مُسَابقةٌ حَامِيَةُ الوَطيس
قصص أقصر من القصيرة (22)
جلسا وجهاً لوجه، تفصل بينهما منضدة خشبية.. قُرِعَ الجرس إيذاناً ببدء المسابقة:
- المفتِّش: هاتِ مثالاً على أمرٍ هامٍ لكنه غامض؟!..
- باسم: أفرج الحاكمُ عن جميع المعتَقَلين السياسيّين منذ يومَيْن!..
- المفتِّش: هذا أمر هام، فأين الغموض؟!..
- باسم: لقد نقل إليَّ هذا النبأَ شخصٌ مغمض العينَيْن!..
- المفتِّش: أي إنه كان نائماً؟!..
- باسم: لا.. بل كان حالماً!..
- المفتِّش: وما معنى ذلك كله؟!.. بسرعة لو سمحت.
- باسم: إشاعة.. مجرّد إشاعة، هي ما طلبتَ سيادتك، ألم تطلب مثالاً على أمرٍ هامٍ وغامض؟!..
- المفتِّش: لا بأس.. لا بأس، هاتِ مثالاً ثانياً؟!..
- باسم: زحف (حافظُ) على بطنه بدأبٍ.. فَنَصَّبَهُ اليهودُ حاكماً!..
- المفتِّش: لماذا تخرج عن الموضوع؟!..
- باسم: لم أفعل!.. إنها الإشاعة الزاحفة، أي: التي تنتشر ببطءٍ كالذي يزحف!..
- المفتِّش: حسناً، هاتِ مثالاً ثالثاً وأخيراً؟!..
- باسم: غاص (خَشّارُ الفَسَد) في بحرٍ من دماء الأبرياء!..
- المفتِّش: ما هذه أيضاً؟!..
- باسم: هذه إشاعة غائصة!.. تنتشر ثم تغيب.. ثم تعود فتظهر في ظروفٍ مشابهة، كالتي نعيشها حالياً!..
- المفتِّش: لماذا تُحطِّم معنويّات الجمهور؟!..
- باسم: لأنّ ذلك هو الهدف المهم للإشاعة.. فضلاً عن أهدافها الأخرى، كالتضليل، وزعزعة الثقة بين أبناء المجتمع الواحد، وبث الرعب والخوف أو الأمن.. بين الناس، وخلخلة الصفوف!..
- المفتِّش: إشاعة الرعب والخوف فهمناها، فما إشاعة الأمن؟!..
- باسم: أن نُقلِّل من خطورة العدوّ، ومن شدّة حقده وعدوانيّته وسوء أهدافه وحقيقة مشروعاته وخبث نواياه، تحت ذرائع ساذجةٍ متعدّدة.. وبذلك نبثّ في مجتمعنا وأمّتنا روحَ التراخي وعدم المبالاة، في الوقت الذي يستوجب أن نحضَّ الناس على اليقظة التامة والعمل المضادّ الحثيث، لتفويت الفرصة على الغزاة الجدد من أصحاب الأهداف الهدّامة المشبوهة، الذين يخترقون مجتمَعَنا بعقائدهم وأموالهم ومخطّطاتهم الخبيثة!..
- المفتِّش: طالما أنك تتحدّث عن الإشاعات، فما رأيكَ إذن، بالإشاعة التي ترفع المعنويات؟!..
- باسم: رائعة، على ألا تكونَ سبباً في كشف الأسرار!..
- المفتِّش: كيف ذلك؟!..
- باسم: إنّ خُطّتنا لمقاومة العدوّ، تهدف إلى..
- المفتِّش مُقاطِعاً: ما هذا يا سيد باسم، هل ستكشف الأسرار؟!..
- باسم مبتسماً: لقد ورّطتني يا أستاذ!..
(بُم.. دجّ!.. صوت ارتطامٍ هائلٍ قريب)!!..
- باسم: انفجار!.. قنبلة!.. لنهرب يا أستاذ، سيتحوّل المكان إلى رمادٍ خلال دقائق قليلة!..
- المفتِّش وقد اشرأبَّ عُنُقُهُ: لا.. لا، إنه صوت عاديّ، انبعث من عادم مركبةٍ للحرس الجمهوريّ في الشارع المجاور!..
- باسم: نعم.. نعم، يبدو الأمر كإشاعةٍ منفجرة!.. تنتشر بسرعةٍ هائلةٍ وتستدعي عملاً فورياً لمقاومتها!..
- المفتِّش واقفاً ضاحكاً: وهل تظنّ أنك نجحتَ في هذه المسابقة؟!..
- باسم: هذه أظرف إشاعةٍ سمعتُها في حياتي!..
وسوم: العدد 745