سباق
يسمع خلفه إيقاع مشي وحفيفا رقيقا لثوب . يلتفت فيرى في ضوء القمر امرأة وسيطة القامة حلوة الامتلاء . خرجت من الحارة التي يسكن فيها . بسرعة قرر من تكون . تزوجت في الحارة من شهور . لم يرَ لها وجها ولم
يسمع لها صوتا من قبل . محجبة منقبة . تقترب منه فيوسع خطوه . أيقن أنها سارية لصلاة العشاء والتراويح على
عادة النساء في المنطقة كل رمضان . المسجد مسافته تقارب الكيلو متر . الشارع تشق ظلمته بين لحظة وأخرى
دراجة نارية جنونية السرعة براكبها أو راكب ثان مردف خلفه ، وقد يردف بعضهم راكبين . لا يأبهون حوادث
الدراجات وما تخلفه من قتلى ومعاقين . القمر ابن الليلة العاشرة يرقق ظلمة الشارع . مازالت قريبة منه . في لحظة وأخرى يقابلهما سرب نساء وفتيات يسير في اتجاه معاكس . اثنتان . ثلاث . أربع . مع بعضهن أطفال .
خرجن للتريض . تغير سلوك الناس كثيرا . ما كان لامرأة أو فتاة أن تسير في الشارع في هذه المنطقة الريفية
بعد غروب الشمس إلا مع أخص محارمها . لا تسير وحدها ولا مع أي عدد من النساء . وفي ظل التبدل الجديد
لم يحدث أي تحرش بهن من أي شاب ولو باللفظ . العام الماضي كان الشارع المرصوف يضاء بمصابيح
الكهرباء . كتمت أزمة الكهرباء هذا العام أنفاس الأضواء . يبدو أن السباق الصامت ساغ للاثنين . تقترب فيغذ
خطاه ويتقدمها أمتارا . في نصف عمره . لا يقبل أن تسبقه ولا يمكن أن يسيرا متوازيين شأن من بينهما صلة .
يعرفه أكثر السائرين والسائرات في الشارع . قد تعرفها قلة من النساء والفتيات .زمن الصبا ونضرة الشباب
ما كان يمشي إلى مقصده . كان يعدو شبه أرنب . وفعلا عدا مرارا وحده أو مع بعض لداته مرارا خلف الأرانب البرية . كانوا يعلمون أنهم لن يستطيعوا لها دركا ، لكنه فيضان الحيوية يفعل ما يليق به ولو في جموح وطيش .
انبجست من درب فرعي دراجة نارية فمالت المرأة غريزيا ناحيته فمال يمنة مبتعدا عنها . عاود الاثنان سباقهما
متباعدين . استوقفه صديق . تصافحا وتابع سيره . تقدمته في الاستيقاف فزاد من سرعته وتجاوزها . انتبه لازدياد سرعتها . اقتربا من مدخل درب ضيق محفوف على الجانبين بسلك شبكي ؛ يتفرع من الشارع الذي يسيران فيه وينفذ إلى المسجد . بلغا المدخل معا فتوقف ومد يمناه قائلا : تفضلي !
أتاه همسها : أنت .
قال ثانية : تفضلي !
وابتعد يمنة المدخل فنفذت فيه مسرعة . لبث واقفا ثواني ثم تابع سيره . تمردت نسمة على ثقل الهواء وحره
فحملت إلى قلبه نفحة عطر مبهجة . قال في نفسه : الطيبة ! أخذت زينتها عند المسجد .
كان نسي أن يتطيب ؛ فبعد الإفطار جلس على الشبكة ينقب عن الأخبار . أخبار تسلخ القلب وتحرق الأعصاب
وتنهك حيوية الذهن . قال في نفسه وطيف المرأة يلوح له : سعيد من لا ينقب عن الأخبار أو الأكدار
حسب الوصف الأصح لها .
وسوم: العدد 660