زوجتي والمفتاح
زوجتي والمفتاح
نعيم الغول
زوجتي تعشق إغلاق الأبواب و إخفاء المفتاح في أماكن مختلفة عشقها لحفلات الطبق الخيري و لشدة احترامها لذكائي تترك لي حرية التخمين حول مكانه . و كان لها في ذلك مذاهب و فنون . فمن ذلك أنني حين أكون خارج المنزل و تريد هي الخروج ايضا فإنها تنتزع المفتاح من قفل الباب و تخفيه في مكان . وعندما
أعود الى البيت أجد إشارة على شكل سهم مثلا الى جانب القفل . إشارة غاية في الدقة لا تستطيع عين رؤيتها الا ان تكون مدربة . و قد كانت عيني مدربة ؛ فلا زلت اذكر الدورة التدريبية التي أصرت زوجتي على إعطائي إياها في الاستدلال على العلامات و أحجامها و أماكنها، و كيفية تمييز العلامة الصناعية المقصودة من الطبيعية العشوائية . و تضع فوق السهم دائرة صغيرة . و معنى الدائرة الدوران خلف المنزل . فأدور خلف المنزل . و هناك أجد قطعة قماش تكون في العادة مبللة فاذهب الى صنبور المياه – و لا ادري كيف لا يخطر ببال زوجتي أنني لو تأخرت قليلا لجفت قطعة القماش ،و لما اهتديت الى ما تريد _ و أنظر الى الأرض فأجد ملقط تنمص تكون قد أدخلته داخل فتحة الصنبور، و أخرج ورقة صغيرة فأفتحها و أجد أنها كتبت عليها : " زوجي الغالي ، سر عشر خطوات و در الى اليمين ". فافعل و أجد ورقة صغيرة تحت حصاة تقول فيها : " إنني محظوظة لان زوجي ذكي و يتبع التعليمات بحذافيرها _و لا بد لي من التنويه هنا بان زوجتي سبقت بياجية في تعريف الذكاء ،فالذكاء حسب نظريتها اتباع الزوج تعليمات الزوجة بدقة ؛و لعل هذا يفسر انخفاض نسبة الذكاء عند الذكور العرب _ و تستطرد قائلة اذهب الى مدخل مرآب السيارة و انظر تحت البلاطة المكسورة "، فأفعل و أجد ورقة ثالثة تقول : "اذهب الى أحواض الزهور و أبدأ بالعد من اليمين حتى تصل الى الحوض رقم سبعة و اخرج من الحوض ورقة" . فأجرجر نفسي الى الأحواض و أخرج الورقة من الحوض رقم 7 _ هذا يذكرني بالعميل رقم 7 عافانا الله و إياكم من العملاء و أفعالهم التي أضاعت البلاد و العباد_ وأخرج من الحوض الورقة فإذا مكتوب فيها : عد الى الحوض رقم 3 و ارفعه و ادع لي بطول العمر و بعدم تفرقنا " فأذهب الى الحوض و أخرج المفتاح و أدعو لها بطول العمر و لكنني ارفع يدي حتى ترى إبطي و أضيف ( اللهم لا تفرقنا في الدنيا اما في الآخرة فأسألك الرحمة ..فرحمتك وسعت كل شيء ).
و كانت حجتها ان اللصوص في كل مكان، و انهم أذكياء و ان المرأة هي التي تستطيع ان تتغلب عليهم لأنها اشد حرصا من الرجل – أي زوجها _ في كثير من الامور .
و قد اعتادت زوجتي ان تذهب الى حفلات الطبق الخيري برفقة إحدى نساء الحي . ذات يوم و كان مشرفا على صلاة العصر . جاءت على عجل و قالت ان المرأة تنتظرها في بيتها لتذهبا الى حفلة الطبق الخيري التي ستبدأ بعد صلاة العصر مباشرة في مركز جمعية البر في الحي الذي نقيم فيه . و أخذت مفتاح الباب الرئيس معها، و وضعته مع مفاتيح السيارة. و كنت منهمكا في عملي فلم اهتم للأمر كثيرا و لم اسألها عن أية تفاصيل . ولكني قلت لها : أثلجت صدري يا زوجتي العزيزة انك و صويحباتك تجدن منافذ خير وتسعين إليها بدلا مما تقوم بعض الهيئات النسائية من دعوة مستشارين و خبراء أجانب ليدلوهن على انسب الطرق في تأليب المرأة على زوجها و البنت على أمها و أبيها و الطفل على أبويه و يؤول الحال الى زوال الأسرة، و امتلاء المحاكم الى حد التخمة بطالبات الطلاق و طالبات الخلع و طالبات الصفع ( للزوج طبعا ).
فردت ضاحكة : "خلع رقبة أعدائك ان شاء الله . أتعلم لماذا يفعلن ذلك ؟ ذلك ليرضى أسيادهن وراء البحار و يحصلن منهم على بنسات او سنتات تشدد من أزر ضحايا العنف الأسري حسب تعريف مراكز الإشعاع الحضاري في العالم ."
