حَسْمٌ بلا هَرْطَقَة
قصص أقصر من القصيرة (12)
عاد (مصطفى) إلى منـزله ليلاً، بعد يومٍ حافلٍ بالعمل الشاقّ، ولدى وُلوُجِهِ من الباب الخارجي، فوجئ بمجموعةٍ من الرجال الملثَّمين ينقلون قِطَعاً من أثاثِ المنـزل، إلى شاحنةٍ كانت واقفةً داخل الحديقة، وكان وَقْعُ المفاجأة أشدّ على نفسه، حين لم يجد زوجته وأطفاله داخل المنـزل.. حاول أن يستفهم عن الذي يحدث، فزجره أحد اللصوص، طالباً منه أن يساعدَه في نقل بعض قطع الأثاث إلى الشاحنة!..
خرج (مصطفى) محدِّثاً نفسَه:
- يجب علي ألا أستفزّهم، بل أن أتّبع معهم أسلوباً حضارياً لأفهمَ الذي يحدث أولاً، ولأستعيدَ بيتي وممتلكاتي ثانياً، ولأعرفَ مكان زوجتي وأطفالي ثالثاً!..
عاد مساءً إلى منـزله، يحمل باقةً من الأوراد الجميلة.. قرع الباب.. ففتحه أحد الرجال، ثم استوقفه ساعتين عند الباب قبل أن يسمحَ له بالدخول.. دخل (مصطفى) وسلّم على الحاضرين، وقدّم لزعيمهم باقة الأوراد، ثم دعاه للحوار حول الذي يجري في بيته الذي اغتصبَه الزعيم وعصابته.. فبادره الزعيم بالقول:
- بإمكانكَ أن تعيشَ معنا هنا، فقد تركنا لكَ غرفةَ المعيشة.. أما زوجتكَ وأطفالك.. فقد قُتِلوا أثناء صراخهم عندما داهمنا المنـزل، إلا طفلُكَ الأكبر، فقد تمكّن من الهرب، ولا نعلم أين هو الآن!..
حاول (مصطفى) إقناعَ الزعيم، بأنّ المنـزل هو بيته الذي بناه بماله وجهده وعَرَقِه، ولا يجوز الاستيلاء عليه بهذا الشكل غير الحضاري.. فغضب الزعيم، وأمَرَ رجالَه بطرده إلى الحديقة!..
كان (مصطفى) يبكي بين أشجار النارنج تحت جنح الليل، فانزعج الزعيم من صوته ونَحيبه، وأمر الرجال أن يُحضِروه إليه لِيُعَاقِبَه.. وبحث الرجال في كل أرجاء الحديقة، لكنهم لم يتمكّنوا من معرفة مكانه.. فأمرهم الزعيم بإحراق الأشجار، واقتلاع الأزهار والأوراد، وتجريف الحديقة، إلى أن يعثروا على (مصطفى)، الذي هرب على الفور!..
بعد خمس سنواتٍ من التشرّد والعذاب، تسلّق (مصطفى) سورَ الحديقة، ورمى حَجَراً إلى نافذةٍ داخليةٍ لمنـزله، فأصاب به رأسَ زعيم العصابة.. فشجّه.. ثم هرب، لكنه فوجئ في اليوم التالي، بصورته منشورةً على صدور الصحف كلها، مع عنوانٍ بالأحمر العريض: (إرهابي يعتدي على حُرُمات الناس الآمنين)!..
قدّم (مصطفى) شكوى إلى الجهاتِ الـمَـعنيّة في البلدة، فاكتشف أنّ القاضي هو والد زعيم العصابة.. وأنّ رجالَ الشرطة هم حُرَّاسُه.. وأنّ الأجهزةَ المختصّة هم عملاؤه السِّريّون!..
بعد عشرين سنة، قَدِمَ شابٌ مُدَرَّب، يَهَابُه الناس، وقد رزقه الله بَسْطَةً في الجسمِ والعقل.. تسلَّل إلى داخل المنـزل، ثم زرعَ قُنبلةً في الصالون، وعندما اجتمع الزعيم مع رجاله كلهم داخله، ضغط الشابّ المتخفِّي في الشارع المجاور على أحد أزرار هاتفه الجوال، فانفجرت القنبلة، وتناثرت أشلاء رجال العصابة كلهم.. وتناقلت الخبرَ وكالاتُ الأنباء في البلدة والبلدات المجاورة خبراً عاجلاً ينصّ على الآتي: (بعد طولِ غياب، "طارقُ بن مصطفى" يَظهرُ من جديد، ويستعيدُ المنـزلَ المحتَلّ لعائلته، خلال نصف ساعة، والـحـُرَّاس يَفِرّون)!..
وسوم: العدد 736