الحرس الثوري، والمحافظين، والتحرش" السياسي" بروحاني

شهدت محافظة "أصفهان" و"ألبرز" بالأمس، مظاهرات احتجاجية على الغلاء ورفع الأسعار التي عصفت بإيران في الآونة الأخيرة. وتجري هذه المظاهرات في الوقت الذي أدلى فيه "ترامب" بتصريحاته الأخيرة التي أعلن فيها أنّه على استعداد للاجتماع مع قادة إيران دونما شروط مسبقة. وقد سلّطت هذه التصريحات الأضواء علي بازار طهران الملتهب، الذي أعلن استعداده القيام بإضراب مفتوح، وإلى أجل غير مسمى، علما بأن آخر الأخبار تفيد، أن سعر صرف الدولار غير ثابت، ومرشح كل ساعة للارتفاع، الملفت أن صراخ وهدير المظاهرات احتجاجا على الوضع المضطرب للاقتصاد الإيراني بدأ يترحّم على أيام الشاه، ويطالب بإعادة نجله لحكم إيران وانقاذها من الملالين اللذين نهبوا إيران، والكلام طبعاً على "عهدة المتظاهرين" في الوقت الذي يترنّح به الاقتصاد الإيراني ما بين سندان المفاوضات مع أمريكا أو العقوبات، تتأثر الأسواق، وبالتالي سعر المنتجات، من كل ردة فعل من قبل أي طرف، لكن ما الذي ستختاره إيران في نهاية المطاف في ما يتعلق باقتصادها وسياستها الداخلية والخارجية التي باتت على كف "عفريت"، وبتنا أمام "كرنفال" عنوانه الفوضى، والانفلات الشامل، بعد ارتفاع سعر الدولار الذي بدى يترنح ويلفظ أنفاسه الأخيرة، ووصول التضخّم إلى أكثر من 300%، صاحبه ارتفاع جنوني للسلع الغذائية والأدوية، وتقلبات السوق، ما أدى إلى اغلاق المتاجر أبوابها.

 حديث "دونالد ترامب" حول استعداده للقاء زعماء إيران، كانت مورد اهتمام المسؤولين السياسيين ووسائل الإعلام الإيرانية، حيث أدلى المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي بأن بلاده مستعدة لإنهاء العقوبات، وقال "مالكوس" إن هذه الخطوات مرتبطة بالتغييرات الملموسة والدائمة في المواقف الإيرانية. أما بالمقابل فقد صرّح "حامد أبو طالبي"، مستشار الرئيس الإيراني "حسن روحاني"، فقد ردّ على الأمريكيين بالمقابل مذكراً بضرورة احترام الأمة الإيرانية العظيمة، والحدّ من الأعمال العدائية، وعودة أمريكا إلى الاتفاق النووي، وأنها ستمهد الطريق وتهدي الوضع الحالي؛ كما قال "على مطهري"، نائب رئيس البرلمان، إنه مع سياسة الإذلال التي تمارسها أمريكا تجاه إيران، لن يكون التفاوض معها مناسباً.

 إذاً المشكلة العضوية باتت متعلقة بمصطلح "الكرامة الوطنية" فقط وليس بالانهيار الممنهج للاقتصاد والدولة الإيرانية على حد سواء.

 المسؤولون الإيرانيون من "الدرجة الأولى " باتوا يطرحون مسألة الاستعداد للتفاوض مع إدارة ترامب "بشراهة"، لكن المهم هو رد الاعتبار، ولو لفظاً لكرامتهم الوطنية المهدورة، وبدأت الاستعداد لاتخاذ موقف رسمي من جانب مجلس الأمن القومي بفتح الحوار المباشر، قبل فوات الآوان هو الذي ينبغي أن يعطى صفة الاستعجال، كما قال أحد الرموز الاصلاحيين.

 في لقاء روحاني مع سفير بريطانيا الجديد تراجع الرئيس عن إغلاق مضيق هرمز، مطالباً بالسماح لإيران بتصدير نفطها أسوة بالآخرين، وهذا مؤشّر على أن إيران أخذت الاقتراح الامريكي ومسألة التفاوض بجديّة بالغة، لكن "ترامب" بدى متحمسًا للغاية كعادته، حيث خطى خطوة ربما سوف تؤثر على زيادة في "خدش" الكرامة الوطنية الإيرانية، عندما صرّح عبر تويتر بنبرة يشوبها "الإذعان"، أن لديه شعور قوي أن إيران ستجلس على طاولة المفاوضات في نهاية المطاف.

 البازار الإيراني "وما أدراك ما البازار"، من جانبه بدأ يضغط باتجاه تسريع الحوار والمضي في مسار المفاوضات، على اعتبار أن هذا التوجه سيخفف من حدّة التوتر في السوق، محذراً من الانهيار الاقتصادي والأمني الشامل.

