أبى يصور فيلماَ
أحب اللعب وصيد العصافير ،من حقل إلى حقل ،ومن شجرة إلى شجرة كالسنونو ،وفى المساء تتوعدنى أمى بالضرب ،عمى بسام يخلعنى من يديها ،يأخذنى معه لنتمشى بعيداَعن زحمة بيتنا ،من درب إلى درب ،ومن خندق إلى خندق ؛نصل إلى البيت ،تعطينى زوجته الحلوى ،على الحائط صورة قديمة لرجل عجوز ،تلبس رأسه غضرة وعقالاَ، قال عمى :
-هذا جدك ذهب ولم يعد .
قدمت لى زوجة عمى رغيفاَ محشواَ باللحم ،أسفل صورة الجد وعلى الأريكة نمت ،أتصدق أن النوم بعبع :
)أتعب من الجرى والقفز ،يتربص بى الذئب ،أخاف ،الحوائط تقف دون نجاتى ،الذئب يشب )
آه ..آه ..زوجة عمى تهز رأسى برفق ،ترجنى ،تدفسنى فى حضنها ،ترش وجهى بالمياه ،ترفع رأسى لتدلق فى جوفى بق مياه ،أردد خلفها مرحاَ:
-أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .
عمى لم يأت بعد ،أرتجف ،لا يمكننى قفل عينى ثانية ،تحكى :
) زمان كان فيه الولد سمعان ابن العم زهقان، أكرر:
-سمعان..زهقان.(
أغفو ، أسافر فى النوم،وفى الصباح تحايل أبى ليأخذنى إلى السوق بالقدس الشرقية ،مازالت أطياف الذئب تطاردنى ،وأنا الآن متعب ،أصرت زوجة عمى أن أستحم أولاَ ،مياه باردة؛ساخنة ؛فاترة ؛وجسدى هامد متكسر،لبست بنطلوناَ نظيفاَ وقميصاَأظن أنه جديد،أبى يتعجلنى ،السيارة توقفت أكثر من عشرة مرات ،تفتيش ،إظهار للهوية ،والرد على أسئلة غريبة مثل لماذا وكم ؟طالت الرحلة ساعة وساعة ،نزول وصعود والطريق كومة ثعابين ،الجنود يزدادون ،تتوارى وجوههم خلف إنتفاخ قمصانهم ،حركاتهم تسرع كعقرب الثوانى ،الجو اليوم ملئ بالحذر والترقب ،زمامير وأبواق لسيارات سوداء ،الجنود ينتشرون ويكثرون ، تنطلق الطلقات ،من داخل المسجد الأقصى تخرج الحشود مهللة مكبرة ،الجو يغرق فى الأدخنة ،يهاجمنى الذئب ،أين أنت يا زوجة عمى ؟لا تحملنى قدماى ، لا تبصر عيناى،أرتعد،بجوار السوق أسقط،يحملنى أبى،يداه ترتعشان ،أنهبد ثانية ،الذئب يا أبى ،الذئب ، المصلون يتساقطون ،الطلقات تدوى فى السماء ،تتوعدنى أمى بالضرب ،الطلقات تصطدم بالسور ، ضربات أمى لا توجعنى ،أبى لا يعرف ماذا يفعل ؟-أيتركنى ويفر ؟-أيبقى جوارى ؟-أيحضننى ؟يقترب الجندى ،يغربل الرصاص السور ،الذئب يمسك بكم بنطلونى ، يتمزع الكم ،توبخنى أمى ،فينقض على الثانى ،ستزحف أمى على قدميا لتزجرنى ،تأبى الحياة منذ فقدها ساقيها ، بيتنا كل عام يتهدم منه حائط ،لا يستقيم جدار حتى يتهدل الآخر ،أخوتى يتسللون عبر الأسوار إلى بلاد تتحدث بلساننا ، يتمزق الكم الثانى ،آه..آه..آآآه.بيادته الفولاذية تدق صدره ،هبر قدمى اليسرى ،الدم يتجمد ولا ينزف ،جدتى تخترق المخيم ،تصيح :- خنازير... هدومها مهلهلة ،كانت جميلة، يشير أبى للجندى بأن يتركنى ، يتفل عليه الجندى ،مازال أبى ممسكاَ بعلبة سجائر ، لماذا لا يشعل سيجارته الآن ؟الذئب يمضغ قدمى اليمنى ،تموت الصرخات فى صدرى ،لا بأس فأنيابه حادة ؛ وسيفرغ منى بسرعة ،الجندى أصبح جنديين ؛ثلاثة ،أربعة ، مائة .أستنشق الرصاصات ،أبى يصور فيلماَ..أبى يصور.....، فيلم....،يصور أبى...، يصور، بصو..،يـ.....
تمت بحمد الله
وسوم: العدد 676