مجازر «رابعة» و«النهضة» بين نواطير مصر وثعالبها

مرت خمس سنوات على ذكرى لجوء قوات الجيش والشرطة في مصر إلى استخدام العنف الأقصى في فض الاعتصامات الواسعة في ميداني رابعة العدوية والنهضة، مما أسفر عن سقوط آلاف القتلى والجرحى، وأعداد هائلة من المعتقلين ما تزال غير معروفة. وفي غياب أي تحقيق مصري مستقل، حكومي أو قضائي أو أهلي، بادرت المنظمة الحقوقية «هيومن رايتس ووتش» إلى إجراء تحقيق شامل، خلصت فيه إلى أن عمليات القتل اثناء فض الاعتصامين لا تشكل انتهاكاً صارخاً لشرعة حقوق الإنسان الدولية فقط، بل ترقى إلى جرائم حرب ضد الإنسانية بالنظر إلى الطابع المنهجي الذي اتصفت به العمليات، حيث كانت جزءاً من سياسة ردع تستهدف اعتبارات سياسية من وراء الإجهاز على أشخاص غير مسلحين.

ورغم أخطاء الرئيس المصري محمد مرسي، وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، فإن انتخابه كان شرعياً وفق المعايير المعترف بها عالمياً وعزله على يد وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي كان انقلاباً واضحاً لا تليق به أي تسمية أخرى. ولعل ارتكاب المجزرتين في رابعة والنهضة كان النذير الأبكر على اعتماد سياسات قصوى في البطش وقهر المعارضة وعسكرة المجتمع، وهذا ما اتضح أكثر فأكثر مع قوانين القمع اللاحقة، سواء عن طريق المراسيم في ظل حالة الطوارئ، أو عبر برلمان صوري تسيره الأجهزة الأمنية. 

وهكذا صدر القانون الذي ينظم التظاهر ضمن شروط تعجيزية تقارب الحظر الفعلي وتستغل أي تحرك جماهيري من أجل تشديد القمع، كما في الاحتجاجات ضد التفريط بالسيادة المصرية على جزيرتي تيران وصنافير، أو سياسة النظام بخصوص سد النهضة. كذلك صدر القانون الذي يشل حركة المنظمات غير الحكومية، ويربط الترخيص لها بجهات أمنية تحت طائلة عقوبات زجرية. وأخيراً، وليس آخراً، تمثلت ذروة المفارقة في حظر حركة «6 أكتوبر» التي كانت المحرك الأبرز وراء الاعتصامات الواسعة التي أجبرت حسني مبارك على التنحي.

وإلى جانب تقييد الحريات العامة وانتهاك الحقوق المدنية الأبسط، كان محتماً على السلطة الانقلابية أن تنحني أمام ضغوطات صندوق النقد الدولي فتلقي في نيران الفاقة والعوز والغلاء الفاحش بمواطن مصري محدود الدخل أصلاً، تزيد في شقائه استقالة الدولة من خدمات جوهرية كالصحة والتعليم. ففي هذين الميدانين، على سبيل المثال فقط، لم تلتزم السلطة الانقلابية حتى ببنود الدستور التي تفرض تخصيص 3 و4٪ من الناتج القومي لهذين القطاعين على التوالي. وأما في ميدان الفساد، فإن هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبة في مصر، دفع ثمناً باهظاً بلغ السجن خمس سنوات لأنه كشف النقاب عن تبديد 76 مليار دولار من الثروة الوطنية في مسارب الفساد الكثيرة.

ويبقى أن أحد أبرز دروس المجزرتين هو الخطأ الشنيع الذي وقعت فيه قوى يسارية وليبرالية حين أيدت فض الاعتصامين بوحشية غير مسبوقة، تحت ذريعة التخلص من حكم الإخوان، وهي اليوم أقرب إلى حال نواطير مصر التي نامت عن ثعالبها، فصارت هي ذاتها ضحية وليس العناقيد وحدها.

وسوم: العدد 785