الدواعش في لعبة الدور الذرائعي الذي لن ينتهي، ماذا يراد بالشمال السوري !؟

قلنا مرارا أننا نقصد بالداعشية والتدعش حالة من الأحادية الدينية أو الحضارية أو الثقافية أو الفكرية ، أحادية تمتزج بالغلو والغرور والاستعلاء ، والاستخفاف بالآخرين حياتهم وآراءهم ومصالحهم وكل عناصر وجودهم .

إن التدعش ، ليس حالة إسلامية ، ولا هو حالة دينية فقط ، بل هو حالة نفسية وعقلية يتلبس بها اليوم الكثير من صناع السياسة العالمية والإقليمية وهي أظهر ما تكون في عالمنا العربي ، على الساحتين الفلسطينية والسورية ؛ يمارسها جبابرة متغطرسون باسم الحرب على الإرهاب تارة ، أو الدفاع عن السلام وحقوق الإنسان أخرى.

وقد اشتغل (التدعش) الحالة منذ أربعة عقود تقريبا في إعلان حرب مستترة طورا وصريحة طورا آخر ؛ على الإسلام ( عقيدة وشريعة ومنهج حياة ). وكان محاربون من أبناء الإسلام يحاربونه باسمه، بكيد عالمهم وجهل جاهلهم، فيغرقونه ودعاته وشعوبه في لجج الماضي بدلا من التطلع الرشيد إلى المستقبل ، ويدورون بهذه الشعوب في مسارب فرعيات وجزئيات يظل عليها جدالهم واختلافهم . وكان هناك محاربون استراتيجيون يخططون ويدبرون ، ويقدمون ويؤخرون . سأكتفي فقط في هذا السياق بالإشارة إلى ما قرره الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشار نيكسون منذ أواخر الثمانينات من القرن العشرين ، وقبيل سقوط الاتحاد السوفياتي ، وكان يبشر بسقوطه ( 1999 ) حيث يؤكد في كتابه (نصر بلا حرب 1999)

أن الوقت قد حان إلى إعلان الحرب على ( الخطر الأخضر ) . عنوان ا(لحرب على الخطر الأخضر) هو القاعدة الأساسية للتفسير ؛ ثم يبقى كل ما نراه من أسماء وعناوين ومعارك وتصرفات مجرد تفاصيل ..

خبران عابران مرّا أمام أعيننا أول أمس سريعا دون أن يتوقف عندهما الكثيرون ، الخبران يؤكدان حقيقة ولا يكشفانها ، ولكن تأكيد الحقيقة في هذا الظرف ، له قيمته العلمية ، وله دلالته الاستخبارية أو الاستراتيجية التي يجب أن تدخل في حسابات الممسكين بقرارات ثورتنا الجميلة في هذه الظروف الصعبة .

إذ بعد إعلان الانتصار على ما يسمى ( تنظيم الدولة ..) الذي تنازع شرفه كل الأطراف الأمريكي والروسي والإيراني والأسدي ؛ شعر القوم أنهم مازالوا بحاجة إلى ذريعتهم القديمة المتجددة والمفيدة ، ليمرروا أمورا ، نكتب هذه المقالة للدعوة إلى التفكير فيها ..

الخبر الأول صدر عن المتحدث باسم الحكومة التركية : يؤكد قيام وحدات (البي واي دي) الإرهابية ، ولن أقول الكردية ، بإطلاق سراح ( 400 ) من عناصر داعش في عفرين ودير الزور شريطة مقاتلتهم الجنود الأتراك !!

وليسمح لنا المتحدث باسم الحكومة التركية أن نعيد صياغة الخبر ، حيث تفرض عليه التزاماته الدبلوماسية أن ينسب عملية إطلاق سراح هؤلاء الإرهابيين إلى فصائل إرهابية ؛ بينما الحقيقة أن إطلاق مثل هؤلاء لا يمكن أن يتم إلا برأي الأمريكان ومشورتهم وسبق تخطيطهم .

أما الخبر الثاني ، فقد صدر متزامنا مع الخبر الأول ، ومتساوقا معه :

عصابة بشار الأسد تعقد صفقة مع ( 200 ) من مقاتلي داعش في ريف حماة ، تفتح لهم ثغرة للانتقال من ريف حماة ، حيث هم محاصرون ، إلى ريف إدلب الجنوبي ، حيث يريد بشار الأسد أن يشيع الفساد والاقتتال ويسلط الناس بعضهم على بعض .

نعتقد أن الرسالة الأمريكية في منطقة عفرين والأسدية في جنوب إدلب واحدة .

نعتقد أن الأمر الذي لم يعد من المقبول أن يختلف العقلاء عليه هو الدور الذرائعي والأدواتي لهذه المجموعات على اختلاف مشاربها وعناوينها . والتي كان ينبغي للمشروع الإسلامي الوطني السوري ، أن ينبذها ، ولو لم ينبذها أحد في العالم ..

ويبقى هناك سؤالان على مائدة العقلاء :

الأول : ماذا يعد لنا أهل الكيد والمكر في كل من إدلب وعفرين ..

والثاني : كيف نحبط مكر هؤلاء ، وكيف نقطع الطريق على ما يمكرون ويخططون .

لا نعتقد أن الأجوبة سهلة ، ولكنها ليست المعادلة المستحيلة . وإن الأمر لسهل على من سهله الله عليه .

وأول ما ينبغي أن نكشفه للرأي العام العالمي والمحلي حقيقة الدور الأدواتي والذرائعي في لعبة تبادل الأدوار .

يقولون في علم السياسة : أن تقنعك عميلك أنه يخدم قضيته وأنك متفضل عليه وتساعده ..كم فصيل أمام أعيننا وقع في هذا الفخ؟!

وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 759