الرُّؤيا
محمد عميرة – القدس
حلما ً أصبحت رحلتنا إلى سوريا بعدما كانت حقيقة ً قبل أربعين عاما وقبل حرب عام سبعة ٍ وستين وتسعمائة وألف ، وأصبح السفر الآن إلى أيةِ دولةٍ عربيةٍ شقيقةٍ للعمل أو لرحلة شيئاً وراءَ حدودِ القلب في زمن قطعتْ فيه الحدودُ قلوبنا قبل أن تقطعَ أراضينا المتسعةِ ,
كان الشيخ محمود المقدسي يعمل في دمشقَ في سوق الحميدية وقد أحبهُ صاحبُ العمل لوفائه وتفانيه وإخلاصه في العمل وخاصة بسبب حثه لثمانية من زملائه على الصلاة ، وقد استجابوا ، وأصبحوا يصلون .
رأى الشيخ المقدسي ذات ليلةٍ في المنام أن ابنه الصغير قد توفي ، فطلب من صاحب العمل أن يعود إلى فلسطين فأذن له .
اشترى بعض الهدايا لأمّه وزوجته وشقيقاته وعاد إلى بلاده ، وحين وصل استوقفه ابن عمّ ٍ له في الطريق ودعاه إلى بيته ، لكن الشيخ رفض وأجابه بأنه من المستحسن أن أذهب لبيتي أولا ، فأصرّ عليه فرفض ، فسأله بالله : أليس معك هدية لشقيتك ؟ – وكان ابن عمه زوجا ً لشقيقته - ، فأجابه : بلا ، فقال له : فإنا نريدها الآن .
كان سبب دعوة ابن عمه له ليعرّج على بيته هو وفاة طفل الشيخ ابن السنة والنصف ولكي يمهد له خبر الوفاة .
تجمع الناس في بيت ابن عمه كعادة أهل القُرى حين يحدث شيءٌ ما مستغربين عودة الشيخ مبكرا من هذه السّفرة ، ولم يجرؤ أحدٌ على إخباره بوفاة صغيره ؛ حتى حضرت والدة الشيخ سائلةً باكية ً : بنيّ : هل عرفت ؟ ومن سؤالها وبكائها تأكد أن الرؤيا تحققت .
بكى الحاضرون لهذا المشهد ولم يبك الشيخ بل حمد الله صابرا وراجيا قصر َ الحمد ِ في الآخرة وظلّ صامتا ً.
وحين عاد إلى بيته استقبله ابنه الصغير ابن السنتين ونصف قائلا ً لأبيه بلهجة طفل ٍ وبحروفٍ لاهثة ٍ متقطعة ٍ ما معناه أنّ : أخي مات ، ووضعوه في الحفرة ، وهذا سريره فوق الخزانة ، وأشار إلى السّرير .
في هذه اللحظة فقط انهار صبر الشيخ وأجهش بالبكاء الشديد على طفله ...