الشوّاء العازف
في تلك السوق يباع "الفساد" بالجملة والمفرق.. وفيها تباع "الخرافة" أيضا بالجملة والمفرق.. وتجار كلا السلعتين يجنون الكثير من الأرباح لأنهما أكثر السلع مطلوبة بين الناس وأعظمها استهلاكًا. وهم أكثر التجار سعادة وصحة. قرر ذات يوم أحد "الشوائين"، وكان يقيم كانونه في إحدى زوايا السوق الجنوبية تجنبًا للرياح "البلطجيّة"، أن يتعلم إحدى المهنتين في المعهد الموسيقي، وأن يترك مهنة الشّواء، لعلّ حالته تتغير. فاشترى لنفسه عودًا وأتقن فنّ الغناء، وراح يعزف في الشارع عزفًا مميّزًا لا مثيل له، وكلّما مرّ الناس من جانبه تسمَّروا في أماكنهم يستمعون الى المقطوعة، كأنّ على رؤوسهم الطّير، حتى نهايتها. ثم صفّقوا له بحرارةٍ، ورمى كلّ واحد فيهم إلى داخل سلته ما تجود به نفسه من ذهب أو دنانير عربية وأعجمية. لم يرق عزف هذا "الشوّاء" وغناؤه على العازفين الآخرين وقرّروا التّخلص منه في أسرع وقت ممكن فاجتمعوا في دار الضيافة وقبل أن تصدر القرارات التّالية وكانت جاهزة مسبقًا، جهزها لهم كبير الشياطين-
أولا: تحرق سيارته ليلا.
ثانيا: يتم تلفيق تهمة الشعوذة والاتصال بالأرواح الشريرة، ويقام عليه الحدّ ثم يطرد من البلدة. وقف من بين الحاضرين "رجل" وهتف لهم بصوت عالٍ: "لو كان يوسف بين ظهرانيكم، لسألكم: لماذا أنتم فاقدون للوعي التصحيحي وتخطّطون قبل أن تتبيّنوا الحقيقة؟ ثمّ اندلعت الحرب الكلامية بينهم واستمرت أربعين عامًا ولا يزال الناس يبيعون الفساد والخرافات والأرواح الشريرة .. وتُوزّع الألقاب مجّانًا.
وسوم: العدد 744