جميعاً صغاراً في السن أم كبارا ، وبأداء ماهر أصبح المشاهد يعيش كل أحداث الحلقة وكأنه يعيش في - حارة الضبع - بكل الأمور المفرحة والمشاكل التي يواجهها المواطنين من أهالي الحارة .

عالج هذا المسلسل عدداً من القضايا الاجتماعية المؤثرة على تماسك الأسرة كخطوبة وزواج وطلاق ، وأهمية تكاتف أبناء الحي في المشاكل والصعاب ، كما تطرق لأهمية وجود - زعيم - يحكم بالعدل بين أهل الحارة ويُدير شؤونهم دون أن يغفل الكاتب والمخرج عن الأوضاع الأمنية والسياسية في حينه والتي كان يعاني منها الشرق الأوسط عامة - وحارة الضبع - خاصة .

تدور أحداث هذا المسلسل في ذهننا وكأننا نعيشها ، فأصبح كل منا يودُّ وكم يودُّ ! أن تكون هذه الأحداث حقيقة من أمرنا وحياتنا اليومية الواقعية حتى كدنا نود أن نكون أبوعصام أوأبو شهاب أوأبو حاتم أوأبوخاطرأوأبوبشير وشبابنا يتمنون أن يكونوا الشاب معتز أوعصام أوخاطرأوعبدو، وتنتقل هذه المحبة والاستلطاف والمودة والتأييد إلى الجانب النسائي في المسلسل حتى أصبحت أمهاتنا وزوجاتنا تريد وكم تريد ! أن تنتحل شخصية سعاد ـ( خانوم )ـ أوشهيرة بطيبتهم ومحبتهم وقلقهم على أسرهم وباقي أسر الحارة الكريمة وشبابها وبناتها ، ومن شدة التأثر بالأحداث المتتالية أصبحت صبايا مجتمعنا تتمنى أن تعيش حياة دلال أوجميلة بنات أبوعصام أوخيريه ابنة أبوخاطر .. هذا واستمرالتأثر بأحداث وشخصيات - باب الحارة - إلى حد كبيرحتى تعامل الناس في مجتمعنا مع الشخصيات السلبية مثل أبوغالب وأبوحكم وأبوالنار، بنوع من عدم المحبة وعدم الاحترام الأمرالذي أدى دائماً إلى فرح المشاهدين لحزن هذه الشخصيات أولإصابة أحدهم بأذى بالمقابل حزن معظم المشاهدين لحزن الشخصيات الأخرى الإيجابية مما أدى إلى فرحهم وضحكهم عند فرح هذه الشخصيات وتضامن معها المشاهدين بسبب الإخلاص والخير والوفاء والعطاء والمحبة والطيبة التي تغمر قلوبهم كما وتمسكهم بالعادات والتقاليد المتعارف عليها في شرقنا الحبيب في حينه كانت أحد الأسباب التي حثت المشاهدين إلى هذا المستوى من الدعم والتضامن مع المسلسل والممثلين على حد سواء .

لم يترك هذا المسلسل أي جانب اجتماعي بدون أن يتطرق إليه فدخل عالم أطفالنا حيث وزعت أدوار الممثلين بينهم محاولين تقليدهم في حركاتهم ومشيتهم وحديثهم ، ودارت أحداث الحلقات في ساعات الفراغ واللعب واللهو بين الأطفال في الحارات وأصبحت مدارسنا أيضاً مسارح خاصة بالطلاب من أولاد وبنات يستعرضون فيها أحداث الحلقة ، محاولين انتحال أدوار الممثلين ورأيناهم يقلدون الشاب - معتز- في كل حركاته وحديثه ولم ينسَّ الطلاب أبو شهاب أيضاً علماً أن هذه الشخصيات قيادية شبابية وللذكور فقط .

على الألسن تدور المئات من الأسئلة حول نجاح هذا المسلسل ولماذا إلى هذه الدرجة من النجاح ؟ فلم يقف أي فرد في المجتمع جانباً بل الجميع شركاء في الأحداث والحديث ، حتى تحدث كبارالشخصيات الاجتماعية والسياسية في المشرق والمغرب عن هذا المسلسل الذي جمع الصورة الحقيقية للماضي في الزمن الحاضر.. إن حاجة الإنسان في حياته للحفاظ على ما هو ثمين وقيم وغال ٍعلى قلبه وعلى ما هو قريب من روحه ويتمثل في كل ما يجيش في صدره أدت إلى هذا النجاح الباهر، حاجة المجتمع الشرق أوسطي من دون استثناء إلى تلك العادات والتقاليد من تراثنا الغالي في كل القرى الشرق أوسطية والتي نتحدث عنها ونعلمها لأبنائنا وبناتنا في معظم الأماكن أتت بهذه النتيجة الرائعة بكل المعايير والمقاييس المعروفة لفن التمثيل وقد شعرنا كمشاهدين أننا نعيش أحداث المسلسل وندخل في كل قرارات المخرج وتصرفات الممثلين وأصبحنا نتكهن ونحلم ماذا ستكون أحداث الجزء الثالث وكيف ستتطورالأمور بين الأهل والأقرباء والأنسباء والأصدقاء والجيران في حارة - الضبع- وعلاقة هذه الحارة بحارة أبو النار وباقي الحارات والأقاليم والمناطق . هذا المسلسل التاريخي إلى حدما والاجتماعي إلى أبعد الحدود بكل الأحداث بين الجيران والمجموعات والنقاشات المطولة بين الحارات صور صورة الواقع الحقيقية التي عاشها السكان في ذلك الحين وهذه الصورة متناقلة إلى كل القرى والأقاليم في الشرق الأوسط من دون تفرقة إلا أن الزمن وضع غبارالنسيان على بعض هذه العادات المشرفة الأصيلة التي ما زالت هي نبراس طريق الخير ودروب المحبة والحرية والمساواة والعطاء والتآخي بين كل أفراد المجتمع البسيط المتواضع الذي يملك الكثيرعلى الجانب الروحاني الاجتماعي والقليل في الجانب المادي ومع قلة المادة في ذلك العصر( أحداث المسلسل تدور ربما حول أحداث سنوات الثلاثينات ) إلا أنها قسِّمت بين كل أفراد المجتمع لتكون عوناً كافياً لقضاء حاجة العيش في تلك الظروف الصعبة القاسية التي نرى أن الرحمة فيها لا تأتي إلا بإلهام من عند الله عز وجل على يد أشخاص قلائل وهم أهل الخير الذين يُطوِّعون الشربإيمانهم وصبرهم على المصائب والمكائد المحاكة ضدهم باستمرار رافعين راية لامثيل لها كتب عليها الخيرينتصرفي النهاية .. فبالرغم من كل الخلافات في الرأي والمشاكل والقلاقل ينتصرالخيرعلى الشردائماً معتبرين أن الوجوه في الحياة تتغير والأهداف في عمل الخيرثابتة لمن ؟ بالنسبة للذين يريدون السير في هذه الدروب الصعبة الشائكة.

