رحلة الهلاك
عبد القادر كعبان
كلما انتفضت أمواج البحر أتذكر ألم المعاناة.. معاناة أبي المريض.. أخي المعاق حركيا.. أمي المسكينة الخادمة في بيوت الأثرياء.. فشلي في الحصول على وظيفة.. سمعت يوما مجموعة من الأصدقاء يخططون للهجرة السرية.. تشاركوا حلم الهروب من مشاعر اليأس.. لم يجدوا أمامهم سوى البحر.. خاطرت بدوري معهم بحثا عن فرصة عمل.. خرجت ليلا دون أن أخبر أحدا.. تركت رسالة وداع لأمي الحبيبة.. أدركت أننا سنركب بحرا قد يبتلعنا بلا ضمير.. انطلقنا في رحلة الهلاك.. للحظة.. لمحت وجوههم.. يتبادلون الحكايات عن أيام عصيبة قد تركوها خلفهم.. فاجأني صوت من أعماق البحر الثائر مرددا:
- قد تركتم الوطن الأم و جازفتم بحياتكم..
همست له:
- نحن شباب طموح نسعى لطلب الرزق من شرايين الغربة..
ضحك يقول:
- أصبحتم في عرض البحر تائهين..
بثقة أجبته:
- أعترف اليوم بأننا بؤساء.. لكننا سعداء.. نقترب من بعضنا البعض.. نضع أيادينا في أيادي بعض لننجو معا أو نموت معا..
فتحت عيوني في وجه نهار آخر.. علت الفرحة وجوه أصدقائي بعد ليلة ظلماء و أمواج ثائرة.. ربما وصلوا الى مرفأ النجاة.. إنهم يرون أرض الأحلام من بعيد.. تفتحت عيونهم الحزينة بهجة و سرورا.. سمعت نفس الصوت من أعماق البحر ساخرا:
- يخيل إليكم اليوم أنكم وصلتم بر الأمان.. هنا الغريب يستغل بأبشع الطرق.. يدفع كل ما يملك نقدا بحثا عن فرصة عمل فلا يجدها..
تحاشيته و صرخت بأعلى صوت:
- لنكن يدا واحدة فنحن نحمل المصير نفسه.. فنحن دخلنا متاهة لا نهاية لها.. للصبر دور فعال الآن أكثر من أي وقت مضى فلا أحد منا يستطيع استدراك الغيب..
أسرعت أقدامنا الحافية مهرولة على رمال ذهبية لتكتشف من جديد طعم الحياة..