معرض الفنانة محاسن الأحرش، الخصوبة والإبداع
ضمن ليلة الأروقة التي نظمتها وزارة الثقافة بالمملكة المغربية يوم الجمعة 13 نوفمبر 2015 في دورتها العاشرة، قامت الفنانة محاسن الأحرش بتقديم معرضها في رواق محمد السرغيني بمقر المديرية الجهوية لوزارة الثقافة بمدينة تطوان، وقد عرضت الفنانة في هذا الرواق اثنتين وعشرين لوحة، لوحات جديدة خاصة بالمعرض الجديد كلها عبارة عن إبداع جمالي فني جميل ومتقن.
الإبداع الفني للفنانة " محاسن الأحرش " ما زال في تصاعد مستمر ودائم، فهي تنحو نحو التألق والاكتمال، وإيصال اللوحة في تشكيل جميل ضمن المكانية والزمانية، حيث المكان بعد بهي في دلالته ومعناه، وحيث الزمان حاضر ضمن سيرورة وجودية ونفسية مرتبطة بعمق الصيغة التعبيرية في اللوحات.
تبرع الفنانة " محاسن الأحرش " في خلطة ألوانها التي تعشق توظيفها وتضمينها في لحمة لوحاتها، فيتجاور لديها الأحمر، والأخضر، والأزرق، والأصفر... ضمن ألوان الضوء وإنتاج المعنى الجمالي في عشق رسم الطبيعة التي يتخللها النور الساطع الذي تعكسه السماء الزرقاء المشوبة بسحب الخصوبة، والخلق، والإبداع.
إبداع الفنانة " محاسن الأحرش " ينساب ضمن حلم مشترك، حلم دائري مجنح، حلم غير مكتمل ينبئ بتواصل الحلم وديمومته سيرا على درب الحياة المتعرج واللامكتمل، إنه حلم كامن في وجه ذي تعبير حالم، ضمن عينين مفتوحتين براقتين وثابتتين على المعنى وصداه، إذ هو وجه واضح بارز على التقاسيم والخطوط، متطلع نحو الرؤى والممكنات.
تجربة الفنانة " محاسن الأحرش " انفتحت على عالم الوجوه ضمن مجموعة من اللوحات التي أثثت معرضها الأنيق، في اللوحة رقم خمسة تخوض الفنانة تجربة الوجوه المتعددة داخل المعنى الواحد، إنه التعدد داخل الوحدة الذي يحيل على تعاقب الخلق والوجوه والوجود والدلالة، إنها لوحة مربكة، رائعة، فاتنة، ودالة على تزاحم الأضداد والمتناقضات والمتقابلات، إنها تتشكل من ثلاثين وجها في ترتيب ثلاثيني عبر رصها في عدد ستة وجوه أفقية وخمسة وجوه عمودية، إنها تبدو متشابهة، ولكنها متباعدة، إنها ليست الحقيقة بل هي ظلها، هي وجوه إناث، وربما وجوه ذكور، وربما وجوه اللاشيء وكل شيء، هي تتعدد وتتوحد، تتضاءل وتسمو، فيها رونق وصفاء ونقاء، وحتما تعتريها عناصر وأخلاط، هي وجوه ترنو نحو الكمال عبر اللاكمال، كل وجه فيه نسخة من الوجه الآخر، وفي نفس الوقت هي مغايرة لبعضها البعض، فهي تجليات للأصل المتعاقب المتجدد في إطار التعدد الخالد الذي يطبع الطبيعة ويسمها بميسم الوجود المتدفق، الدائب، المتشابه، المتنافر.
إن هذه اللوحة الآسرة الجميلة والمعبرة سوف تتشظى وتنقسم، وسوف تنزلق، وينحو كل وجه فيها إلى التموضع ضمن حيزه الأثير في إطار أبعاد خاصة لها جبلة الخصوصية والتفرد، فهنا في المعرض البهي لوحة الشاعر منتج اللغة الجميلة في مبناها ومعناها، وفي تعرجاتها وانكساراتها وشموخها، ملامح الشاعر غير واضحة تماما، ولكنها متطلعة نحو المعاني الخفية والعصية، هي بداية الشاعر ونهايته في نفس الوقت، هي مخاضه وإشعاعه، هي رونقه وتألقه، ألوانها بضوئها المعبر والدال بالأحمر والأصفر والأزرق والأبيض دلالات للثقافة، والحياة، والدعوة إلى متعة الاستعارة والجمال.
الوجه المعبر، النافر، الواثق، ضوء ساطع، أي نور وهاج، إنه نور عبر الجمال، في النظرة والرؤية جرأة وثقة وتحد، ثم هي وجهة نحو الحلم، تتطلع إلى المعلوم والمجهول معا، وتعود مرة أخرى للغوص عودا على بدء إلى الأعماق في وهج ومزيج من الألوان المتعددة التي تدعو إلى تأمل تلك الغادة الحسناء الفاتنة وهي ترنو بنظرتها في رزانة، وعمق، وحكمة، ترنو بخيلاء يفوق التقدير العادي لعمرها الفني الذي يقابل لوحة الروعة والغموض في تجليها لعاشق الفن، تتزيى بنصفين توأمين مختلفين في تشابههما، متباعدين في تقاربهما، متلازمين في خطوطهما، متنافرين في تفاصيلهما، إنهما ظلان للبهاء، والروعة، والفتنة، فهما لا يلتقيان إلا لكي يفترقان عبر نأي في نسغه دنو.
ثم لوحة ووجه، بل وجوه لا تنتهي، لا يتوقف نسلها ولا يتحدد في زمن التناسخ والتضاد، وجه يعكس صورة مكلومة، ونظرة باهتة يعكسها ضوء بارز وواضح يشي بملامح يائسة، مفجوعة ومكلومة، إنه وجه يرجو رحمة ورفقا ولينا، رؤيته ناقصة وغير مكتملة، هو وجه مذعور يعود إلى داخله، هو يسبر أعماقه، يقابل الوجه وجه فاتنة انساب كحلها مع دمعها عبر جمالها فاستحال دما ملونا مضيئا ساطعا مع ابتسامة تشبه البكاء، تعبر عن القهر، وتدعو إلى تحرير العواطف والأحاسيس الموؤودة.
وتطالعك لوحة الأمل والبشر للوجه المتعدد للأنثى المفعمة بالأمل والرغبة في الحياة، هن إناث متزاحمات، ومتعددات، ومتكاثرات، ومنقسمات، ومتسابقات، ومتنافسات، إنها صيغة الوجود المضغوطة في رموز الأمل والتطلع ومتابعة إيقاع السيرورة، فهي تعكس وجوها لإناث تشاهدن المسرح، مسرح الحياة، وقد يتحولن هن أنفسهن إلى مسرح، فهو اختزال للمسرح في وجوه النساء، عيون مفتوحة، ومشدوهة، وعيون أخرى مسبلة، ومغمضة، تبحث عن المعنى، وتنشد الملاذ.
تنساب لوحات معرض الفنانة " محاسن الأحرش " في تناغم، وتنافر، وانحدار، وصعود، وهي تعزف إيقاع أنشودة الحياة الخالدة، تضفي عليها رونق المعنى وضده، والدلالة وعمقها ومقابلها. وحتما لن تتوقف اللوحات عن دفقها ولمعانها، سوف تستمر الفنانة في النبش، والبحث، والابتكار، إنها لوحات الحياة، والعشق، واللوعة، والأمل، والتوثب.
وسوم: العدد 655