عثمان مصطفى ذاك النبع الصافي من ذاك الزمان الجميل واخر عناقيد الفن الجميل
الفنان عثمان مصطفى...ولد بالرميلة بالخرطوم داخل أسرة متصوفة على الطريقة القادرية، درس بخلوة الفكي موسى بالرميلة وبمسجد الشيخ دفع الله الغرقان، كان يؤدي داخلها المدائح النبوية، قبل أن ينتقل إلى مدرسة عبدالمنعم الابتدائية بالحلة الجديدة ويدرس اللغة في معهد حسين الحمامي لتدريس اللغات ثم إلى مدرسة الخرطوم القديمة، قبل الالتحاق بمعهد الموسيقى والمسرح في العام 1969م، واصل تعليمه بالقاهرة وحصل على درجة الدبلوم المتقدم (ماجستير) ثم الدكتوراة واخيراً نال درجة البروفيسور، يعتبر من الفنانين القلائل الذين يصعب تقليدهم وذلك لطبيعة صوتهم واستثنائيتهم التى جعلت بمأمن من ذلك، التقت به (السوداني) قبيل انطلاق التكريم الضخم الذى سيقام على شرفه خلال الايام المقبلة، وحاورته في العديد من النقاط، فماذا قال..؟
كيف كانت البداية الفنية؟ وماهو رأي الأسرة في أن تتجه لمجال الفن..؟
اولاً أنا من أسرة متصوفة، وكنت صاحب موهبة منذ الصغر، ففي الخلوة كنت مادحاً للمصطفى صلى الله عليه وسلم، وفي المدرسة كنت أقوم بتلحين الأناشيد في الفصل، تعلمت العزف على العود والتعامل مع الآلات الموسيقية على يد الأخوة: الفنان مصطفى الطيب والراحل الفنان يحيى عبد القادر، وقد كنت متمكناً في الرياضيات، مما ساعدني في تعلم الموسيقى.
*حدثنا عن اول مشاركة حقيقية لك فنياً..؟
أذكر أن أول مشاركة حقيقية لي، وأنا لم أصل للعشرين من عمري، كانت في افتتاح معهد الموسيقى والمسرح (بالخرطوم 2) بصحبة الفنان الكبير فهد بلال والفنانة اللبنانية صباح، وكان الرئيس الأزهري حضوراً لذلك الحفل، ومن ثم انطلقت مسيرتي الفنية، فشاركت في جميع المحافل داخلياً وخارجياً. *من هم أهم الشعراء والملحنون في مسيرتك الغنائية..؟
تغنيت للعديد من الشعراء، أذكر منهم الشاعر الكبير الراحل إسماعيل حسن أغنية (مشتاقين) من ألحان الأخ الفنان الكبير الراحل محمد وردي، كما تغنيت بألحان الموسيقار موسى محمد إبراهيم أغنية (الذكريات) التي كتبها الشاعر الكبير الجيلي محمد صالح ومن ألحان عربي قدمت أغنية (فيها إيه لو جيتنا فايت) ومن ألحان عبد اللطيف خضر أغنية (راح الميعاد) وبشير عباس لحن لي أغنية (ما بتنشتل الزهرة في الأرض اليباب) والراحل حسن بابكر (تعال يا قلبي سيبو) وعمر الشاعر (إحساس) و(قول النصيحة)، وغيرها من الأغنيات، ونلت تدريباً موسيقياً على يد الموسيقار العالمي الايطالي الشهير (مايسترلي).
*برأيك...ما هي العقبات التي تقف في طريق الأغنية السودانية وتحول بينها والانتشار عالمياً..؟
الأغنية السودانية من الأغاني المعبرة والواضحة والمتميزة جداً، ولها معجبون كثر، فأينما تغنينا في أي بقعة من بقاع العالم وجدنا جمهوراً ذواقاً للفن السوداني، وكذلك الألحان السودانية جميلة جداً وفيها كل ما يبحث عنه الإنسان من تطريب وشجن، فالسلم الخماسي يسود موسيقى شرق وشمال أفريقيا والسودان والصومال وأثيوبيا والنوبة في جنوب مصر ومنطقة السوس في جبال الأطلس الصغير والشلوح في الأطلس الكبير بالمغرب، وفي شرق آسيا الصين واليابان وفيتنام وكوريا، وقد انتقل إلى القارة الأمريكية مع الزنوج، وما ينقصنا فقط للانتشار عالمياً هو الإعلام، وهذا ما جعل المصريين يتفوقون علينا، فلديهم آلة إعلامية جبارة خدمت إنتاجهم الفني وأوصلت فنهم للعالم.
