الكوريتان على طريق الوحدة
يمكن القول إن الأحداث الحالية الإيجابية بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية قد أفصحت عن قرب وقوعها في الأول من يناير الماضي حين أعلن كيم جونج أون الشمالي أن بلاده ستشارك في الألعاب الأولمبية الشتوية في كوريا الجنوبية ، بعدئذ ، انفتح الباب لتلك الأحداث التي تمثلت في زيارة كيم إلى كوريا الجنوبية ، واجتماعه برئيسها مون ، واتفاق الرئيسين على العمل على نزع السلاح النووي ، وإعلان نهاية الحرب المستمرة نظريا بين الطرفين منذ 1953 ، أي منذ 65 عاما ، والحد من التسلح ، ووقف الأعمال العدائية برا وبحرا وجوا ، وتحويل الحدود بينهما إلى منطقة سلام . قبل يناير الماضي كان التراشق الكلامي العدائي بين ترامب وكيم على أشده ، ولوحظ بعد يناير تراجعه شيئا فشيئا إلى أن أعلن عن لقاء بين الرئيسين قد يحدث في مايو أو يونيو القادمين ، وقويت الآن احتمالات حدوثه بعد اجتماع القطبين الكوريين . وتبدو الخطوات مرتبة منسقة ، ولا صدفة فيها ولا ارتجال ، ومن مظاهر ترتيبها وتنسيقها زيارة كيم إلى الصين في مارس الماضي ، ولابد أنه استشارها ونسق تحركاته معه . التساؤل مشروع جدا عن سبب التحول المفاجىء في موقف كوريا الشمالية من وقف تجاربها النووية ، وتجارب صواريخها البالستية التي تستهدف في نوعية مداها الولايات المتحدة . كانت كوريا الشمالية تشترط لوقف تلك التجارب رحيل 28 ألف جندي أميركي من كوريا الجنوبية ، ورفع مظلة الحماية النووية الأميركية عنها ، فهل حصلت على وعد بذلك أو شيء قريب منه ؟! مهما يكن السبب أو الأسباب وراء الموقف الكوري الشمالي فالذي لاشك فيه أنه ليس مدفوعا بحالة ضعف ، وكل شي مازال خاضعا لمباحثات ستشمل أطرافا أخرى هي الصين واليابان وروسيا ، وما تم حتى الآن بخصوص نووي كوريا الشمالية وصواريخها ليس أكثر من بيان نوايا ، وهذا ما وضحه كيم مسبقا حين قال في زيارته للصين : " المسألة يمكن حلها إذا اتخذت سيول وواشنطون إجراءات تدريجية ومتناسقة تستهدف تحقيق السلام " . كوريا الشمالية التي صمدت لكل التحديات الأميركية في صلابة وعناد 65 عاما لا يمكن أن تضحي بصمودها ومعاناتها دون أن تنال ثمنا مجزيا لها ، وهي واثقة من أن الثمن سيكون وحدة الكوريتين في صيغة تخفف من الهيمنة الأميركية على كوريا الجنوبية ، وتضمن لها ، لكوريا الشمالية ، الأمان التام ضمن تلك الوحدة . وحدة الوطن الكوري لم تفارق بال وخطط قادة الشمال ، وكانت أميركا هي المانع القاطع لها ، للوحدة . الآن الشمال والجنوب على الطريق إليها ، وقبل الاجتماع بين الرئيسين قالت وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية إن كيم سيتباحث بصراحة كبيرة مع رئيس كوريا الجنوبية مون جي إن : " حول كل المشاكل التي تعترض تحسين العلاقات بين الكوريتين ، والتوصل إلى السلام والازدهار ، وإعادة التوحيد " . " إعادة التوحيد " هي الهدف النهائي ، وهي السبيل إلى السلام والازدهار للوطن الواحد والشعب الواحد . وتحدث كيم عن جوهر وحقيقة هذه الوحدة ، فقال : " ما من سبب يجعلنا نقاتل بعضنا بعضا ، نحن شعب واحد " . ولا تقل رغبة الجنوب في هذه الوحدة عن رغبة الشمال ، وأبانت الابتسامات المشرقة على وجوه أعضاء الوفدين هذه الرغبة الواحدة ، وانتقل الرئيسان في إيماءة رمزية إلى الجهة الشمالية من الحد الفاصل بينهما توكيدا وتجلية لهذه الرغبة ، وبيانا للمساواة بين الطرفين . المتوقع بقوة أن تتحقق وحدة الكوريتين مثلما تحققت وحدة الألمانيتين في مطلع تسعينات القرن الماضي ، ففي النهاية ، ودائما ، لا يصح إلا الصحيح ، والأصلي يبقى ، والطارىء يزول ، والصحيح وحدة الكوريتين ، والأصلي أنهما أهل شبه ، والطارىء هو الوجود الأميركي ، وهو زائل حتما ذات حين قرب أو بعد ، والمتوقع أن ينتج اتحادهما دولة كبيرة قوية بمساحة حوالي 220 ألف كيلو متربع ، وحوالي 80 مليون نسمة ، جنوبها يتميز بتقدمه التكنولوجي والصناعي وشركاته الكبرى ، وشمالها يتميز بالانضباط الصارم ، والقدرة على الصبر والتقشف التي جعلته رغم محدودية ثرواته الطبيعية ، وبقدرات وكفاءات تكنولوجية وصناعية جيدة ، ورغم العداء الأميركي الطويل له ، ومقاطعته عالميا بعد شروعه في إنتاج الأسلحة النووية والصواريخ البالستية ؛ يكون جيشا من حوالي 6 ملايين بين عامل واحتياط . وفي المستقبل المنظور ستستفيد أميركا كثيرا من الدولة الجديدة في الاقتصاد والسياسة ، ورحب ترامب بالتقارب بين الكوريتين ، واهتم بنسبته إلى أميركا حين كتب في تغريدة : " الولايات المتحدة وكل شعبها العظيم يجب أن يفخرا بما يحدث الآن في كوريا " ، والمؤكد أن الفخر الحقيقي للشعب الكوري وقيادتيه ، والمؤكد أيضا أن الفائدة الكبرى الباقية لهذا الشعب .
وسوم: العدد 771