نهاية أليمة
حين انتهت هذه القصة نهايتها الحزينة الأليمة ، استيقنت صحة القول : " الكتاب يقرأ من عنوانه" ، وأن للحوادث أحيانا بشائر أو نذائر تشير بإصبعها إلى مآلاتها الأخيرة .
***
جاءني عصر يوم شتوي متسخطا متشكيا ، ونفث دخان سيجارته ، وقال : يقول الناس : " رب ضارة نافعة " . صرت أقول : " رب نافعة ضارة " . الإنسان يعتز بكثرة أقاربه ، ويعدهم عزوة له . أقاربي مصيبة علي . مات واحد منهم أمس .
سألته : وما ذا في ذلك ؟!
_ أجلت ميتته فرح صاعد . ثاني مرة يؤجلونه .
حاولت أن أواسيه . قلت له : إن كل شيء يحدث في موعده الذي قدره الله _ سبحانه _ له .
فقال دون أن يلين سخطه : العجل يكلفني أكله ما لا أتحمله . كل يوم حب وتبن . وإذا تأخر أكله يملأ الحارة خوارا . عووو ، عووو . أريد أن أذبحه وأستريح . المرة القادمة لو مات كل أقاربي ، أخذهم طاعون ، لن أؤجل عرس ولدي . انتظرنا فرحه عشر سنوات .
كنت أعي خالص الوعي أنه محق في سخطه وشكاته . سجن ابنه عشر سنوات في سجون الاحتلال لاتهامه بتخزين قطعتي سلاح وعدة قنابل يدوية . وخطب له فتاة في السنة التاسعة من سجنه . وبعد خروجه جهزت الأسرة نفسها للفرح بالابن الوحيد بين ست بنات . وقبل حفلة الزفاف بيومين توفيت قريبة لهم ، فتأجلت الحفلة أربعين يوما . وهاهو أبو صاعد يخبرني ساخطا ناقما بوفاة قريب جديد . سيؤجل العرس مرة أخرى .
قلت له : زوجه مهما حدث بعد هذه المرة !
فقال غاضبا حاسما : لو ماتوا كلهم في حريق واحد لن أوجل فرح صاعد .
***
أستعيد مجيئه إلي عصر ذلك اليوم ونحن في جنازته الماضية الآن نحو المقبرة القائمة على مرتفع عريض ؛ في رشاش المطر . توفي فجأة . أصيب بالقلب منذ سنة ، وفاجأته صباح اليوم نوبة قضت عليه قبل أن تنتهي أربعون قريبه . سيمتد التأجيل بوفاته شهورا . تحاميت الرشاش البارد بالاستكنان تحت مظلة جاري أبي وسيم السوداء التي يحملها معه دون تردد متى غام الجو . همس لي بعد خطوات : فسخوا خطبة صاعد . حلفت أمه إن الزيجة لن تتم . تشاءمت من العروس .
وسوم: العدد 631