*في الفترة الأخيرة ظهرت برامج متخصصة رفدت الساحة بالعديد من الأصوات هل كان ذلك في مصلحة الفن السوداني أم خصماً عليه..؟
البرامج التلفزيونية في قنواتنا الفضائية لم تخدم انتشار الأغنية السودانية بل أثرت سلباً على ذلك لأنها قدمت الفن السوداني بصورة مشوهة، هذه البرنامج بها عدد من المتناقضات.. فهي تجمع بين أطفال وآخرين تعدوا سن الثلاثين.. ومن الناحية الفسيولوجية لا يمكن الحكم على أصوات الأطفال التي تتغير وفقاً للطبيعة البشرية، مع تقديري لكل الجهود المبذولة لإنتاج تلك البرنامج.
*بصفتك متخصصاً في مجال علم الصوت ما هو الفرق بين المغني والمطرب والمؤدي..؟
هناك فرق بين الغناء والتطريب.. فالمغني هو مغنٍّ، أما التطريب فهو مسألة نسبية، وقد قسمت علمياً إلى ثلاثة أقسام حسب ذوق المستمع: منها المستمع الذي يستمع إليك وتجده يحرك رجليه، وهذا ما يطلق عليه (بدون إحساس) والثاني من يستمع اليك بإحساسه ويتمايل جسمه طرباً وهذا النوع (الحساس) أما الثالث فهو العقلاني، وبالتالي فالمطرب يختلف عن المغني والمؤدي الذي يقوم بتوصيل الألحان والكلمات فقط.
*إلى مدى نجد أن (معرفة الأسس الموسيقية) لها تأثيرها في مسيرة الفنان وقدرته على الإبداع..؟
للموسيقى عناصر إن اجتمعت يوجد التطريب.. وهي إيقاع وأداء وصوت.. وكما ذكرت سابقاً إنها علم موزون ومنتظم الأركان.. والموسيقى حالة فطرية .. فالطفل يولد بصرخة وهذه موسيقى ونظام الكون الليل والنهار قال فيه تعالى ? لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ(40) ? سورة يس والقمر والنجوم وانتظامها كل ذلك نظام مموسق.
*نقف معك عند رؤيتك لدور الغناء كدبلوماسية شعبية..؟
الغناء عبارة عن رسالة، وهو يجمع بين الشعوب، وهو ملهم.. وأذكر أنه كانت هنالك مشكلة حدودية بين السودان وتشاد وذهبت برفقة اللواء إبراهيم نايل إيدام وكان معي من الفنانين كابلي وعبدالقادر سالم وسمية حسن والراحل سيد خليفة وفريق المريخ، ذهبنا وقابلنا رئيس تشاد آنذاك حسين هبري، وببداية الاجتماع قال الرئيس التشادي لإبراهيم (إنت جايب لي أحسن الفنانين وأفضل فريق كرة قدم خليت شنو.. اعتبر المشكلة اتحلت)، وقد كانت زوجة الرئيس التشادي محبة جداً للغناء السوداني، وكذلك الشعب التشادي، فأقاموا حفلة في الأستاد تكريماً لنا، غنينا فيها وحضرها عشرات الآلاف من التشاديين. *في كلمات مختصرة.. ماذا تقول عن اتحاد المهن الموسيقية..؟
هنالك مجهود مقدر يبذل من الأخ/ الدكتور محمد سيف، ولكن (اليد الواحدة لا تصفق)، وبالتالي يحتاج الاتحاد لعمل من بقية أعضاء مجلس الإدارة والمجلس التنفيذي، ومن الضرورة تفعيل الاستثمارات، لدينا كثير من المقدرات التي يمكن أن تجذب مستثمرين ليعود ريعها لخدمة الأعضاء، والاشتراكات (عشرة جنيهات) وهذا مبلغ زهيد ولا يسهم في حل القضايا الخاصة بالأعضاء.
*هل من رسالة للشعراء..؟
لدينا شعراء مميزون قدموا أعمالاً جليلة ولكن عليهم بالمزيد حتى يسهموا في تخليص الفن السوداني من الشوائب والتشوهات التي اعترته في الفترة الأخيرة أذكر منهم على سبيل المثال الأخوة محمد يوسف موسى، إسحاق الحلنقي، إبراهيم الرشيد، كامل عبدالماجد، سيف الدين الدسوقي، السر دوليب، حسين بازرعة وآخرون لا يسع المجال لذكرهم جميعاً.
*رسالة اخيرة إلى المغنين والفنانين الشباب..؟
أقول لهم اتقوا الله واحترموا هذا الشعب الذواق واتجهوا للغناء الصحيح والمظهر الحسن.
وسوم: 635