جرائم الحوثيين في منظور القوانين والمعاهدات الدولية

أحمد بن عثمان التويجري

تعرف جريمة الحرب بأنها «كل فعل ينتهك قوانين القتال المنصوص أو المتعارف عليها بين الدول والمجتمعات». ولئن كان مبدأ مانو الهندي (200 قبل الميلاد) يعد أول قاعدة جسدت مفهوم جريمة الحرب بشكل قانوني، ومحاكمة بيتر فون هاجنباخ التي عقدت في النمسا عام 1474 أولَ محاكمة على جريمة حرب، إلا أن تشكل مفهوم جرائم الحرب بصيغته القانونية شبه المكتملة لم يحدث إلا في الضوابط التي أعدها الفيلسوف الألماني الأميركي فرانز ليبر عام 1863 وتبناها الرئيس الأميركي إبراهام لينكولن خلال الحرب الأهلية الأميركية، وفي اتفاقيتي لاهاي عام 1899 وعام 1907، ثم في معاهدة فرساي عام 1919، واتفاق لندن عام 1945، وميثاق محكمة نورنبرغ العسكرية الدولية التي أنشئت لمحاكمة القادة النازيين عام 1945، وعرّفت جريمة الحرب بأنها: «انتهاك قوانين الحرب وأعرافها، بما في ذلك قتل مدنيين في أرض محتلة أو إساءة معاملتهم أو إبعادهم؛ قتل أسرى حرب أو إساءة معاملتهم؛ قتل رهائن؛ سلب ملكية خاصة؛ والتدمير غير الضروري عسكرياً».

في الجانب الأخر، لقد أسهمت اتفاقيات جنيف الأربع (الموقعة ما بين 1864، و 1949) في بلورة وتطوير المفاهيم والضوابط القانونية حول جرائم الإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وبلغت مسيرة مواجهة هذه الجرائم الخطيرة أوجها عند إقرار نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عام 1998، الذي حددت المادة الثامنة منه الجرائم التي تعد جرائم حرب بشكل دقيق، وكان من أهمها:

- تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين.

- تعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين.

- تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية.

- تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية.

المتمردون الحوثيون أطلقوا مئات الصواريخ البالستية والمقذوفات الشديدة الانفجار على مدن المملكة العربية السعودية وقراها منذ بدء المواجهات بين الحوثيين وقوات التحالف قبل أكثر من ثلاث سنوات، وقد شملت المناطق المستهدفة مكة المكرمة والعاصمة الرياض ومدينتي نجران وجيزان، ونتجت من ذلك الاستهداف خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات. ومن المعلوم أن تلك الصواريخ كلها وجهت إلى المدن المشار إليها على رغم اكتظاظها بالسكان المدنيين، وعلى رغم كون درجة دقة الصواريخ متدنية جداً، الأمر الذي شكل انتهاكاً صريحاً وخطيراً للقانون الدولي يجرّم الحوثيين ومن ساندهم ويضعهم جميعاً تحت طائلة العقاب بحسب ما نص عليه نظام روما الأساسي، الذي جاء في ديباجته أن «الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره يجب ألا تمر من دون عقاب وأنه يجب ضمان مقاضاة مرتكبيها على نحو فعال من خلال تدابير تتخذ على الصعيد الوطني وكذلك من خلال تعزيز التعاون الدولي».

لم تقتصر جرائم الحوثيين على الإطلاق العشوائي للصواريخ الباليستية والمقذوفات الشديدة الانفجار على أهداف مدنية في المملكة العربية السعودية، وإنما شملت كذلك جرائم كبرى وخطيرة داخل اليمن نفسه يصنفها القانون الدولي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، من أشنعها وأشدها خطراً قصف المنشآت الطبية وأماكن العبادة، واستهداف المدنيين غير المقاتلين، والاغتيال والاختطاف والتغييب القسري، والتعذيب والمعاملة غير الإنسانية والإبعاد غير المشروع، كما شملت إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات أو نهبها أو الاستيلاء عليها بطرق غير قانونية، إضافة إلى تجنيد الأطفال وتعريضهم للمهالك والمعاناة الشديدة. وكل هذه الأعمال وغيرها مما أقدم عليه الحوثيون جرائم حرب، بحسب ما نص عليه نظام المحكمة الجنائية الدولية، فعلى سبيل المثال نصت الفقرة (هـ) من المادة الثامنة من النظام المشار إليه على أن من: «الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي، في النطاق الثابت للقانون الدولي أيٌّ من الأفعال التالية:

- تعمد توجيه هجمات ضد المباني والمواد والوحدات الطبية ووسائل النقل والأفراد من مستعملي الشعارات المميزة المبينة في اتفاقيات جنيف طبقاً للقانون الدولي.

- تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية.

- تعمد شن هجمات ضد موظفين مستخدمين أو منشآت أو مواد أو وحدات أو مركبات مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية

- تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية، والآثار التاريخية، والمستشفيات، وأماكن تجمع المرضى والجرحى، شريطة ألا تكون أهدافاً عسكرية.

- نهب أي بلدة أو مكان حتى وإن تم الاستيلاء عليه عنوة.

- تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر إلزامياً أو طوعياً في القوات المسلحة أو في جماعات مسلحة أو استخدامهم للمشاركة فعلياً في الأعمال الحربية.

- إصدار أوامر بتشريد السكان المدنيين لأسباب تتصل بالنزاع، ما لم يكن ذلك بداع من أمن المدنيين المعنيين أو لأسباب عسكرية ملحة.

ونص البند الثاني من المادة الرابعة من البروتوكول الثاني الإضافي من اتفاقيات جنيف في ما يتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية على ما يلي: «تعد الأعمال التالية الموجهة ضد الأشخاص المشار إليهم في الفقرة الأولى محظورة حالاً واستقبالاً وفي كل زمان ومكان، وذلك من دون الإخلال بطابع الشمول الذي تتسم به الأحكام السابقة:

.......

ج - أخذ الرهائن.

د - أعمال الإرهاب.

ز- السلب والنهب.

كما نصت الفقرة (ج) من البند نفسه على أنه: «لا يجوز تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة في القوات أو الجماعات المسلحة. ولا يجوز السماح باشتراكهم في الأعمال العدائية».

آن الأوان لأن يتحمل المجتمع الدولي والهيئات والمنظمات العالمية مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية تجاه جرائم الحوثيين وتجاوزاتهم، كما آن الأوان لأن تتوحد الجهود الإقليمية والدولية لوضع حدٍ لهذه الانتهاكات والجرائم الخطيرة، وتقديم مرتكبيها ومن يقف وراءهم إلى المحكمة الجنائية الدولية وإيقاع العقوبات المناسبة على كل من تورط فيها.

وسوم: العدد 782