هالتني معرفتها بأصل الحكاية فباركت لها المسير و دعوت لها و لصاحبتها بالأجر و الثواب .
و حين جاء وقت الصلاة توضأت و أخذت استعد للخروج ، و عندها تذكرت قولها إنها ستأخذ المفتاح معها ما دمت أنا في البيت . فقد يأتي احد اللصوص و يسرق المفتاح من الباب و يصنع عنه نسخة و يعيده دون ان اشعر.
و أصابتني حيرة شديدة فكيف اخرج اترك الباب مفتوحا و المفتاح ليس معي .. المفتاح مع زوجتي الحريصة . كان هناك باب اخر يدخل منه الضيوف مباشرة الى غرفة الضيوف وله مفتاح خاص و هذا المفتاح موضوع على رف . ذهبت أبحث عنه و قلبي ينتفض خوفا من ان تكون أخذته هو ايضا. فقد قلت لكم بأنها حريصة . و حرصها لا بد ان يكون سببا في صدور شهادة وفاتي قريبا . ولكنني وجدته . فحمدت الله .
أقيمت الصلاة وتعين علي ان اخرج كي لا تفوتني اية ركعة . و لكن ماذا افعل لا أستطيع ان اترك الباب مفتوحا . سامحك الله يا زوجتي . لو انك أقفلت الباب او أبقيت المفتاح . أكان يجب ان تأخذي المفتاح معك . لقد تركتني الآن في حيص بيص و أخشى ان تركته وذهبت الى المسجد ان يكون احد اللصوص مختبئا و ينتظر خروجي . هذا الخاطر ضايقني كثيرا ؛ إذ شعرت أنني أنحو في التفكير نحوها و انتهج في الحرص منهجها.. وهذا تهديد خطير لاستقلال شخصيتي و رجولتي .
و بدأت أفكر في حل و استخدمت تقنية العصف الذهني كما يقول الاخوة علماء النفس و أخيرا عثرت على الحل . لم يكن حلا عبقريا بالطبع . و لكنه عملي . سحبت الكراسي و الأرائك و الكنب و كومتها خلف الباب حتى صارت أشبه بالمتراس . قلت في نفسي :"إذا جاء اللص و حاول ان يفتح الباب فشل بسبب متراس الأثاث وراءه ".
و إمعانا في إيهام اللص بان البيت ليس خاليا من أهله عمدت الى تشغيل التلفزيون . و بحثت عن مسلسل بدوي و أنا أرجو ان يستمر حتى يأتي اللص و يستمع له .. و طاف بخاطري ما سيحدث للص من جراء سماعه لمسلسل بدوي .. و كادت أيدي الرحمة تمسك بيدي لتطفئ التلفاز لكني تذكرت انه لص لا يرعى حرمة البيوت فقلت :" دعه لا أنجاه الله " . و تركت الأمر فلعل صعقة تصيبه أو ينطلق هاربا تاركا معداته و آلياته وراءه هذا ان لم يغم عليه فان افضل وسيلة للإغماء في بلدنا الحبيب هي هذه المسلسلات التي هي من حيث كونها نسخا متطابقة كانت إرهاصا لاستنساخ النعجة دولي و بعلها دول .
و حين شعرت بالاطمئنان الكامل خرجت من غرفة الضيوف و ذهبت مسرعا الى المسجد . كانت الركعة الأولى قد انقضت والإمام يقرا الفاتحة في الثانية و حمدت الله ثانية ان أدركت الثانية مع هذا الإمام الذي لطالما عبر عن أمله بدخول سجل غينيس للأرقام القياسية لأسرع إمام في أداء الصلاة .. حين سكنت الحي هذا قبل سنتين و نيف سررت بقرب المسجد الشديد من بيتي و هو مطلب كنت أضعه على رأس قائمة مواصفات البيت الذي ساستاجره. و اذكر أنني يومها أنهيت ترتيب الأثاث مع زوجتي و بعض الأقارب عند أذان العصر، و أعددت نفسي للصلاة . قبيل الإقامة ببضع دقائق خرجت الى المسجد و أنا امشي الهوينى و بسكينة كما هو هدي الرسول صلى الله عليه و سلم . و رأيت الناس شيبا و ولدانا و زرافات و وحدانا يهرعون من حولي ركضا و خببا الى المسجد . عجبت للأمر و مر بي رجل قارب الثمانين من العمر يغذ الخطى اشد من ابن العشرين فسرني حرصه؛ فابتدرته بالسلام و لكنه لم يرد و تجاوزني و هو يرمقني شزرا . فوجدت في نفسي عليه . و واصلت سيري وادعا ساكنا مطمئنا فقد كنت في صلاة . ولكنني فوجئت عند دخولي المسجد بالإمام يقول : " السلام عليكم و رحمة الله .. السلام عليكم و رحمة الله " و حين خرجت من المسجد بعد ان صليت منفردا و أنا اشعر بعيون كل من في المسجد تنهشني وجدت حذائي و قد استبدل ببابوج مقطع . و وجدت الرجل ابن الثمانين ينتظرني عند باب المسجد و قال لي باشا " و عليكم السلام و رحمة الله " فقلت مغتاظا : "و الله بدري ". فضحك و قال : " يا أخي هذا المسجد اسمه " مسجد المستعجلين" و لا وقت نضيعه في السلام و الكلام قبل الصلاة و الا ضاعت الصلاة و ضاع الحذاء" .
