لمة أحباب
ليتني أعلم إلى متى يظل قانون حقوق المؤلف شبه معطل في حماية المظاليم من الشعراء ، إلى متى تظل أغنيات هؤلاء الشعراء متاحة لعدد من فناني الدرجة العاشرة يتكسبون منها الملايين ، وكثير من الشعراء لا يجدون ثمناً لقطعة خبز يعودون بها آخر المساء إلى أطفالهم ، وأنا أعلم تماماً أن وزير الثقافة الطيب حسن بدوي يعلم هذه الحقيقة ولا أشك مطلقاً في أن هذا الوزير الإنسان المهموم بحقوق المظاليم من المبدعين أنه سيعمل يوماً على إنصافهم بإصدار قرار لا يسمح لأي من المسارح أو القنوات الفضائية أن يقف على خشبتها فنان أو فنانة إلا بعد إبرازهما ما يؤكد أن لهما تنازلاً من الشاعر أو الملحن.
٭ كتب الراحل الحبيب سعد الدين إبراهيم عن حكاية بطلها أحد الرسامين كان قد نظر إلى وجه زوجته المعبأ بالتجاعيد فقرر أن يسافر إلى إحدى الجزر المخضرة هرباً من تجاعيدها، فالتقى هناك بعذراء تصغره بحوالي ثلاثين عاماً فأخذ في رسم وجهها لمدة شهر كامل ، إلا أنه فوجئ بعد الانتهاء من اللوحة أنه كان يرسم وجه زوجته المتهدل الملامح.. وفي رأيي أن هذا المشهد يؤكد لنا أن الجمال الحقيقي هو جمال الروح وليس الملامح والتي تمثل مجرد ضيف عابر لابد أن يغادر.
٭ بعد أن لاحظت والدة الفنان عبد الكريم عبد الله الشهير بـ (كرومة) الحشود الهائلة التي خرجت لاستقبال اللورد (كرومر) المندوب السامي للعرش البريطاني أثناء زيارة قام بها للعاصمة الخرطوم، تمنت أن يجد ابنها الفنان شهرة مثل شهرته، فأطلقت عليه لقب (كرومة) حتى يكون اسمه متماشياً مع اللهجة العامية، قال عنه الموسيقار الكبير إسماعيل عبد المعين إن (كرومة) فنان كبير، وإنه سيحدث ثورة ضد الأغنيات التقليدية الشائعة في تلك الأيام، وقد أثبتت الأيام صدق ما قاله الموسيقار الكبير.
٭ قال الشاعر الكبير (معين بسيسو) إن كل القوانين العسكرية في العالم تتعامل مع الكر والفر أثناء الحروب باعتبار أنه فعل مباح لكل جندي محارب.. وقال إن (المتنبئ) لو فكر قليلاً في الاستجارة ببعض القبائل المجاورة لما غرز (فاتك الأسدي) سيفاً في أحشائه.. ولكنه اختار هلاكه بيده في معركة يعلم تماماً أنها خاسرة حيث واجه فيها لوحده أكثر من ثلاثين من قاطعي الطريق، نسي المتنبئ أن الحرب في أصلها كر وفر ، مات هذا العملاق لمجرد كلمة قالها غلامه :أتهرب وأنت قائل ذلك البيت (الليل والخيل والبيداء تعرفني .. والسيف والرمح والقرطاس والقلم) ، فقال له المتنبئ : قتلتني يا غلام.
٭ لن أنسى الدعوة التي وجهها لي الشاعر الجميل الفاتح حمدتو احتفالاً بعودتي النهائية للبلاد، وقد حضر الحفل عدد من أحباب تم اختيارهم بعناية جعلت من الجلسة سهرة كأنها مقطوعة موسيقية اسمها (لمة أحباب)، لم أكن أتوقع أن أجد الشاعر سيد أحمد الحاردلو ضمن أولئك الأحباب، كان (عليه الرحمة) يجلس في زاوية بعيدة يتأملنا عن بعد، كان يجلس كأنه بسمة على طرف من دموع، كان الحبيب ينظر إلي معبراً عن فرحته بعودتي برغم من معاناته من أوجاع كان يكتمها حتى لا يشعرني بأن هلاله لم يعد قادراً على الاكتمال.
هدية البستان:
بلادك حلوة أرجع ليها دار الغربة ما بترحم
وطوف بجناحك الوادي بتلقى الخضرة تنسي الهم
وسوم: العدد 679