بدرية

محمد صباح الحواصلي

محمد صباح الحواصلي

كاتب سوري مقيم في سياتل, الولايات المتحدة

[email protected]

كانت بدرية جالسة على كرسي من القش أمام الراديو المثبت في كوة داخل الجدار تستمع إلى أغنية, (طول عمري عايش لوحدي), وكان الحطب يستعر في المدفأة الواطئة, والمطر ينهمر بعنف ويضرب زجاج النافذة المطلة على أرض الديار. مسحت بدرية دمعات حارة انثالت على خديها اللذين لم يعودا رائقين كعهدهما أيام الصبا. قامت وأعدت لنفسها فنجاناً من القهوة وعادت إلى كرسيها.

أسندت رأسها وراحت تنصت إلى ضربات المطر على الزجاج. كانت بدرية تفكر. تفكر كيف أن الزمن لم يبق منها إلاّ حطام أنثى مدفونة في الصمت والوحدة.. أنثى يسمونها بدرية العانس.

بكت بدرية. كانت دموعها تنثال على أديم وجهها بغزارة, وكان المطر ينهمر بعنف. ناداها المطر:

"بدرية.. ارحمي نفسك.."

لكن بدرية كانت قد استسلمت لنوم عميق, وتعب المطر فنام هو الآخر.

حلم المطر أن وجه بدرية بستان خصب فيه كل الثمار, وحلمت بدرية أن المطر يغسل أحزان وجهها, وأن فارساً يمتطي صهوة جواد أبيض ينقر على الزجاج.

انتفضت بدرية من نومها. التفتت بشوق إلى النافذة. كان الفجر يتسلل من خلف الأفق البعيد, ورائحة المطر تعبث بالهواء البارد.

ألصقت وجهها بالزجاج وجعلت ترقب قدوم الصباح.

               

نشرت "بدرية" مع قصتين أخريين هما "أبو فارس" وبكره العيد" في مجلة (إبداع) المصرية أيام رئاسة تحرير الدكتور عبد القادر قط, العدد الثالث, السنة الرابعة, آذار (مارس) 1986, تحت عنوان "منمنمات على جدران المدينة القديمة". وقبلها اختيرت "بدرية" لتكون من بين القصص المرشحة لجائزة أحسن قصة قصيرة جدا في مجلة (التضامن) الأسبوعية, العدد 156, 5 نيسان 1985.

القصة من مجموعة "منمنمات على جدران دمشق القديمة"، دمشق 1990