طارق رمضان بين الحقيقة والبهتان
لقد سال الكثير من الحبر حول قضية أستاذ جامعة أوكسفورد الدكتور طارق رمضان والتي تتعلق بقضيتين رُفعت ضده في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول 2017.
الأولى رفعتها سيدة اسمها “هند عياري” سلفية سابقة، وناشطة نسوية علمانية حاليا، وتتهم من خلالها طارق رمضان بأنه قام باغتصابها في عام 2012 بأحد فنادق باريس.
والدعوى الثانية لسيدة أخرى تسمي نفسها بـ “كريستيل” تدعي من خلالها هي الأخرى بأنها أُغتصبت من طرف الشخص نفسه بأحد الفنادق بمدينة ليون الفرنسية في عام 2009.
وهناك بلاغ قضائي جديد قدمته محامية أمريكية من أصول باكستانية تُدعى “ربيعة شودري” يوم الجمعة 16 فيفري 2018، وقد نشرت هذا الخبر على صفحتها على الفايسبوك.
غير أن هذا البلاغ يبقى غامضا، حيث تحفظت هذه المحامية عن ذكر اسم موكلتها وطبيعة الاعتداء الذي تعرضت له.
وفي المقابل نفى طارق رمضان مرارا هذه الاتهامات المباشرة جملة وتفصيلا،
واعتبرها جزءا من حملة أكاذيب منظمة يُغذّيها خصومه.
كما أنه قام برفع دعوى قضائية ضد المدعيتين بتهمة التشهير والافتراء.
وأمام هذه الوقائع وجهت له النيابة العامة بباريس تهمتي الاغتصاب واغتصاب شخص في وضع ضعف، وقد تم ايداعه الحبس الاحتياطي لتتم محاكمته في الأيام المقبلة.
وبما أنني رجل قانون سوف أحاول أن أُعطي تحليلا قانونيا لهذه القضية بعيدا عن العواطف أو اعتبارات أخرى.
الملاحظة الأولى التي يمكن تسجيلها هي التغطية الإعلامية المبالغ فيها لهذه القضية، مما تولّد ضغطا إعلاميا كبيرا ممكن أن تكون له آثار على قضاة الحكم في هذا الملف الذي أضحى قضية رأي عام، لما لطارق رمضان من جمهور عريض في أوساط مسلمي أوروبا يُعد بالملايين، ولما له من حضور اعلامي أوروبي واسع.
الملاحظة الثانية هي تلك الدعاية الإعلامية المسبقة لتثبيت التهم الموجهة لطارق رمضان، وهذا لكي تتم ادانته قضائيا، بل قد تمت محاكمته إعلاميا وصدر حكم إدانته!
ومن خلال المعطيات المتوفرة لحد هذه الساعة، تبيّن لي أن هذه الاتهامات ما هي إلا ادعاءات باطلة، تفتقر للأسانيد القانونية، وقد تم تكييفها على خلفية حملة ممنهجة من خصوم طارق رمضان وخاصة من اليمين واليمين المتطرف، وأستطيع أن أقدم الأدلة التالية على تحليلي هذا:
1- الملاحظ منذ البداية أن الاعلام حاول تغليط الرأي العام بنشر الخبر على أساس أن الشرطة أوقفت طارق رمضان في باريس، والأصح أنه تلقى استدعاء للاستجواب من طرف إحدى مراكز الشرطة بباريس، وقد استجاب لهذا الاستدعاء وتوجه الى هذا المركز للإجابة على اتهامات الاغتصاب، وبعد الاستماع إلى أقواله، تقرر إيداعه السجن الاحتياطي تمهيداً لمثوله أمام قاضي التحقيق في إطار التحريات الأولية، وهذا حسب ما أكده محاميه “مارك بونون”.
2- لماذا تم رفع الدعاوى القضائيىة في وقت واحد في نهاية شهر أكتوبر 2017، رغم أن الواقعتين لم تحدثا في نفس الزمن، فكانت الأولى في 2009 والثانية في 2012 على زعم المدعيتين؟ ولماذا تم السكوت عن الجريمة الأولى والثانية الى هذا الوقت بالذات؟
3- هناك تذكرة طيران تبين بأن طارق رمضان كان في رحلة من لندن إلى مدينة ليون، فقد كان على متن الطائرة في نفس الوقت الذي ادعت فيه صاحبة الدعوى الثانية “كريستيل” على أنه قام باغتصابها في التاسع من تشرين الأول /أكتوبر 2009 بعد الظهيرة، فالطائرة وصلت على الى مطار “ليون سانت إكسوبيري” على الساعة السادسة وخمسة وثلاثون دقيقة مساء، أي مع صلاة العشاء، يعني أن الوقت ليل وليست ظهيرة أو بعدها.
وهذه الرحلة كانت مقررة للمشاركة في مؤتمر بالمدينة نفسها على الساعة الثامنة والنصف مساء.
حيث إن هذه التذكرة تعتبر دليلا ماديا قويا وقاطعا على عدم وجود المتهم في مكان الواقعة المدعى بها، وبالتالي فهي تدحض هذا الادعاء.
4- الغريب في الأمر أن هذه التذكرة التي تعتبر دليلا قويا في تبرئة المتهم من ادعاء “كريستيل” قد اختفت، رغم تأكيد محاميي المتهم “ياسين بوزرو” و”جولي غرانيه” إرسالهما النسخة نفسها في السادس من ديسمبر/ كانون الأول 2017، إلا أن المحققين أصروا على عدم وصولها لهم.
5- هناك دليل آخر يُثبت ارسال محامو المتهم للتذكرة نفسها عبر البريد الالكتروني الخاص بقسم الشرطة القضائية بباريس والمختصة بالتحقيق في هذه القضية، وقد تم استلامها.
وهنا من حقنا أن نطرح السؤالين التاليين:
هل إخفاء هذه الوثيقة كان متعمدا أم كان عن طريق الخطأ؟
وكيف يمكن للقضاء الفرنسي أن يغفل على دليل مادي كهذا؟
6- هناك محادثات موثقة على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك يحمل اسم «هند عياري” تعود إلى سنة 2014، يعني بعد عامين على الوقائع المفترضة (2012)، هذه المحادثات تبين بوضوح محاولات إغواء طارق رمضان، والذي كان يتجاهلها في كل مرة.
7- سجلات الهاتف أظهرت اتصالات متكررة بين المدعية الأولى “هند عياري” و “فياميتا فينر” بمعدل 156 مرة، وبين هذه الأخيرة والمدعية الثانية “كريستيل” بمعدل 116 في الفترة ما بين 6 مايو/أيار و6 نوفمبر/تشرين الثاني 2017.
و”فياميتا فينر” هي الصديقة الحميمة ل “كارولين فورست” الخصم القديم لطارق رمضان.
وكما كشفت أقوال المدعيتين الأولى والثانية وأشخاص آخرين عن وجود صلات مع نساء قلن إنهن تعرضن في السابق إلى الاعتداء الجنسي من طرف طارق رمضان، ومع خصوم له، وهذا قبل رفع الدعوى الأولى.
وعلى هذا الأساس قدم محاموه شكوى ضد ما أسموه رشوة الشهود، مستهدفين “كارولين فورست”.
8- توقيع مائة وثلاثون شخصية فرنسية عريضة تدعم طارق رمضان والموقع الاخباري الفرنسي “ميديابارت” هذا الموقع الذي تم اتهامه بحماية طارق رمضان.
فهل سينطق القضاء الفرنسي ببراءة طارق رمضان، أم سيُدينه؟
وسوم: العدد 760