عدم احترام قواعد اللعبة الديمقراطية هو السبب وراء الأزمة الحالية في المغرب
يبدو أن المغرب لم يبارح بعد وضعية وظرف حراك العشرين من فبراير سنة 2011 ،والمؤشر على ذلك هو المظاهرات التي اندلعت في شماله ، والتي لا زالت مستمرة في شرقه لحد الساعة .ومعلوم أن حراك 20 فبراير كان قد قدح زناده ما حدث في تونس ومصر من أحداث أطاحت بنظامين محسوبين على الفساد حسب الشعارات التي رفعتها الجماهير الساخطة في هذين البلدين . وكان الغرض من ذلك الحراك هو التنديد بوضعية الفساد المستشري في كل قطاعات البلاد، والرغبة في تحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي . ولقد كان التفاعل مع حراك المغرب مختلفا عنه في تونس ومصر وغيرها من البلاد العربية نظرا لاختلاف نظامه عن أنظمتها . وكان تعاطي النظام المغربي مع حراكه مختلفا عن تعاطي الأنظمة الأخرى مع حراكاتها حيث راهنت على قمعها ، وكان رهانها فاشلا ، بينما انحنى النظام في المغرب للعاصفة كما يقال ، وتم التوصل إلى تفاهم بينه وبين الشعب انتهى بدستور جديد علقت عليه الآمال العريضة ليفضي بالبلاد إلى ديمقراطية حقيقية ، وترتبت عنه تجربة انتخابية جاءت بحزب محسوب على التوجه الإسلامي راهن عليه المغاربة بعد أن جربوا في السابق أحزابا يمينية ويسارية وخاب رهانهم عليها إلى درجة فقدان الثقة في قدرتها على الخروج بالبلاد من حالة الأزمة المتعددة الوجوه . ويبدو أن حظ الأحزاب المحسوبة على التوجه الإسلامي في الوطن العربي بما فيها حزب العدالة والتنمية المغربي كان سيئا حيث سارعت جهات دولية وإقليمية إلى سحب البساط من تحت أرجلها بأساليب مختلفة تراوحت بين انقلاب عسكري في مصر ، ومقامرة انتخابية في تونس غيرت فوز حزب النهضة، واضطرته إلى قبول نصف فوز تحت تأثير الخوف من مصير حزب الحرية والعدالة المصري . ولم يختلف حال حزب العدالة والتنمية المغربي عن حال حزب النهضة التونسي حيث عرفت اللعبة الديمقراطية عندنا ارتباكا بسبب عدم احترام قواعدها ، فكان ما سمي " البلوكاج " كضغط لقبل الدخول في ائتلاف مع بعض الأحزاب التي تختلف عنه في توجهها ومرجعيتها الإيديولوجية. وحمّل زعيم حزب العدالة والتنمية مسؤولية تعثر تشكيل حكومة من أحزاب ذات ألوان وأطياف سياسية مختلفة إلى حد التباين ، وانتهى به المطاف إلى الخروج من التشكيلة الحكومية ليسد مسده زميله رئيس الحكومة الحالي. وكانت نتيجة هذا الذي وقع هو الأزمة الحالية التي يعكسها اندلاع مظاهرات في جهات عدة من الوطن خصوصا في جهتي الشمال والشرق ، وهي مظاهرات لم تنجح الحكومة ذات الخليط الحزبي المتباين في تهدئتها ، ونزع فتيلها . والغريب أن بعض الأحزاب المشاركة في هذه الحكومة تحاول تحميل حزب العدالة والتنمية مسؤولية الأزمة التي تمر بها البلاد ، وهي أزمة اقتصادية بالدرجة الأولى ، وأزمة شغل وتشغيل والمتاجرة السياسية بها. ويبدو المشهد السياسي والحال هذه أن تلك الأحزاب وغيرها مما يحسب على المعارضة تدير حملات انتخابية خارج وقتها للإطاحة بحزب العدالة والتنمية الذي تضرر بفعل قرارات اضطر لاتخاذها أوجعت الشعب وأرهقته ، وذلك في ظل الأجواء التي أعقبت ثورات الربيع العربي ، والتي تلتها ثورات مضادة بشكل أو بآخر لمنع ما صار الغرب يسميه إسلاما سياسيا تمثله الأحزاب المحسوبة على المرجعية الإسلامية في الوطن العربي . ولا شك أن حزب العدالة والتنمية كحزب النهضة في تونس، فضل نصف رغيف على فقدان الرغيف بكامله كما حدث لحزب الحرية والعدالة المصري الذي زج بعناصره في السجون والمعتقلات بعد الانقلاب العسكري عليه. ووضعية القبول بنصف رغيف أحرجت حرجا كبيرا حزبي النهضة التونسي والعدالة والتنمية المغربي أمام الشعبين التونسي والمغربي إلى درجة اتهامهما بالتآمر عليهما . ومن غير المستبعد أن هذا الذي انتهى إليه الحزبان كان مقصودا، وقد خطط له لتشويههما أمام الرأي العام بسبب فشل مفتعل افتعالا حتى يتم التراجع عن الرهان عليهما مستقبلا ، ويدخلان ضمن تجارب غيرهما من الأحزاب التي قادت البلاد ، وفشلت في إخراجها من وضعها المتأزم . وقد يكون قبول الحزبين: النهضة التونسي ،والعدالة والتنمية المغربي بمشاركة أحزاب تخالفهما التوجه في تدبير شؤون البلدين، إنما هو حرصهما على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من المسار الديمقراطي لتجنيبه الانهيار التام كما هو الحال في مصر حسب ما يصرحان به .و شعارهما مقولة المثل العامي المغربي : " اللهم تدخن ولا طافية " أي اللهم نار ذات دخان ولا نار خامدة . والعمل بهذا الشعار من طرف الحزبين مغامرة غير مأمونة العواقب ،خصوصا وقد ساد الاعتقاد أن هذه الحزبين قد ركب ظهرهما لتمرير قرارات أثارت غضب المواطنين الذين كانوا ينتظرون من الحزبين الانطلاق نحو إصلاحات ديمقراطية حقيقية تخرج بالبلدين من أزمتهما . ومن غير المستبعد أن يكون الحزبان مستقبلا كبشي فداء للتخفيف من احتقان الشعبين ،وذلك بتحميلهما مسؤولية انسداد آفاق الإصلاح. ومع فشل الحزبين في تحقيق ما كان الشعبان ينتظرانه منهما سينتهي الرهان عليهما مستقبلا ،وعلى كل حزب يتبنى المرجعية الإسلامية، إذ سيكون محسوبا على ما يسميه الغرب الإسلام السياسي الذي لا يقبل التعايش معه بوجه من الوجوه . ونتساءل هل سيعذر الشعبان التونسي والمغربي هذين الحزبين في اختيارهما الاستمرار في لعبة المقامرة مع أحزاب تشاركهما تدبير شؤون البلدين ، وفي نفس الوقت تنحي عليهما باللائمة مراهنة على حملات انتخابية في غير وقتها لتلميع صورتها على حسابها لكسب رهان الانتخابات المقبلة من خلال تقديم نفسها بديلا لا مندوحة عنه، ومن خلال تقديم الوعود المعسولة ، وتسويق وبيع الأحلام لشعبين يريدان ديمقراطية حقيقية تخرجهما من النفق المظلم، لا ديمقراطية صورية تظل معها دار لقمان على حالها.
وسوم: العدد 759