أربع قصص قصيرة جدا
ذ. سعيد عبيد / تازة - المغرب
* المرآة التي رأت نفسها يوما في المرآة:
اضطرت المرآة يوما إلى أن ترى وجهها في المرآة. لما وقفت قبالتها جحظت عيناها، و تقوس حاجباها، و سارعت بوضع باطن يدها على فمها لتكتم صرخة لو قُدر لها أن تنطلق لكانت صرخة كالنفخة مروّعة! هنالك فقط أدركت – في لحظة صفاء نفس و قد ذهبت عنها الصدمة – كم كانت مغرورة متكبرة إذ نصبت نفسها مرآة يرى بنو البشر من خلالها وجوههم و هيئاتهم؛ لذلك قررت – منذ ذاك الحين – أن تحتجب و تحجب عن الآخرين زجاجها.
* خريطة بلا غــرب:
لما آنس من أستاذ التاريخ و الجغرافيا غفلة، تسلل إلى مستودع الخرائط المحاذي للفصل و بيده ممحاة عجيبة.
في الصباح لدى الحصة الثانية من درس الحرب العالمية الثانية التي كانت مخصصة لتشكل دول المحور و الحلفاء، اندهش الأستاذ و هو يثبت بدبوسين حادين خريطة العالم على الجانب الأيمن من السبورة؛ كانت الخريطة خضراء للغاية، و كان العشب كثيفا يسر مع زرقة المحيطات و البحار الناظرين!
حين لمح الأستاذ الانشراح على وجوه الطلبة، تحولت الدهشة في وجهه إلى ارتياح، فقال و هو يحك يدا بيد: " سأحدثكم اليوم عن أهم نظريات المستقبل ".
* الحكمة الضائعــة:
أية مغامرة خرقاء تلك التي دفعت ببعوضة بلهاء إلى تعلم الحكمة من أي وعاء خرجت؟
أغراها عنوان الكتاب المجلد، فنزلت بجناحين شفافين على الصفحة الأولى من باب " الحق و الفضيلة "، و أخذت تنهل من ينابيع الحكمة و العرفان، لكن المفكر الكبير المشهور – لسوء حظها – سرعان ما أدركه الملل، فـ...[ طافْ ]... صفق الدفتين بضربة واحدة.
تثاءب، فأخرج علبة السجائر من جيب معطفه، و رفع عينين ناعستين إلى السماء ليتأمل و هو يفتحها و يتناول واحدة.
* ضراعــة:
بابتهال حار رفع راحتيه إلى السماء، و أخذ يردد بإلحاح: " يا رب، يا رب، انزع لحظيْها المغروزين في قلبي! " انفجرت الدموع من عينيه، فكأنما خراطيم المياه أخمدت حريقا في الأحشاء.
ذ. سعيد عبيد
المغرب
أستاذ باحث في اللغة و الأدب
.دبلوم الدراسات العليا المعمقة في الأدب المغاربي المعاصر .جامعة محمد الأول، وجدة، المغرب
5318 08 c : الحساب البريدي