رئيسة كرواتيا تقطع اجتماعا دوليا لترضع طفلها!
من المؤكد أن السيدة كوليندا جارابار كيتاروفيتش، رئيسة كرواتيا كانت نجم المونديال عام 2018م، قبل فريقها وفريق فرنسا الذي رجع إلى باريس وهو يحمل كأس العالم في كرة القدم للمرة الثانية- المرة الأولى كانت قبل عشرين عاما.
الرئيسة الكرواتية رمز لما يسمى الآن بالحكم الرشيد. فهي تحكم لتخدم شعبها، ولا تحكم ليخدمها الشعب. وهي تعمل بكل ما تستطيع من قدرات لتنتشله من الفقر والأزمات الاقتصادية، وليس بمدّ اليد للآخرين كي تقترض وتتسول، ثم تفتح ميزانية دولتها للصوص الكبار كي يسرقوا بالقانون. إنها تبدأ بنفسها، وتجعل منها قدوة للأخرين. فقد سافرت إلى موسكو لحضور المونديال بعد أن حصلت على إجازة من منصبها دون مرتب طوال أيام الإجازة، وركبت الطائرة العمومية في الدرجة السياحية بتذكرة دفعت ثمنها من جيبها، بالطبع كان يمكنها أن تشتري طائرات رئاسية فخمة لمشاويرها الداخلية والخارجية، ولكنها لا تفعل لأن شعبها فقير!
بساطة السيدة الكرواتية جعلتها ترتدي ملا بس بسيطة، وتجلس في مدرجات الشعب العامة، وليس مقصورة الرؤساء لتتمكن من تشجيع فريقها مع عامة شعبها الذين تحملوا مشقة السفر على حسابهم لمناصرة فريقهم المكافح. لم تحط نفسها بدروع من الحراس والبودي جارد والعسس، ولم تجلس في مكان محصّن كي لا يقترب منها الناس أو يتكلموا معها، بل كانت في القلب منهم، واثقة أن أمنها يأتي بمعرفتهم ومن خلالهم، لأنهم أحبوها واختاروها في وظيفتها بمحض إرادتهم عبر صندوق الاقتراع، ولم تفرض نفسها بقوة الدبابة أو صندوق الذخيرة.
في عام 2006 كانت السيدة كوليندا تشغل منصب وزيرة خارجية كرواتيا وزارت موسكو فذكرت- كما يقول مراسل الأهرام في روسيا- لصحيفة «ازفيستيا» أنها اضطرت ذات مرة خلال مباحثاتها مع البرلمانيين الأوروبيين في ستراسبورج إلى طلب قطعها لمدة نصف ساعة للذهاب إلى مقر بعثة بلادها من أجل إرضاع طفلها الذى كانت تحرص على اصطحابه معها في رحلاتها الخارجية. وذلك لتثبت لكل النساء، أهمية وظيفة الأمومة وضرورة القيام بواجبات الأسرة. ونشرت لها الصحف أخيرا صورا وهي تقوم بطلاء جدران منزلها بيدها، مستعيدة سيرة مارجريت تاتشر أقوى حاكم في أوربة على زمنها.
لقد تولت كوليندا حكم «كرواتيا» بعد نظام صليبي دموي استأصل بالقتل عددا كبيرا من المسلمين في أثناء حرب البلقان التي اشتهرت باسم حرب البوسنة والهرسك، وشارك صرب كرواتيا مع الكاثوليك التي تنتمي إليهم كوليندا، في مذابح عديدة لمسلمي يوغوسلافيا السابقة، لا تقل فظاعة ووحشية عن مذبحة سربرينستيا الشهيرة، مع تفاوت في الحجم والعدد حتى صار المسلمون يمثلون أقلية ضئيلة بين القوميات الثلاث. لقد تولى سلفها الراحل «فرانيو تودجمان» عمليات الإبادة العرقية ضد مسلمي البوسنة والهرسك، وخلف آلاما وأوجاعا لاحد لها، وجاءت «كوليندا جارابار كيتاروفيتش» في عهد السلم لتعمل من خلال نظام ديمقراطي برلماني يقوم على الشفافية وتسهم في بناء بلد دمرته الحرب والتعصب الصليبي والتمييز العنصري، وقد امتلكت الثقافة والخبرات التي تؤهلها لحكم البلاد والمشاركة في نهضتها، فقد تخرجت في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة زغرب، وحصلت على درجة الماجستير في العلاقات الدولية، وحصلت على زمالة كلية كيندى للإدارة الحكومية في جامعة هارفارد. وكانت أول امرأة يتم تعيينها في منصب الأمين العام المساعد في منظمة حلف شمال الأطلسي، كما شغلت بعده منصب وزيرة خارجية كرواتيا لمدة ثلاث سنوات قبل فوزها برئاسة الجمهورية في عام 2015. وأسست مع الجيل الجديد لنظام ديمقراطي يتيح للشعب الكرواتي أن يعمل في حرية وانطلاق، ويشارك في تقرير مصيره، ويتحرك تحت مظلة العدل والقانون.
