رتــابة

عصام الدين محمد أحمد

أستيفظ من النوم مضعضعاَ ،أغتسل متمهلاَ،أرشف الشاى البارد الذى أعددته زوجتى على مضض ،أدخن حجرين معسل ،ألبس القميص والبنطال المكرمشين ،أحمل (شنطة)الزبالة ،أتخلى عنها بجوار أقرب رصيف ،أسرع الخطى هرباَ من الزحام،أعبر كوبرى الخشب،أخط بقدمى منحنى دائرياَ تخلصاَمن تداخل الأبدان،أتمهل السير مستحلباَ هدوء شارع التحرير،أوازى المركز القومى للبحوث،ألج ميدان الدقى،أردفه إلى ميدان المساحة،أقلب صحف عم"سيد"،تنهرنى زوجته ،أدلف قلعة الإدارة،أوقع حضوراَ،يزفنى"يحى"بوابل الأوامر،أحتل مكتبى،أفتح الأدراج، تهل كومة الطلبات،أتلو الأسماء،أفلسف الأمر مردداَ:

-          تكمن الخطورة فى الأسماء.

أسطربضع كلمات ، أضجر ، أتطايرمنفلتاَ،وعلى درجات السلم أتسلق ساتر الجنون:

-تدعو أمى فى غبشة الفجر:

-يا رب على مراتبه.

يطلب محمد ملحاَ:

-ثلاث كراسات مسطرةوقلم جاف وفلوس المجموعة.

يعوز أحمد مصاريف الحضانة،تتذمر زوجتى فجأة:

-فول فول بطننا زرعت .

أضيق نفساَ ، ألوذ بالغرزة مختبئاَ ،تخنقنى أدخنة النارجيلة :

{ أستعرض مسيرة إنسان؛ يكد ؛ يتوه ؛ يتبدل ؛تزاحمها صورة المدير،يمسك خيوط الدمى ، يهدهدها،تروق له ،أخلص منجزاَ تلال المذكرات ،أفقد خمسة أيام من راتبى جزاءَ ،أهمل متغابياَ ،تتهادى إلى علاوة تشجيعية.}

تمجنى الأحاديث ، يتفقه الزبال :

-إمرأة تفضح رأس قرية كبيرة.

يحاوره بائع الفاكهة :

-خلع رأس القرية عمامة الحياء.

يسألنى هشام:

-          ما رأيك؟

أنكتم دهراَ ،أندفن أسفل لحد الزمن ،يقدحون ذهن الحديث دونى،ألمس فرجات القراميد، تتجوف الشقوق،يطل منها مردة الزمن الغابر والحاضر:

"تطبل جوقة "شمهورش"، تتلاعق ، تزغرد، تطمس أشعتها بؤبؤى عينى"

أهجر المقهى فاراَ، أتقهقرإلى المكتب ،أتفرس الوجوه الكالحة ،يأزف حفل الأفطار ،تنتصب الموائد ،يتزامل الكشرى والفول والطعمية والملوحة ،يوزع رئيس التقارير السرية الأرغفة ،تزيق ضروس الطاحونة العملاقة ،تتلصص العيون لفضح ما يأكله الآخرون ،يشيل صبى المقصف صينية أكواب الشاى ،يدبر الوقت مهزوماَ،يلغطون جمعاَ لثمن المأكولات ،يوكل الساعى سامية لقنص الفلوس والبقشيش ،يؤذن طه ، أنهض من عثراتى قاصداَ الزاوية ،يخطئ الأمام ،يدعى الفقه ،يأبى التصحيح ،ألفظ الزاوية المنتهكة ،يعترضنى الحذاء الطلسم ،أرتكز على الحائط متعاملاَ معه ،يتكاثر الموظفون ،يدس مصطفى دفتر الأنصراف ،ينكت ساخراَ:

-          النظام .

تتعالى الهمهمات ، لا يجروء أحد على التمرد ، يعلن المستجدات :

-التوقيع للنساء أولاَ.

يتآخى الهرج والمرج ، تهجم النساء على الغرفة الضيقة ،تتلكعن توقيعاَ،وكأنهن تسطرن حروفاَ تائهة ،أوقع ،أهرع إلى الشارع ،أضحى كتلة من الصاج المتحرك ،أنزلق بين السيارات كالأفعوان ، يفاجئنى أنفتاح أبوابها ،يمرق الطلبة داخلها ،أعقد مقارنة مأثومة بينى وبينهم ،أخلص إلى تحقيرى ، أسب العربات الآبية مرورى ،أتمثل الأبتسام ، يطول مشوار العودة ،يهاجمنى التاريخ :

{ تتمرجح أخميم ذابلة فوق هلامية الآثار ،تركض فوق مستنقع الورش الصغيرة ،تقرضنى أمى ربع جنيه ، أعبر الجبانات واصلاَإلى مقام الست "عزيزة" ماراَ بمسجد سيدى "كمال الدين"،أنتظر حافلة مجلس المدينة الرخيصة طويلاَ،تكوينى الشمس المجحفة ،أنحشر فى المركبة،أرقب مساكن مدينة ناصر، أتخيل نفسى قاطناَ إحدى هذه الشقق، أدفس بدنى داخلاَ الكلية ،سرعان ما تنتهى المحاضرات ،نتجاذب أطراف الحديث خارج أروقة الدرس،أستلف من فتحى عشرة جنيهات ،أشترى كتاباَ،تنقضى الليالى فى القراءة.}

أتخطى المتاريس ، أتقوقع فى الشقة،تتوسطنا "الطبلية" ،نلتهم طبق المكرونة ونثريات اللحم ،يتفرق محمد وأحمد إلى حروفهما الهجائية،ألعق الشاى الدافئ ،يكمم نغم كركرات الشيشة أذنى، تنرفزنى برامج التلفاز،أمل القنوات المتطابقة،أشاهد:

{ نلتم فوق حصيرة مطعم فلاح الأستثمار المقتطع من شاطئ النيل ،تتراص أطباق الفول والباذنجان،تتمركزهم "قلة" الفخار،أزدرد لقيمات فى حياء،ينفق صفاء جنيهن ثمناَ، يغادروننى ، أتقيأ الطعام بجوار سياج المطعم البوصية،ألتمس سطح النهر نقاهة،تختبر قدماى ثبات الصخور المنجرفة، تشق المياه الدافئة ،تضفى ظلال الشمس على عقلى لهيباَ مستعراَ، تتضافر فوق السطح الرجراج حروف؛ يتلكع الغد مجيئا َويفتعل اليوم التوقف.}

تسرد زوجتى خناقات الحارة :

-يتشيع العيال عصابات ، يشتمون القانون ،ينالون فريستهم،أكوم قطع الفحم على الموقد، أصنع كوباَمن البن السادة،أتصفح صحيفة اليوم،تطمس زوجتى تاريخ إصدارها ،تنطلى على الحيلة،لا أكتشف أنها صحيفة العام الماضى ،أهرع إلى الفراش ،أستيقظ من النوم مهزولاَ،أغتسل ،أتجرع الشاى، أدخن. 

تمت بحمد الله

وسوم: العدد 663