كان هذا منذ أمد بعيد و قد تعلمت ان أردت اتباع الهدي في ممشاي الى مسجد المستعجلين ، ان اخرج من البيت الى المسجد قبل ساعة على الأقل . و قد أبديت انزعاجي يوما لهذه العجلة في الصلاة فعلق احد المصلين و نحن خارجون من المسجد قائلا :" الحمد لله ان الأمر تحسن معه كثيرا فقد كان يقيم الصلاة و يقول الله اكبر في المسجد ثم يتبعها بالسلام عليكم و رحمة الله و هو في بيته . فقلت مستهجنا : "ولم تصبرون عليه؟"
قال بتحفظ :" يا أخي التمس لأخيك عذرا ، لا بد ان ظروفا ما تجبره على ذلك ."
وقلت و أنا اشعر بفضول للمزيد : " و لكن الأمر تكرر كثيرا "
تقدم مصل آخر منا و دون مقدمات قال : "العجائز مسرورون ،و الأوقاف اشد سرورا به منهم فهو يضمن ان المكوث في المسجد ما بين الدخول و الخروج لا يزيد على عشر دقائق . و قد جرت العادة في المساجد انه ان أطال الإمام في القراءة تنحنح المصلون و خاصة كبار السن منهم . "
قاطعته : و ما الغريب هنا ؟ "
قال و قد اخرج نكاشة أسنان من جيبه ،و اخذ يخرج بقايا الطعام من بين أسنانه ،و يبصق بين الفينة و الاخرى : " الغريب انه في مسجد المستعجلين هذا يتنحنح الإمام اذا شعر انه أطال في الصلاة . وعندما ينتهي من الصلاة لا ينحرف قليلا خجلا من نفسه و من المصلين لارتيابه في انه أطال قليلا . و لكن هل تسمح لي بسؤال يا أستاذ ؟ أراك متطيبا ، هل هناك حفل او ما شابه ؟ و ما هذا الذي في يدك و تعضه بين أسنانك ؟"
قلت و أنا اشعر أنني ابن بطوطة في ديار غير ديار الإسلام : "أتطيب للمسجد و الذي بيدي سواك و الأمران من هدي الرسول صلى الله عليه و سلم .و لا يقال يا أخي تعضه بل تستاك به ، و الله المستعان على ما تصفون".
فقال و نكاشة أسنانه كأنها تنكش صدري " : آه ، سنة يعني ؟ "
صليت و ذهني منصرف الى الباب و المفتاح واللص الذي سيصاب بخيبة أمل كبيرة . و دعوت الله في سجودي – تعمدت الدعاء في السجود لانه أحرى بالإجابة لقرب العبد من ربه _ الا يكون اللص عنيدا و يتجاوز عن حساسيته المرضية تجاه المسلسل البدوي ؛ فيخلع الباب و يدخل و يحمل شيئا ثمينا و ينطلق مسرعا . قضيت الصلاة _ او الصلية _ أكملت الركعة التي فاتتني و سلمت بسرعة و انطلقت الى البيت لا ألوي على شيء . حتى اذا وصلت الى البيت طفت حوله طواف التفتيش لأرى ان كان هناك ما يريب او ان أحدا لازال متربصا .. لم أجد أحدا ، فاطمأن قلبي قليلا .
و خطر لي ان اجرب متانة الباب فقد اخرج لامر اخر و أنا لم أجربه حين خرجت لأنني خرجت مسرعا الى المسجد . حاولت فتحه فلم استطع فسررت غاية السرور بذلك ،و حمدت الله على سعة حيلتي ،و أثنيت عليه ان منحني العقل لاصلح ما أفسدت زوجي . و دخلت الى البيت . و أخذت بإعادة كل شيء الى مكانه قطعة قطعة حتى أحسست ان ظهري قد انخلع . و ان نسلي قد انقطع . و قلت استريح الآن . و لكن جرس الباب رن فضغطت على زر الاتصال الداخلي ( الانتركوم) و سالت : من بالباب ؟ فجاء صوت جاري : أنا ابو عمر . جئت اقضي معك بعض الوقت حتى تعود زوجتي من حفلة الطبق الخيري . اتصلت بي في العمل و قالت إنها ذاهبة مع زوجتك و زوجة الإمام.
قلت بسرور : أهلا أبا عمر . ادخل الباب مفتوح. تفضل .
صاح ابو عمر و هو يكاد يقتلع اكرة الباب: الباب مغلق يا رجل . هلا فتحت لي .