لقد انبهر العرب بشخصية هذه المرأة التي تساوي مئات الرجال، لأنها تحرس الحكم الرشيد في بلادها، وتحيا مثل أي مواطن كرواتي ولا تتميز عليه، وأيضا لا تعتقله ظلما ولا تقتله خارج القانون، ولا تسند إليه تهمة الإرهاب لأنه يعارضها، ولا تخصص ميزانية ضخمة لإشاعة الكذب والتضليل وتسويغ الممارسات الضالة.
ليس صحيحا أن العرب لم يروا فيها إلا مؤهلاتها الجسدية، ولم يركزوا أبصارهم وغرائزهم المكبوتة إلا على لقطات تصور رئيسة كرواتيا تعانق فريق بلدها بعد الفوز (في غرفة خلع الملابس)!.كما يقول بعض الفاشلين والفاشلات! ولم يهتم العرب بصورها التي تظهر فيها بالمايوه البكيني، فقد كان الذين نشروا صور شبيهة لها بالبكيني من العاملين في صحف لندن عقب هزيمة فريقهم الإنجليزي أمام فريق كرواتيا. ولم يكن لما يسميه بعض المنافقين حزب «التدين الشكلي» الذى يضع مصحفاً على مكتبه ويفتح الدرج لتلقى الرشوة علاقة بكرة القدم أو مسابقات المونديال! إن رغبة الضالين المضلين في النيل من الإسلام والمسلمين تجعلهم يحاولون التغطية على جرائم حكومات الاستبداد والبيادة ضد شعوبهم، وفشلها الذريع في مجالات السياسة والاقتصاد والتعليم والصحة والأمن وكرة القدم.
لا يعني العرب ما تحمله آراء رئيسة كرواتيا تجاه اللوطيين والسحاقيين والإجهاض، فهي ابنة ثقافة مختلفة، مثل الثقافات التي يعبد أصحابها البقر أو الأصنام أو الأشجار أو غير ذلك، وإنما الذي يعنيهم أن دولة صغيرة تحرص على كل مليم في ميزانيتها وتوجهه لصالح شعبها، وتتيح لشعبها العمل الحر الطليق، استطاع أبناؤها الذين يشاركون في المونديال أن يقاتلوا قتال الأبطال، وأن يصلوا لأول مرة إلى الترتيب الثاني، على قائمة أبطال العالم، في الوقت الذي عادت فيه فِرق أمة "حنا للسيف .. حنا للضيف" بخفي حنين! ورجعوا من على باب المونديال بأثقل الهزائم والفضائح. (المنتخب المصري ثاني أسوأ فريق، واللاعب المسمى النني ثاني أسوأ لاعب).
لقد كسب فريق كرواتيا احترام العالم مع أنه مُني بالهزيمة في اللقاء الأخير بالمونديال. فقد لعب أفراده بكل طاقتهم حتى الدقيقة الأخيرة، ولم يفقدوا الأمل، أو يستسلموا للإحباط، أو يعتمدوا على لاعب واحد! (توج النجم الكرواتي لوقا مودريتش، بجائزة أفضل لاعب في كأس العالم 2018، وذلك بعد المستويات الرائعة التي قدمها اللاعب في مباريات البطولة. ثم وهو الأهم فتح الباب واسعا للسياحة في كرواتيا ذات الألف جزيرة في البحر الأدرياتيكي دون طبل أو مزمار!
فرنسا أحرزت كأس العالم لأن جو الحرية الذي يعيشه مواطنوها والمهاجرون إليها، رغم نزعة التعصب الصليبي التي تشيعها الثقافة الفرنسية، أتاح للفريق الفرنسي أن يظفر بالنصر العالمي للمرة الثانية! كرة القدم مرآة للأوضاع السياسية والاجتماعية والإدارية في البلاد المختلفة. أما ذلك الكائن الذي عزا هزيمة الفريق المصري للإخوان المسلمين، فنقول له: شر البلية ما يضحك!
الله مولانا. اللهم فرج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!
وسوم: العدد 783