إن من أهم النجاحات التي حققها المسلسل في العالم هي نسبة مشاهدته في العالم العربي حيث شاهد المسلسل ما يقارب الثلاثمائة مليون مشاهد في كل الأعمار، وخاصة على المحطة الفضائية ـ(إم . بي .سي)ـ وهناك من شاهد المسلسل عدة مرات على كل المحطات ومواقع - الإنتر نت - وقد حصل المسلسل على نجاح كبيرأيضاً في أوساط أبناء الشعب اليهودي عند المتحدثين باللغة العربية ، وفي قريتي دالية الكرمل بلد النور، على جبل الكرمل الشامخ الأشم لم يخرج السكان من بيوتهم في ساعات المساء وخاصة ساعة بث المسلسل على المحطة الفضائية ـ(إم . بي .سي)ـ حتى كاد يُخيَّل للمارين بالقرية أنه فرض على سكان البلدة نظام منع التجول ولكن بعد ساعة بث المسلسل شهدت البلدة ازدحام واختناق في الطرقات والمحاور.

على سبيل الرأي الشخصي الخاص أقول أن هذا المسلسل القيمي والتراثي والأخلاقي حمل إلينا معاني أصيلة من تراثنا العريق وذكرنا بعصرالأباء والأجداد ، ذلك العصرالذي ولى ومضى ولكن آثاره اللامعة لاتزال كالنوريشق ظلام الليل وكأني بها محفورة في نفوسنا وعلى لوحات قلوبنا وصفحات أرواحنا وتبقى في البال وعلى الذاكرة لا تنسى حتى يزول العالم ، وما نلبث أن نرى مشهداً واحداً من مسلسل - باب الحارة - أوغيره من المسلسلات التراثية التاريخية حتى يتبادرلأذهاننا كل ما قد أنسانا إياه الزمن وانشغالنا في الحصول على لقمة العيش في هذا العصرالمُثقل بالأعباء على كاهلنا للجري والسباق وراء الحصول على المادة والمال وكل وسائل الراحة ، حاجة الناس في مجتمعنا لأمور تشغلهم عن هموم الدهر وتملأ ساعات الفراغ عندهم أدت إلى مشاهدة حلقات هذا المسلسل أكثر من ثلاثة مرات يومياً حتى أصبحت أحداث المسلسل وتصرفات الممثلين شغلهم الشاغل في كل صباح ومساء وأنا على ثقة أنه من الصعب جداً أومن قسم المستحيلات أن تُمحى أحداث مسلسل - باب الحارة - من الذاكرة والبال زمن طويل .

إن شخصيات المسلسل وتصرفاتهم الرائعة دفعت بنا جميعاً لاحترامهم ، وتقديرهم ولو استطعت أن أجعل من كل ممثلي هذا المسلسل معارف وأصدقاء لما ترددت أبداً بهذا الأمر، فالممثلين حتى أبوغالب على جانب أخلاقي كبير وتصرفات حميدة إلى أبعد الحدود حتى في حياتهم العادية خارج - حارة الضبع - واستوديوهات التصوير- وحارة أبو النار- وكأني بهم جميعاً ، أبو عصام وأسرته وأبوخاطر وأسرته وأبوحاتم وأسرته وأبوبشير وأسرته وأبوشهاب وأبو قاسم وأم زكي وأبوبدر وأسرته والسيدة فريال ، يتمتعون بصفات إنسانية رائعة ، المحبة للآخرين والتسامح والطيبة والوفاء والحفاظ على العلاقات الاجتماعية الحسنة بين الجيران والأهل والأقرباء والأصدقاء وهذه الصفات التي لا يمكن أن تترك قلوب وتصرفات الممثلين هي التي دفعت بعجلة مسلسل - باب الحارة – نحو النجاح الكبير والعظيم هذا ، فبالنجاح وإلى الأمام .. وكل الاحترام للمخرج السيد بسَّام مُلا على هذا العمل الدرامي الرائع والقيِّم الذي جذر في نفوسنا الدراما السورية وكل الاحترام لكاتبي المسلسل السيد كمال مرة والسيد أحمد فاروق ولا أنسى أن أشكر بجزيل الشكر وكل التقدير والاحترام جميع الممثلين من دون استثناء من رجال ونساء وشباب وصبايا وأطفال ، وبعونه تعالى عز وجل سنراهم جميعاً وهم في أحسن حال على شاشة التلفاز في شهر رمضان المبارك العام القادم 2008 في الجزء الثالث من مسلسل - باب الحارة - .