 الأخبار التي تتوارد تباعاً -وحتى اللحظة-من داخل إيران، بدأت تتحدث عن أن أحد أهم أسباب انتشار واتساع الاحتجاجات في أصفهان والأحواز والمدن المختلفة، ليست فقط مرتبطة بالعقوبات الأميركية؛ بل هي رد على مشاكل أخرى معقدة مثل شح المياه، وحقوق الأقليات، والفساد وغيرها من الأزمات السياسية والاجتماعية التي باتت تعصف بإيران.

 فالمشكلة هي أن إيران لا تعاني فقط من مجرد أزمة اقتصادية -صحيح إن الأزمة الاقتصادية أزمة ضخمة، حيث أصبحت القطاعات الشعبية مستاءة بشكل واسع على امتداد الجغرافيا الإيرانية-ولكن من ناحية أخرى، نرى أن الأزمة الداخلية في الوقت نفسه، أي الاحتجاجات والإضرابات للناس، لا تقل كذلك خطورة عن الأزمة الخارجية التي باتت تعيشها إيران بسبب محيطها الإقليمي والدولي الرافض بحدة لسياساتها.

 الشارع الإيراني يتحدث اليوم عن ضرورة منح الرئيس روحاني تفويضاً عاجلاً من جانب المرشد خامنئي للتفاوض مع واشنطن وكممثل كامل الصلاحية، النقطة الثانية: هي أنه تمّ تبادل الرسائل بين طهران وواشنطن، ودخلت أطراف ثالثة على خط الوساطة بالفعل؛ لكن من سيتحمل قضية التأخير، وطول عملية التفاوض، وكلفها على الاقتصاد والدولة الإيرانية، وأن شعارات " الاقتصاد المقاوم " والمقاومة البطولية " كلها شعارات فارغة قد تؤدّي إلى انهيار الجمهورية الإيرانية وتفككها.

 لكن الكل تناسى أنّ إيران خامنئي قد دخلت فعلياً مرحلة التفاوض مع واشنطن، وأن ما يجري من حراك داخلي هو للفت نظر الشعب الإيراني المسكين، واستنزاف قدراته وجهوده، وإشغاله عن الانخراط في الاحتجاجات، وتوجيهه نحو مسألة الحوار مع واشنطن أو عدمه.

 بموازاة ذلك دخل الحرس الثوري الإيراني والجناح المتشدد، طبعاً بتوجيه من خامنئي، على خط الأزمة حيث أرسل اللواء "محمد علي جعفري" قائد الحرس الثوري أمس رسالة إلى الرئيس "روحاني" أكدّ فيه على قصور وسوء إدارة الفريق الاقتصادي للحكومة، مطالباً روحاني بمواجهة فريقه الاقتصادي بعزم وحسم، وبقرار ثوري، وأن يقوم بتغيرهم.

 المثير أن اللواء "جعفري" تناسى أنه لا حول ولا قوة لروحاني وحكومته على الاقتصاد، الذي تحوّل بصورة شبه كاملة، وبات تحت سلطة الحرس الثوري من خلال ذراعها مؤسسة خاتم الانبياء التي تدير أكثر من 60% من الاقتصاد الإيراني، وأن السياسات الأساسية الداخلية والخارجية للنظام مصمّمة على قلب السلطة، حيث المرشد "خامنئي"، هو رأس الدولة والثورة، والذي يرسم كل سياسات النظام، وهو القائد الأعلى للحرس الثوري الإيراني، وهو السبب المباشر في تدمير بنية الدولة والنظام على حد سواء.

 المثير أن الجناح المحافظ بدأ هو الأخر في مواجهة "روحاني" حيث أعلن عضو في ائتلاف "أميد" المتشدّد في البرلمان الإيراني عن إرسال رسالة وقع عليها أكثر من 200 نائبًا للرئيس، مطالبين بإجراء تعديل شامل على حكومته، وقال "أبو الفضل سوروش" ممثّل عن مدينة طهران في البرلمان، وأحد الموقعين على الرسالة، إن هذه الرسالة هي آخر حجة للموقعين على الرسالة على الحكومة، ووفقا للنائب "سوروش"، فإن أعضاء الفريق الاقتصادي للحكومة يجب إقالتهم جميعاً، وإلا سيتم استجوابهم والإطاحة بهم من جانب البرلمان، وفعلاً طلب رئيس مجلس الشورى " علي لاريجاني " مثول روحاني أمام المجلس خلال فترة شهر من تاريخه للإجابة عن تساؤلات النواب ، ضمن صيغة " استجواب الرئيس " ، وهو ما كان يرفضه روحاني سابقاً .

 لا شك بأن إيران الآن باتت تقف على مفترق طرق خطير، وبين خيار ين لا ثالث لهما، إما التفاوض والرضوخ "لترامب"، أو مواجهة شبح العقوبات القاسية والذكية، وأي ردّ فعل غير محسوب من طهران، سوف يكون له تأثير وخيم على الدولة والثورة الإيرانية التي أصبحت على شفير الهاوية.

وسوم: العدد 783