زوجتي والحاسوب وأنا
محمد المهدي السقال
القنيطرة / المغرب
على غير العادة، استيقظت متأخراً بعد ليلة نصفها أبيض،
لم يغمض لي جفن إلا بعد ما أشفيت النفس بما عودتها عليه من عبق الدخان الأخضر،
تلومني ما وسعها العتاب مشفقة عليَّ من تمسكي بعاداتي القديمة، فأشفق عليها من تعب التفكير بجد فيما يجري ويدور:
- هل تظن نفسك شابا مازال يقوى على تحمل هذه السموم ؟
لكنها هذه المرة كانت ألطف، لم تنبهني إلى أعراض تقدم العمر بي، أحيانا، تعجز عن لجم غضبها عليّ، فتُعيّرني بعجزي المتقطع عن الاستجابة الطبيعية لحاجاتي القديمة،
اتجهت مباشرة إلى الحاسوب أحيي نبضه ، للعودة إليه بعد التخلص من إفراغ مثانة متعبة ، لم تعد تقوى على الصمود أمام زحف القطرات الأولى،
ولجت القائمة، نقرت بسبابتي مُتوجساً مما يمكن أن يخرج به عليّ جِنِّي هذه الشبكة العنكبوتية، بعد محاولة مداعبته بالبحث عن اسمي العائلي في قائمته التي جاوزت مائة صفحة،
بالأمس نقرت زوجتي المسكينة على حروفها في لوحة المفاتيح، باحثة باسمها العائلي عمّا يمكن أن يصعد في وجهها من أسماء ذات صلة، ففوجئت باتصال نسبها بأعرق أسرة في الإجرام الأمريكي على الصعيد الدولي،
في البداية، تبادلنا الدعابة بالكلام والتشابك بالأيدي حتى كادت أن تتحول إلى همس ولمس افتقدناهما منذ مدة، لولا نيل النوم منّا مأخذه، متعبين من إرهاق يوم ساخن، لكنها بدت حزينة خجلى من هذا الانتساب المفاجئ، لما ظلت تمقته بسبب بشاعة تلك الجرائم في العراق وباقي خلق الله من المستضعفين على الأرض.
- لا عليك، إنما الأمر تشابه أسماء، والله قد خلق من الشبه أربعين، ظلت متشنجة مصفرة الوجه مما لا عهد لي به منذ زواجنا بعيد الاستقلال الذي اكتشفنا خدعته، فكدنا أن نتفق على الافتراق، لأننا كنا قد تواعدنا على الاحتفال بشرط الحصول على الاستقلال، أذكر أنها كانت أشد رفضاً لإقامة طقوس فرح، تمنعت بإصرار ظلت أُكبِرهُ فيها.
– كيف يطيب لنا هذا الفرح والبلاد تحت الحماية؟
تتحدث عن الحماية وهي تقصد هذا الاستعمار المقنع تحت عناوين ''المخزن''،
وحتى أوفر عليها بعضاً من الحزن أكثر على ما هي فيه، دعوتها لتحضُر هذه النقرة بحثاً عن اسمي العائلي هذه المرة،
لعل في الأمر ما يمكن أن يخرجها مما هي فيه، ونقرت، و أنا أسألها عن تخميناتها، تمنيت أن تجدني مثلها بين أسماء تثير التسلية،
امتدت نتائج البحث طويلة عريضة، كان اسمي العائلي باللغة اللاتينية، ضمن أشهر الأسر اليهودية في العالم، فنانون في الغناء و السينما، رجال مال وأعمال، مفكرون في اللاهوت و الأساطير،
ابتسمتُ عريضا:
- انظري ، ألستِ أفضل حالاً مني، على الأقل ، أنت ملحقة بمجرمين جُدد في التاريخ الإنساني، أما أنا فنصيبي أكثر مهانة، انظري، يرتبط نسبي باليهود، وما أدراك ما اليهود ؟
تركتني أتابع خريطة الأسماء المتصلة باسمي العائلي دون أدنى تعليق، لا أدري كيف انتابني حزن عميق جارح، شعرت خلاله برغبة جامحة في التخلص من هذا الاسم اللعين، رغم أنني لم أعرف ظلماً مباشراً من يهودي في حياتي، بل عاشرتهم في حيّنا القديم، ولاعبتُ أبناءهم صغيرا، دون أن يتسرب إليّ شك في إنسانيتهم، لم أعرف أن هذا أو ذاك يهوديّ، إلا حين احمرّ وجه المعلم، وهو يحدّثنا عن شيء باسم المحرقة النازية كما تتداولها بعض كتب التاريخ، فيما بعد، عرفت أن معلمنا لم يكن من المصدقين بها، لكنه كان مضطراً بحكم الوظيفة لتقديم درسه الرسمي حول ما يُسمّى بالمحرقة .
- ما لهم اليهود ؟ أليسوا من خلق الله ؟ بل إنهم المختارون كما جاء فيما به تؤمنين؟
ظننت أنها ستبادرني بالرد، لأني أثرت من جديد عقيدتها، وليتها فعلت، يحلو لي التلويح أمامها بما يُنغّص عليها يقينها المطلق.
ساح بي التفكير في الواقع الفلسطيني وما يمارسه الإسرائيليون باسم
اليهودية، فوجدتني ألعن ملّتهم بما كانوا و مازالوا يفعلون بشعب يسأل حقا في الوجود، ثم وجدتني ألعن ساسة هذا الشعب نفسه بعدما تطاولت الأحقاد فيهم بين إخوة أعداء.


